المصور الأمريكي دايفيد مولين الحائز على جائزة "إيمي" في حوار للنصر: حان الوقت لإصلاح هوليوود وكورونا عجّلت بتراجع السينما التقليدية


يرى المصور السينمائي الأمريكي ذو الأصول اليابانية «دايفيد مولين» الحائز على جائزة «إيمي» سنة 2019، أن الوقت قد آن لإصلاح سينما «هوليوود»، التي قال إنها ما تزال تُظهر الرجل ذي البشرة الملونة، في صورة الشخص السيئ أو الصديق المفضل للبطل في أحس الأحوال، كما يدعو «مولين» الذي شارك في العديد من الأفلام التلفزيونية الناجحة، الشباب المحبين لهذا المجال إلى مشاهدة الأفلام القديمة والتعلم منها، ليتطرق في حوار خص به النصر إلى مواضيع أخرى عن مستقبل الفن السابع والتحديات التقنية الجديدة.

حاورته: ياسمين بوالجدري
منذ فيلم «نانوك رجل الشمال»  لـ «روبرت فلاهيرتي» سنة 1922، شهد مجال التصوير تحولات هائلة، خاصة بمجيء الثورة الصناعية الرابعة التي أتت معها بأجهزة كاميرا عالية الدقة. إلى أي مدى يمكن أن يتطور مجال التصوير وهل يمكن أن نرى مستقبلا كاميرات ذاتية التصوير لكن نكون معها بحاجة إلى الإنسان؟
لا أعتقد أننا اقتربنا من أي نوع من حدود التصوير الرقمي حتى الآن. التصوير الفوتوغرافي الذي غالبا ما يستعمل جهاز كمبيوتر يعالج تعرضات متعددة من  نقاط مختلفة قليلاً لزوايا الصورة، يفتح الكثير من الاحتمالات التي يتم استخدامها الآن فقط في السوق ولم تعرف بعد استخداما كبيرا في التصوير السينمائي للعروض التلفزيونية والأفلام.
التصوير السينمائي للإنتاج السردي هو مزيج بين الفن و العلم، ولكونه شكلا فنيا، فإنه يتطلب اتخاذ القرار البشري، إنه تعبير شخصي، لذا فإن الكاميرا التي لا تحتاج إلى البشر لالتقاط صور فنية، لا تحظى باهتمام كبير لدي.
يُعد الفيلم التلفزيوني «السيدة ما يزل الرائعة» من أكثـر الأعمال التي عملت عليها كمدير تصوير، تحقيقا للنجاح، وقد نلت منه جائزة «إيمي» لأكاديمية الفنون التلفزيونية العام الماضي. ما الذي يمثله هذا التتويج بالنسبة لك؟
لقد شارك في هذا العمل الكثير من الفنانين الموهوبين. لدينا مصمم إنتاج رائع، بيل غروم، ومصممة الأزياء دونا زاركوفسكا، مما يجعل عملي أسهل لأن كل شيء أمام الكاميرا يبدو جيدًا. التمثيل والكتابة والإخراج ممتازان أيضًا، وهذا هو السبب الرئيسي وراء نجاح العرض. أعتقد أنه كان من الأسهل القيام بتصوير جيد في عرض خلال سنتي 1959 إلى 1960 (الفترة التي كانت تدور خلالها الأحداث)، لكن كان علينا تصميم كل شيء والتحكم فيه، لا يمكننا الركض للخارج وتصوير أي شيء نواجهه. إنه لشرف عظيم أن أفوز بإحدى جوائز «إيمي» لأن المصوتين زملاء محترفون في مجال صناعة التلفزيون.
في هذه السلسلة التي صورتم منها 4 مواسم، استخدمتَ الألوان بشكل ملهم وفريد، وصنعت لقطات طويلة كان من الصعب التقاطها في غرفة مكونة من 12 سيدة، أين كانت البطلة تعمل. تغلبت أيضا على مشاكل التصوير في مدينة نيويورك الحديثة والمكتظة، لتبدو المشاهد كأنها تحدث في فترة الخمسينيات، كيف استطعت التغلب على هذه التحديات والمزاوجة بين التناقضات للخروج بهذه النتيجة المبهرة؟
منذ البداية، لم يرغب مبدعو العرض في الحصول على المظهر الباهت لتلك الفترة، بألوان «الباستيل» التي يطغى عليها البني، لقد أرادوا ألوانًا نابضة بالحياة وحركات الكاميرا السريعة، والكثير من الطاقة مثلما امتلكتها الشخصية الرئيسية «ميدج». أسمّي تصميم تلك الحقبة «التفاؤل الصناعي»، لأنه عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث تم آنذاك تسويق نظرة إيجابية للرأسمالية وسط الجمهور.


كل شيء كان مشرقا ولامعا و جديدا، لكن في محيط كل هذا، كانت ما تزال عناصر تعود لما قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي مباني نيويورك القديمة، لذلك كان هناك مزيج من عناصر الأربعينيات والخمسينيات في إطار التصوير.
عندما كنا نصور في الخارج، كان من الصعب دائما إخفاء المتاجر الحديثة وحركة المرور، لكن تحكمنا في هذا الجانب قدر الإمكان واعتمدنا بعد ذلك على التأثيرات المرئية لاستبدال أجزاء من الخلفية.
حظيت أيضا بإشادة النقاد بخصوص رقصة كاتدرائية نوتردام في باريس وتمكنك من تجاوز مشاكل الإضاءة التي تزامنت مع الفيضانات الشتوية هناك، كيف عشت أجواء العمل هذه؟
نعم، كانت الفيضانات الشتوية خلال التصوير في باريس مشكلة لأننا كنا نرقص على طول ضفاف نهر «السين» ليلا مع كاتدرائية نوتردام في الخلفية، صادفنا هذا الأمر عندما وصلنا في فيفري 2018؛ لحسن الحظ في الوقت الذي صورنا فيه المشهد في مارس، انحسرت المياه بما يكفي لتصوير الرقص.
كان من الصعب إحضار معدات ثقيلة إلى تلك المنطقة أيضا، مثل رافعات الأضواء، لأن الشوارع والأرصفة التاريخية تحتوي أحيانًا على مساحات جوفاء تحتها يمكن أن تنهار إذا كان هناك الكثير من الوزن فوقها. اضطررت إلى زيادة حساسية الكاميرا من أجل التصوير بأكبر قدر ممكن من إنارة الشوارع المتاحة، وكذلك لأن نوتردام كانت مضاءة ذاتيا فقط وإلى مستوى منخفض.
 لم يكن لدي سوى بعض الأضواء للراقصين في المقدمة وقد كان الأمر أكثر صعوبة عندما صورنا مشهدًا على الجسر التاريخي «جسر الفنون» Pont des Arts، حيث لم يكن بإمكاني سوى إحضار بعض الأضواء الصغيرة على المدرجات لتسليط الإضاءة على الممثلة.
غالبا ما يكون التحدي الأكبر بالنسبة لي هو لقطات الكاميرا المتحركة، والتي يدور بعضها لـ 360 درجة، مما يجعل من الصعب إخفاء الأضواء. في معظم الأحيان أضطر إلى تعليق ضوء “ليد” ناعم على السقف فوق الممثلين بالداخل لأن هذه هي البقعة الوحيدة التي لا تراها الكاميرا.
قلت في مقابلة سابقة «عندما تكون المادة جيدة، فإنها تجعل كل شيء أفضل على الساحة مع الممثلين». كمصور، كيف تتعامل مع النص؟
أعتقد أنه إذا كانت الكتابة قوية، بغض النظر عن النوع أو القصة، فإن ذلك يجلب ممثلين جيدين إلى المشروع وتصبح المشاهد مثيرة للاهتمام لمشاهدتها. هنا لن نكون مجبرين على تكبد عناء كبير لجعل تقنية تصوير المشهد تخلق الاهتمام، لأن المشهد مثير للاهتمام بطبيعته. في أفلام أخرى يقول المخرج أحيانا «يجب أن نفعل شيئا مثيرا بالكاميرا هنا لأن المشهد ممل للغاية» وهنا إجابتي الأولى تكون «لماذا لا يعيد الكاتب كتابة المشهد أولا فلا يكون مملا؟ ألن يكون ذلك أفضل؟»
أنت من المصورين الأمريكيين الذي ناضلوا لسنوات للحصول على أفلام مسرحية تناسب التلفزيون لكن بإطار مثالي يحكي القصة بشكل أفضل. هل ستربح المعركة؟
لا أعلم، لقد كان هناك الكثير من الضغط من بعض الإعلانات التجارية وبعض البرامج التلفزيونية حتى في تأطير عرض الهاتف الرأسي والأفقي. أعتقد أنه من المستحيل القيام بعمل جيد لأن التكوين الجيد هو نتاج توازن دقيق للعناصر في الإطار، لذلك لا يمكن فعل ذلك بإطارين في نفس الوقت، وليس فقط إذا كان الإطاران مختلفين جذريا. سينتهي بك الأمر بوضع أي شيء مهم في منتصف اللقطة، وهو أمر ممل.
هل ستعوض سينما الموبايل، السينما في صورتها التقليدية يوما ما؟
لقد سببت جائحة كورونا تحولا نموذجيا سرّع من تراجع مسرح السينما التقليدية، ربما لوجوده فقط في بيوت الفنون الصغيرة والمتاحف في المدن الكبرى. لا أتمنى أن يحدث ذلك وآمل بمجرد انتهاء هذا الوباء أن تظل الرغبة لدى الجمهور الأصغر في الخروج مساء لمشاهدة فيلم كجزء من التجربة الاجتماعية والخروج من المنزل.
 يرى متابعون أن السينما الأمريكية تروج عموما، للعنصرية ضد الرجل الأسود، إذ يظهر غالبا على أنه ذلك الشخص المنحرف الذي يعيش في أحياء فقيرة، ونادرا ما نراه في صورة المثقف أو حتى في أدوار البطولة. هل تعتقد أن الأحداث التي تعيشها أمريكا اليوم من مظاهرات مناهضة للعنصرية بعد قتل «جورج فلويد»، تفرض إعادة النظر في طريقة المعالجة هذه؟
أعتقد أن هذا هو الوقت المناسب لإصلاح هوليوود والوصول إلى وجهة نظر أكثر توازنا أمام الكاميرا و خلفها، من خلال إشراك المزيد من الفنانين ذوي البشرة الملونة والمزيد من النساء الفنانات بشكل إبداعي. طالما أن الرجال البيض يسيطرون على الصناعة، بغض النظر عن مدى تنويرها، فإنها لن تخلق صورة دقيقة عن العالم المحيط بنا.
الآسياوي أيضا، يُصور على أنه رجل آلة أو مصارع أو إنسان بارد المشاعر، ولا يتم التركيز كثيرا على البعد الإنساني في شخصيته. ما رأيك؟
جزء من المشكلة هو قلة الوقت الممنوح في الشاشة للأعراق المختلفة، مما يعني نقصا في نطاق القصص. إذا كانت أدوار الأشخاص ذوي البشرة الملونة تقتصر فقط على الأجزاء الثانوية، مثل شخصية «الصديق المفضل» أو «الزعيم» أو «الرجل السيئ»، فلن يكون هناك تعقيد وعمق.
أصبحت شركات عالمية تسيطر على صناعة وتوزيع الأفلام و المسلسلات مثل «نيتفليكس»، ما جعل المحتوى غير متاح للعامة. ألا ترى في هذا إجحافا في حق الجمهور؟
حتى مع التوزيع هناك حدود لما يتم إصداره، فالكثير من الأفلام الأجنبية لا تصل إلى مسارح السينما في الولايات المتحدة، بالمقابل، تتمتع خدمات البث بإمكانية توفير المزيد من الأشياء حول العالم على سبيل المثال، الآن على HBO Asia، يمكنني مشاهدة البرامج التلفزيونية اليابانية المنتجة، وهو شيء جديد هنا. ومع ذلك، يبقى هناك شيء فريد في تجربة العرض التي لا يمكن تكرارها في المنزل، لذا آمل ألا تختفي مسارح السينما. من ناحية أخرى، خلال هذا الوباء، نعتمد جميعا على الفيديو المنزلي أكثر من أي وقت مضى.
من وجهة نظرك، ما هي أفضل الأفلام في تاريخ السينما العالمية؟
على سبيل المثال لا الحصر، «ملحمة الفضاء»، «الساموراي السبعة»، «دكتور سترانجيلوف»، «ثمانية ونصف 8 ½»، «المواطن كين»، «إيكيرو»، «الوهم الكبير»، «الجنرال باستر كيتون»، «الختم السابع» و «شغف جان دارك».
ثلاثة من هذه الأفلام آسياوية. يبدو أنك متأثر بالسينما الآسياوية، هل هذا لأنك من أصول يابانية؟
ربما.
ما الذي تعرفه عن السينما الجزائرية والعربية عموما؟
لا أعرف الكثير.
عدّد لنا على الأقل اسمين أو ثلاثة
سمعت عن زياد الدويري وأصغر فرهاني. (الأول مخرج لبناني فرنسي والثاني مخرج سينمائي وكاتب سيناريو إيراني).
تقدم الكثير من النصائح لهواة التصوير من كل أنحاء العالم، سواء في المنتديات أو على حسابك الخاص بموقع فيسبوك. ومؤخرا لبيت دعوة شباب جزائريين يديرون صفحة اسمها «سينيفليا سوسايتي» و واصلت البث معهم لساعة كاملة. ما الأسئلة التي تُطرح عليك عادة، وما الرسالة التي تريد إيصالها لمحبي التصوير؟
أريد من صانعي الأفلام الصغار أن يشاهدوا الأفلام القديمة ويتعلموا منها. أتلقى جميع أنواع الأسئلة والعديد منها تتعلق بتقنيات التصوير السينمائي، لكني أحب التحدث عن تقنيات الإضاءة والكاميرا المستخدمة في الأفلام القديمة.
لا يكاد يمر يوم دون أن تصور فيه كلبتك «كلارا» مع وضع تعليقات مرحة في حسابك بموقع «فايسبوك». هل هي مصدر إلهام لك خلال فترة الحجر أم أنك تختبر عليها تقنيات التصوير؟
كوننا محجورين في المنزل مؤخرا، فإن كلارا هي أفضل ما يمكن تصويره في الوقت الحالي. عندما كنت أعمل في نيويورك على «السيدة الرائعة ميزل»، بإمكانك أن تشاهدي الكثير من صور الشارع التي التقطتها خلال تلك الأشهر. أحب الاستمرار في ممارسة التصوير الفوتوغرافي الخاص بي.    
        ي.ب

تاريخ الخبر: 2020-06-11 12:25:54
المصدر: جريدة النصر - الجزائر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 60%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية