المشربية .. والحنين للماضي


إن حرارة جو شهر بؤونة جعلني أتذكر مباني أيام زمان .. وبالتحديد في القرن السابع عشر حيث جماليات العمارات والمباني الشرقية .. والتي كانت تراعي تقلبات الجو سواء في فصل الشتاء أو الصيف أو الخريف.

من هنا كان اللجوء إلى إدخال فن المشربيات .. وهو فن من معالم فنون البناء الشرقي، فأدخل صناع المشربيات المصريين تحسينات عديدة .. وتفننوا في هندستها بمختلف الرسوم والخطوط المميزة الجميلة.

وكان الغرض من بنائها إضفاء لمسة أو مسحة من الجمال على البناء الشرقي يزيده رونقاً مع المنفعة المناخية .. هذا فضلاً عن حجب الأنظار عن سكان المنزل الذين يمكنهم مشاهدة المارة بحرية كاملة دون أن يراهم أحد، وأيضًا تلطيف الجو صيفاً وشتاء.

ويرجع السبب في تسميتها بالمشربيات أنها كانت تخصص فيها أماكن لوضع أواني الماء الفخارية “القلل” التي يرشح منها الماء بعد تعرضه للهواء فيتبرد في داخلها .. وكلمة مشربيات هي جمع كلمة “مشربية” .. التي ترمز إلى المكان الذي توضع فيه آنية الشرب أو النظر منه على المكان المجاور لها.

وتتألف المشربية من ألواح خشبية مكونة بمختلف الأحجام من إطار وأعواد خشبية مختلفة الأطوال .. وتثبت هذه الأعواد داخل الإطار على أبعاد متساوية .. وعلى زاوية نصف قائمة في إحدى جهتي الإطار، وتثبت في الجهة الثانية أعواد أخرى مماثلة لها من حيث الأبعاد والأطوال .. ولكنها معاكسة لها في الإتجاه .. بعد ذلك تثبت الألواح ببعضها فتشبه خلية النحل أمام النوافذ أو الشرفات بحيث تكون خارجة عن مستوى الجدار، فتسهل مرور الهواء وتحجب إلى حد ما جانباً من أشعة الشمس عن البيوت.

ويختار صناع المشربيات نوعية الخشب وجودته والعوامل الطبيعية التي تؤثر فيه مثل حرارة الصيف الشديد التي تجعله عرضة للتقلص والإلتواء والتشقق .. وكذلك حرصوا على تشابك قطع الخشب الصغيرة الواحدة بالأخرى دون إستعمال مادة الغراء أو المسامير، فلا يحدث أي عطب للمجموعة كلها التي تتكون منها المشربية.

تلك الصناعة كانت متبعة في مصر منذ العصر القبطي .. وفي العصر الإسلامي أخذ الصناع يبحثون عن نماذج يزينون بها ألواح المشربيات كالخطوط العربية والآيات القرآنية ورسم القناديل المعلقة والأباريق الجميلة .. وفي أواخر القرن التاسع عشر كانت المباني في شوارع القاهرة القديمة تكتظ بأنواع وأشكال مختلفة من المشربيات كانت تستوقف المارة وخصوصاً السياح الأجانب يتأملوا جمالها ودقة صنعها.

وإذا كنا نطلق عليها اليوم فنون تقليدية حيث ارتبطت منذ نشأتها بأنماط معينة كي تؤدي وظائف إجتماعية في أيام زمان .. فإنها اليوم تثبت قدرتها على الاستمرار والتطور والتعايش مع المجتمع، وأيضاً على التواصل مع العالم أجمع .. لأنها لغة إبداعية وحضارية تمت من عبقرية الفنان المصري المتواصلة حتى عصرنا هذا .. وكانت رسالة شعبنا الخالدة والمتجددة إلى العالم قديماً وحاضراً ومستقبلاً.

التعليقات

تاريخ الخبر: 2020-06-22 09:21:17
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 59%

آخر الأخبار حول العالم

بني ملال..توقيف شخص متورط بشبهة التغرير و استدراج الأطفال القاصرين.

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-19 03:25:04
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

«استمطار السحب»: 415 رحلة استهدفت 6 مناطق العام الماضي - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-19 03:24:20
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 65%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية