دفع الرائد وسام عيد حياته ثمنا مقابل تقفيه أثر مخططي ومنفذي اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وجاء عرض المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أمس ليؤكد أنها استندت إلى عمل عيد الذي انتشل الجريمة من أدراج الحفظ إلى واجهة البحث عن الجناة.

كان عيد عضوا في اللجنة الفنية المختصة بـ«الربط الإلكتروني» بين الأجهزة الأمنية اللبنانية المكلفة بنقل وتنسيق المعلومات فيما بينها، وهو من مواليد بلدة دير عمار شمال طرابلس عام 1976، وانتسب للسلك الأمني 2001 وعمل بمكتب مكافحة جرائم السرقات الدولية التابع لقوى الأمن الداخلي، كما تولى رئاسة المكتب الفني في مصلحة الاتصالات وشعبة المعلومات، ما يعني أنه كان مطلعا على الملفات الخاصة بالجرائم الإرهابية.

من هنا تبدأ علاقة وسام عيد بقضية اغتيال رفيق الحريري في 14 فبراير 2005.

تحقيق علني

بدأ فريق الأمم المتحدة تحقيقا علنيا، ثم تحول إلى تحقيق دولي، لكن كان هناك من يحقق بهدوء في بيروت بعيدا عن الأضواء، وهو الرائد وسام عيد عندما قرر البحث فيما عرف بـ»داتا الاتصالات» أو سجلات الهاتف المحمول.

طلب عيد من الشركتين المشغلتين للهواتف النقالة في لبنان استخراج سجلات المكالمات والرسائل النصية في الأشهر الأربعة السابقة لجريمة اغتيال الحريري، وعكف عيد على مدى أشهر طويلة على دراسة سجلات هاتف الحريري ومرافقيه، وتحقق من الذين اتصلوا بهم، وإلى أين ذهبوا، ومن التقوا ومتى. كما تتبع أيضا أماكن تواجد الانتحاري الافتراضي أبو عدس قبل اختفائه. لكن الأهم كان تحققه من الاتصالات التي أجريت على طول الطريق الذي سلكه الحريري يوم الاغتيال، وهنا أصبح بحوزته بنك من البيانات لما حدث قبل الاغتيال وحتى يوم الجريمة.

اكتشاف الارتباط

اكتشف عيد مجموعة من الهواتف المحمولة تتبع تنقلات الحريري منذ أكتوبر 2004 وتوقفت عن العمل تماما لحظة اغتياله ثم تبين له لاحقا أنها مرتبطة بمسؤولين في حزب الله.

واكتشف كذلك كثافة الاتصالات بين 8 هواتف تتراوح تواريخها بين 14 يناير حتى 14 فبراير 2005 وتحديدا قبل دقيقتين من الانفجار، وتم شراء أرقام تلك الهواتف من مدينة طرابلس ذات الغالبية السنية للتمويه.

دقق عيد في شبكات الاتصالات الحمراء والخضراء والزرقاء والصفراء والأرجوانية فاكتشف اقتصار الاتصالات على 4 منها دون إجراء مكالمات مع أي طرف آخر، وهي جميعها تلاحق الحريري، واستطاع الكشف عن هويات المتهمين بجريمة الاغتيال عبر الشبكة الحمراء، حيث أخطأ منسق عملية الاغتيال، سليم عياش بإبقاء هاتفه الشخصي بحوزته وهو يحمل أحد الأرقام المثيرة للشبهة، فتبعه عيد ومنه كشف الشبكة المنفذة للاغتيال، والمتهمين مصطفى بدر الدين، وحسين عنيسي وأسد صبرا.

أثبتت الاتصالات تجنيد عنيسي للانتحاري الافتراضي أحمد أبو عدس في مسجد في محلة الطريق الجديدة في بيروت، حيث قال أحد المصلين حينما تعرف على صورته إنه كان يتردد على المسجد برفقة حسن صبرا منتحلا اسم «محمد»، واللذان قاما لاحقا بإخفاء أحمد أبو عدس منذ 17 ديسمبر 2004.

نقل عيد معلوماته إلى رؤسائه، واكتشف حزب الله بنك المعلومات الضخم الذي يمتلكه عيد، فبدأ الأخير يتلقى تهديدات بالقتل، إلا أنه واصل عمله دون توقف، لكنه قتل باستهداف سيارته بانفجار أودى بحياته في 25 يناير 2008.

مشاركة المعلومات

جاء اغتيال عيد بينما كان يتجه للقاء أحد ضباط لجنة التحقيق الدولية المكلفة بالتحقيق في اغتيال الحريري حسب ما أشيع، وقال وزير الداخلية اللبناني السابق حسن السبع إن كل ما يعلمه أنه «كان آتيا من منزله في الدكوانة إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، واستهدف في هذه المنطقة التي يجب أن يمر بها حتما»، لكن الأكيد أن المتضررين من معلوماته الخطيرة عملوا على اغتياله.