في الذكرى الثانية لاغتياله، لا تزال قضية مقتل جمال خاشقجي معلّقة، بعد أن حاولت السلطات السعودية طمسها وإغلاق ملفها بالضغط على عائلته للتنازل، وبإجراء محاكمة صورية على أشخاص لم تذكر أسماءهم، من دون تحديد المسؤول السياسي والمباشر عن الجريمة.

في مايو/أيار الماضي، نشر صلاح الابن الأكبر لجمال خاشقجي تغريدة بعفو العائلة عن القتلة، ما رآه مراقبون نتيجة ضغوط السلطات السعودية (AFP)

بمرور عامين على جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، لا يزال مسار إحقاق العدالة في قضيّته معلّقاً، ذلك أن السعودية وبعد اعترافها بالجريمة بعد إنكار، وتقديمها أشخاصاً للمحاكمة، لم تكن على طول الخط تتعامل بالجدية أو الشفافية المطلوبة في القضية.

ففي الوقت الذي اتجهت فيه السلطات السعودية إلى الضغط على عائلة خاشقجي للتنازل، أغلق القضاء السعودي من جهته، ملف القضية بشكل نهائي، بإصداره أحكاماً مخففة عن الحكم الأولي على 8 متهمين، من دون ذكر أسمائهم، وإبعاد شخصيات بارزة مقربة من ولي العهد محمد بن سلمان وتبرئتهم، ومن دون تحديد المسؤول السياسي المباشر عن هذا الملف الذي هزّ الرأي العام العالمي.

الضغط على الأبناء

في مايو/أيار الماضي، نشر صلاح الابن الأكبر لجمال خاشقجي تغريدة، أعلن فيها عفو العائلة عن قتلة أبيه، فيما رآى مراقبون أنه جاء نتيجة ضغوط مارستها السلطات السعودية على العائلة، خصوصاً أن نجل خاشقجي الذي يحمل الجنسية الأمريكية بالإضافة إلى جنسيته السعودية، ممنوع من مغادرة المملكة منذ مقتل والده.

قبل ذلك الإعلان، كانت تقارير إعلامية تحدّثت خلال العام الماضي عن عرض السلطات السعودية على أبناء خاشقجي مبالغ مالية كبيرة، مقابل شراء صمتهم في ما يتعلق بجريمة قتل والدهم.

في هذا الصدد، أشارت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في أبريل/نيسان 2019، إلى أن أبناء الصحفي الراحل تسلّموا منازل بقيمة مليون دولار، فضلاً عن مبالغ شهرية كبيرة تعويضاً عن مقتل والدهم ، نقلاً عن مسؤولين سعوديين حاليين وسابقين وأشخاص مقربين من الأسرة.

من جهته، قال المحلل المختص في الشأن الخليجي جورجيو كافيرو حينها، إنه "يجب أن نتوقع أن تكون ضغوط كبيرة مارسها مسؤولون سعوديون على أفراد عائلة جمال خاشقجي... وبالتالي فمن غير المرجّح أنهم امتلكوا بالفعل خيار العفو"، مضيفاً أن "على الصعيد العملي، لم يكن متوقعاً أن يُحاكَم قتلة خاشقجي على جريمتهم، ولكن بهذا العفو بات واضحاً أن الأمر لا يعدو كونه انتهاكاً صارخاً للعدالة".

بدورها، قالت أغنيس كالامارد، خبيرة الأمم المتحدة التي حققت في قضية اغتيال خاشقجي، إنّ عفو أبنائه عن القتلة "صادم"، مشبهة الأمر بـ"المهزلة"، مضيفة: "على الرغم من أنّه صادم، فإنّ الإعلان أن عائلة الصحفي السعودي جمال خاشقجي عفت عن القتلة كان متوقعاً".

وأشارت إلى أن "السلطات السعودية تراهن على ما تأمل أن يكون الفصل الأخير في سياق مهزلتها القضائية أمام مجتمع دولي مستعد أكثر من اللازم لأن ينخدع"، معتبرة أن عفو أبناء خاشقجي "فصل" جديد في "المهزلة".

محاكمة صورية أبطالها مجهولون

بعد ذلك بقرابة خمسة أشهر، قرر القضاء السعودي إغلاق ملف خاشقجي بإصدار أحكامه النهائية على متهمين مجهولين، فبعد حكم أولي في ديسمبر/كانون الأول الماضي بإعدام 5 أشخاص (لم تسمِّهم) من بين 11 متهماً، ومعاقبة 3 مدانين منهم بأحكام سجن متفاوتة تبلغ في مجملها 24 عاماً، وتبرئة 3 آخرين (لم تسمِّهم) لعدم ثبوت إدانتهم، جاءت الأحكام الجديدة مغايرة للسابقة، إذ تراجعت النيابة العامة بشكل نهائي عن أحكام الإعدام التي صدرت في حق مدانين وبرأت آخرين.

ففي مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، أصدرت المحكمة الجزائية بالرياض أحكاماً قالت إنها "اكتسبت الصفة القطعية"، وهو ما يعني أنها نهائية وواجبة النفاذ، مشيرة إلى أن أحكامها هذه جاءت "بعد إنهاء الحق الخاص بالتنازل الشرعي لذوي القتيل تقضي بالسجن"، كما أوضحت أن المحكمة قضت بـ"صدور حكم بالسجن 20 عاماً على 5 مدانين، وأحكام متفاوتة بين 7 و10 سنوات على 3 مدانين آخرين لم تسمِّهم جميعاً".

وقالت: إنها "بصدور هذه الأحكام النهائية تنقضي معها الدعوى الجزائية بشقيها العام والخاص"، في إشارة إلى غلق مسار القضية داخل البلاد.

وبمقارنة هذه الأحكام الأولية المعلنة قبل عام بالأخرى النهائية اليوم، يتضح أن المحكمة تراجعت عن أحكام الإعدام، وبذلك تكون المحكمة أقرت أيضاً في حكمها النهائي تبرئة أحمد عسيري (نائب رئيس الاستخبارات السابق)، وسعود القحطاني (المستشار السابق لولي العهد محمد بن سلمان)، والقنصل السعودي السابق بسفارة الرياض في إسطنبول محمد العتيبي، على الرغم من أنهم أبرز المسؤولين الكبار المتهمين في القضية التي يجري تداولها في القضاء التركي، ويعدّون المسؤولين السياسيين والمباشرين في القضية.

رداً على ذلك، اعتبر كالامارد أن الأحكام "لا تتصف بأي مشروعية قانونية وأخلاقية"، وقالت: "لقد أكملوا عملية (محاكمة) ليست عادلة أو منصفة أو شفافة"، واصفة موقف النيابة العامة السعودية بأنه "محاكاة هزلية للعدالة".

المصدر: TRT عربي - وكالات