"ترمنال" مغربي في مطار الدوحة.. إيطاليون أنفقوا 29 ألف أورو وقطريون عرضوا وجهات العالم والمغرب رفضه


يعتبر حظه الأكثر عثرا مقارنة بباقي المغاربة العالقين في الخارج، والذين يقدر عددهم بما يفوق الثلاثين ألفا، تكمن قصته في احتجازه في منطقة "ترانزيت" بمطار الدوحة، بعدما كان في كينيا، في رحلة عمل.  السفارة تطالبه بالخروج من المطار إن أراد الحصول على المساعدة، والخطوط القطرية، مستعدة لنقله إلى أي مكان، حتى ولو عبر طائرة شحن، لكن ما دام المغرب يرفض عودته، يستمر وضع عتيق أوطار معلقا بين السماء والأرض.

لا تخلو قصة المهندس الشاب، والأب لطفل لم يكمل بعد عامه الثاني، من الكثير من المفارقات الطريفة، ففي الوقت الذي يتتبع فيه مشغلوه الإيطاليون وضعه عن كثب، وينفقون عليه بكل سخاء، طوال فترة إقامته في فندق بمنطقة "ترانزيت" بمطار الدوحة، وبينما تتصل به شركة الخطوط القطرية كل يوم لتعرض عليه وجهة ما في العالم، يظل عتيق متسمرا في حصاره، ينتظر العودة، بعدما بقي وحيدا، وغادرت جميع الجنسيات إلى بلدانها.

إقامة في "سجن" بـ29 مليون

وصلت تكلفة إقامته إلى اليوم أزيد من 29 ألف أورو، دفعتها الشركة الإيطالية التي تشغله، ولها فرع في الدارالبيضاء.

يقول أوطار لـ"تيلكيل عربي": إ"ني أحس بالخزي والعار، لأنهم يواصلون التكفل بي، لقد فاقت تكلفة إقامتي في فندق الترانزيت 29 ألف أورو، لكن المحزن أن مسؤولي الشركة لا يفهمون سبب إهمال حكومة المغرب لمواطنيها العالقين، ويوضح "بعد ثلاثة أشهر على هذا الوضع، صرنا نسخر ونضحك من هذا الوضع، ولكنها سخرية مريرة".

غادر عتيق الدارالبيضاء في 24 فبراير في اتجاه كينيا، بعد أن أرسلته شركته للقيام بمهمة تتجسد في تثبيت آليات بأحد المصانع المتخصصة في المشروبات والعصائر، وهي آلات تصنعها الشركة الأم في إيطاليا، وكان من المفروض أن تكون عودته إلى المغرب في 16 مارس.

لكن هذا التاريخ سيتزامن مع بدء إعلان حالة الطوارئ الصحية وما تلاه من إعلاق للحدود، فاضطر عتيق وشركته إلى تغيير موعد الرحلة من 16 مارس إلى 1 أبريل، أي من نيروبي إلى اسطنبول التركية، لكن قرار السلطات الكينية بإغلاق الحدود يوم 24 مارس خلط من جديد كل أوراقه، يقول "على الأقل، أخطر الكينيون المسافرين بإغلاق المطارات قبل تاريخ 24 مارس".

لحسن حظه تمكن من العثور على مقعد ضمن آخر طائرة  تغادر نيروبي. وكانت رحلة للخطوط القطرية، التي تربط بين كينيا والدارالبيضاء عبر المراسلة، إما عبر الدوحة أو أسطنبول، يقول "وصلت تركيا مع الخطوط القطرية ، ليبدأ أول فصل من المعاناة، لقد سحب الأتراك جواز سفري، على غرار العديد من المواطنين العرب، كان هناك مغاربة وجزائريون وتونسيون ومصريون، أما الأوربيون فكانوا يسمحون لهم بالمغادرة".

تزامن وصول أوطار إلى تركيا مع إغلاق الحدود هناك، فرفض الأتراك دخوله إلى أراضيهم، وقرروا إرساله عبر طائرة للخطوط القطري، على اعتباره زبونا لها، وهناك سيصل إلى الدوحة، ليطول المقام، ويرى نفسه كفيكتور نافورسكي الذي لعب دوره النجم طوم هانكس بطل فيلم "تيرمنال".

رافقه عناصر شرطة الحدود التركية إلى بوابة الطائرة القطرية، ليسلموا جواز سفره إلى أفراد الطاقم، كان ذلك يوم 27 مارس، بعد أن قضى ليلة في المطار التركي.

القطريون يعرضون عليه وجهات العالم

يصل عتيق إلى مطار الدوحة، على أساس أنه مسافر في مراسلة إلى الدارالبيضاء، وبما أنه لا يتوفر على تأشيرة لدخول الأراضي القطرية سيظل عالقا في منطقة "ترانزيت" رفقة العشرات من المسافرين، كان الأمر في البداية مقبولا، بما أنه رفقة العشرات من مواطني العالم، لكن بعد عشرة أيام فقط، سيجلى الجميع، بمن فيهم زملاؤه في العمل التونسيون والجزائريون والإيطاليون والموريتانيون، ويبقى عالقا لوحده.

سيضطر عتيق إلى اللجوء إلى فندق خاص بمنطقة "ترانزيت" في المطار، ويبلغ سعر الغرفة الواحدة، 3500 درهم لليلة، دون مأكل، لحسن حظه تكفلت الشركة الأم الإيطالية بمصاريفه، بينما تقول له سفارة المغرب في الدوحة، إن عليه الخروج من المطار إن هو أراد الاستفادة من الدعم، لأن سعر فندق المطار مرتفع.

يقول عتيق "لو تمكنت من الخروج لتكلفت بنفسي ودفعت مصاريف الفندق، طلبت من السفارة أن تساعدني على الخروج، ثم طلبت بأن يساهموا ولو بالقليل في مصاريف الشركة الأم، إذ لا يعقل أن تتكفل شركة أجنبية بمصاريفي بينما يتخلى بلدي عني".

الأصعب والمحرج بالنسبة لهذا المهندس، هو أن الإيطاليين لم يفهموا كيف تتخلي حكومة بلد عن مواطنيه، ويوضح "لقد اضروا بسمعة المغرب، إن المسؤولين لم يفكروا في صورة البلد كقبلة استثمارية، هل سيفكر مستثمر  في القدوم إلى المغرب، وهو يرى كيف تتخلى حكومته عن مواطنيها، إني أحس بالعار والخزي، عندما أفكر في كل المبالغ التي دفعوها من أجلي، لقد تحول الأمر إلى مدعاة للضحك، كلما تواصلنا، بل وصل بهم الأمر إلى متابعة أخبار تطورات الوباء في المغرب، لكي يفهموا أسباب التشدد في إعادة المغاربة العالقين، وعندما اطلعوا على أرقام الإصابة وانتشار الوباء في المغرب صاروا يضحكون".

يوضح أوطار أن الشركة الإيطالية حاولت دفع تكاليف رحلة خاصة له، لكن دون جدوى ما دام المغاربة مستمرين في إغلاق الأجواء، ويقول "لقد أعيد كل الإيطاليين الذين كانوا معي، وذلك رغم تفشي الوباء في إيطاليا وسقوط عشرات الآلاف من الموتى، بينما نحن لا أحد سأل فينا".

يوم 13 أبريل سيطل بريق أمل على عتيق، بعدما اتصلت به مصالح الخطوط القطرية، لتخبره بأنها ستقوم برحلة إلى المغرب من أجل إجلاء المواطنين القطريين العالقين هنا، وأنهم راسلوا السلطات المغربية من أجل ذلك، يحكي أوطار "بدأت في حزم حقائبي على أمل العودة، لأتلقى اتصالا بعدها يخبرني بأن السلطات المغربية ترفض استقبالي، أخبرتهم أني مستعد لدفع مصاريف اختبار الكشف عن الفيروس، وأداء مدة الحجر الصحي في اي فندق يعينوه، المهم أن أعود إلى أسرتي، لكن دون جدوى".

لم يفهم مسؤولو شركة الطيران أسباب رفض  المسؤولين المغاربة دخول مواطن وحيد مستعد لتحمل مصاريف عزله والأهم من ذلك أنها لن تؤمن له رحلة عبر الطائرة، ليبدؤوا في اقتراح وجهات أخرى عليه، الأهم بالنسبة لهم أن يخلي المكان، لدرجة أنهم اقترحوا عليه "كمبوديا" وبعض الدول التي لا تتطلب فيزا للدخول إليها.

يبذل الأجانب جهدا لحل مشكلة المغربي العالق في مطار الدوحة أكثر مما يبذله المغاربة، هذه هي الخلاصة التي توصل لها عتيق أوطار بعد قرابة ثلاثة أشهر من الحجز، إذ اقترح عليه مسؤولو شركة الطيران أن يتواصل مع مصالح السفارة المغربية في قطر، لكي يتم نقله إلى أحد البلدان الأوروبية التي بدأت فيها عملية إجلاء المغاربة، واقترحت الشركة نقله إلى إسبانيا، لكن المقترح ارفض على اعتبار أنه عالق مغربي في قطر، وليس في إسبانيا.

يقول الشاب العالق في مطار الدوحة الدولي، إن السفارة تذكرته في شهر رمضان الماضي، بعدما لجأ إليها في مراسلة، ليخبرها أنه يقتات على الماء والشوكولاته، لأن جميع متاجر المطار مغلقة بسبب الحظر الصحي، فأرسلته له في مرتين في شهر الصيام، مساعدات غذائية عبارة عن معلبات، و 4 لتر من الحليب ونصف كيلو شبكية، ونصف كيلو لحم مطبوخ ونصف كيلو موز وتفاح وعشر علب ياغورت بعد كل هذه المعاناة، فقد عتيق عشر كيلوغرامات من وزنه.

يقضي أوطار كل وقته في الغرفة، فهو محروم من الشمس منذ ثلاثة اشهر، ويخرج ليتمشى مائة متر المسموح له بها في منطقة المراسلة، ليعود مرة أخرى إلى الغرفة "السجن"، التي اضطر فيها إلى تحويل سخان ماء بسيط إلى وسيلة لتسخين طعامه البارد.

يختم عتيق أوطار التعليق على وضعه الاستثنائي بالقول إن الأمر تحول إلى " فكاهة"،  خاصة مع مسؤوليه الإيطاليين، الذين أخبروه بأن وتيرة المغرب في إرجاع 300 مغربي في الأسبوع، ستتطلب عامين من العمل، وهم يخشون أن يطول مقامي إلى الأبد هنا.

 

سخان الماء الذي يستعمله عتيق بمساعدة ورق الألمنيوم لتسخين طعامه في الفندق

 

تاريخ الخبر: 2020-06-16 12:21:26
المصدر: تيل كيل عربي - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 70%

آخر الأخبار حول العالم

نقل مريض يزن 300 كيلو.. لم يغادر شقته من 10 سنوات - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-18 03:24:17
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 69%

ATTAWFIQ MicroFinance recrute un Ingénieur études et développement informatique, Dernier délai avant le 3 Mai 2024

المصدر: الوظيفة مروك - المغرب التصنيف: وظائف وأعمال
تاريخ الخبر: 2024-04-18 03:24:53
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 89%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية