بابا التنوير وبطريرك الإصلاح (٢)
بابا التنوير وبطريرك الإصلاح (٢)
نعم إنه بابا التنوير وبطريرك الإصلاح, نعم إنه كاسر تابوهات ومفاهيم اصطلح عليها أنها إيمانية, بينما هي مجرد صدي لتأثر الإيمان المسيحي بثقافة الصحراء, وارتشافه من عادات وأعراف مجتمعية, فاختلط علي المؤمنين ما هو إيماني بالنص, وما هو عرف مجتمعي, أو غزو ثقافي,إنه قداسة البابا تواضروس الثاني, بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية, الذي مازال يتعرض لهجمات متتالية بسبب استنارته, لكنه ينتصر في جميعها,آخر انتصاراته علي تابوه عدم انتقاد رجال الدين, حينما ظهر في عظته الأسبوع الماضي مؤكدا علي احترامه لحرية التعبير.
في العظة الأسبوعية الأولي له بعد استئناف اجتماع الأربعاء الأسبوعي في التاسع من سبتمبر الجاري, سأله أحد الحضور:لماذا ترفع الكنيسة قضية علي صحفية؟ في إشارة لأحد الأساقفة, الذي أقام دعوي -جنحة سب وقذف- ضد الزميلة سارة علام الصحفية في اليوم السابع, بعد صدور كتابهاأوراق القضية 508- مقتل الأنبا إبيفانيوس.
وكان الرد مبهرا, مؤكدا أن طريق التنوير والإصلاح لايتوقف مهما وضعوا أمامه أحجار العثرة, قال البابا في إجابته بالنص: الأسقف رفع قضية ضد صحفية أصدرت كتابا منذ سنة أو اثنتين, وهو تصرف فردي لم يستشر فيه أحدا ولم يكلف من الرئاسة الكنسية, فهذا تصرف فردي تماما ولا يمثل الكنيسة ولا المجمع المقدس, وهذا يجب أن يكون معروفا للجميع فهو تصرف شخصي بحت والكنيسة لا علاقة لها به, وليست طرفا علي الإطلاق, لكن كل الاحترام لكل الصحفيين والصحافة المسئولة والمنضبطة لم يذكر البابا اسم الأسقف حتي لا يكون ذلك شخصنة للحديث, واكتفي بالتلويح بأنه لايمثل المجمع المقدس ولم يكلف منه, مؤكدا علي سلوك الكنيسة تجاه حرية الرأي والتعبير أنه سلوك الكبار مقارعة الحجة بالحجة والرأي بالرأي والفكر بالفكر وليس بالتقاضي والجرجرة في ساحات القضاء, ونسج شو إعلامي, يتلقفه المغرضون والمتفرغون للمعارك الفيسبوكية ليقوموا بتشويه كل من ينطق ببنت شفه تجاه أيتابوه.
والطامة الكبري أن بعض الأقباط تعاطفوا مع سارة, استنادا لأنها فتاة مسلمة كانت محجبة في مطلع 2011, ثم تغيرت قناعاتها وخلعت الحجاب, وإذا بالبعض بصفها أنها مدسوسة من الدولة الإسلامية-داعش-!! ما كل هذا الهراء, ما كل هذا التربص؟ ما كل هذا التعصب إذا كنتم تريدون ألا يتربص بكم متطرف فلا تتربصوا بالناس, أنتم تعيدون إلينا دعاوي الحسبة من جديد.. ولمن لايعلم هي الدعاوي المرفوعة من غير ذي صفة دفاعا عن الإيمان وتعريفها أنهادعوي الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله, ومن منا يجرؤ أن يدعي أنه حامي الإيمان أو المدافع عن حق المسيح في الأرض, كيف تجرؤون أن تكونوا بشارة حية للإيمان وأنتم تمارسون ما يسيء إليه؟!.
ويظل السؤال الحائر لماذا تتم إثارة موضوع كتاب سارة علام الآن بعد ما قرب من عام ونصف العام علي صدوره؟ فتفاصيله محض قراءة في أوراق القضية رقم 508, الخاصة بمقتل الأنبا إبيفانيوس, إذا عثرت علي الإجابة تستطيع أن تعثر علي إجابة السؤال الأهم, لماذا يحارب البعض البابا تواضروس؟ ببساطة لأن القرارات التي اتخذها في السنين الأخيرة, تهدد مصالح استقرت فكل من تضرر من قرار ينفث عن داخله, وكل من يدافع عن البابا تواضروس أو يؤيد قراراته يقف في مرمي النيران معه وللأسف إنها النيران الصديقة.
ما يجري هو نتاج تأثر المجتمع المسيحي بثقافة الصحراء, وهنا أقصد ثقافة الصحراء الشرقية التي حملها إلينا البدو والعرب, بكل ما تحمله من صبغة سلفية وثقافة الصحراء الغربية التي ينتمي إليها الرهبان الذين اختاروا طوعا الابتعاد عن هذا العالم بكل معاييره الحياتية, لكن البعض منهم يريد أن ينقل لنا أنساقا حياتية لاتناسب مجتمع العالم, بينما تناسب مجتمع الرهبان, ومفاهيم رهبانية للشعب الذي لم يختر حياة الرهبنة, وهذا اللبس قضته قرارات البابا تواضروس الأحد عشر الخاصة بالحياة الرهبانية, لكن البعض يريد فرض تلك الأنساق علي حياة العالم, الأمر الذي تضاربت معه المفاهيم وصار تعاطي الشعب المسيحي متخبطا تجاه بعض الوقائع التي تخص الكنيسة, تعاطي لايستند لقراءة متأنية في الوقائع ولا إلي قراءة مستقبلية للنتائج التي قد تصيب الجميع جراء الانطلاق في دفاع أعمي أو هجوم محموم.. فشكرا بابا التنوير لأنك تعالج رعونة التعاطي بثباتك علي طريق الاستنارة والإصلاح.