يُعرّف الذكاء العاطفي بأنه مجموعة منظمة من المهارات والكفاءات غير المعرفية في الجوانب الشخصية والانفعالية والاجتماعية والتي تؤثر في قدرة الفرد على مواجهة المطالب والضغوط البيئية، وهو عامل مهم لتحديد قدرة الفرد على النجاح في الحياة.

الطفل الذي يجري تشجيعه على أن يكون ذكياً اجتماعياً وعاطفياً منذ سن مبكرة سيصبح شخصاً واثقاً من نفسه وأكثر فهماً لذاته ومشاعره، لديه القدرة على التفاعل الإيجابي مع الآخرين وفهم مشاعرهم، كما أن الطفل الذكي عاطفياً لديه القدرة على إدارة عواطفه وسلوكه وفقاً لمتطلبات الموقف، وبالرغم من أن الذكاء العاطفي قدرة نامية قابلة للتطور، ولا يقتصر على مرحلة عمرية محددة إلا أن البدء في تعليمها للأطفال في سن مبكرة من خلال التفاعل الاجتماعي بين الطفل ومحيطه يثمر أفضل النتائج في المستقبل .

ما هو الذكاء العاطفي؟

يُعرّف الذكاء العاطفي بأنه مجموعة منظمة من المهارات والكفاءات غير المعرفية في الجوانب الشخصية والانفعالية والاجتماعية والتي تؤثر في قدرة الفرد على مواجهة المطالب والضغوط البيئية، وهو عامل مهم لتحديد قدرة الفرد على النجاح في الحياة.

ووفقاً للكاتب دانيال جولمان مؤلف كتاب " الذكاء العاطفي " فإن الذكاء العاطفي (الانفعالي) يعد عاملاً رئيساً للنجاح في المدرسة والبيت والعمل، كما يؤكد أن تزايد جرائم العنف والقتل، وارتفاع معدلات القلق والاكتئاب، وتسرب الطلبة من المدارس يعود إلى تدني مهارات الذكاء الانفعالي لهؤلاء الأفراد.

الطفل الذي يجري تشجيعه على أن يكون ذكياً اجتماعياً وعاطفياً منذ سن مبكرة سيصبح شخصاً واثقاً من نفسه (Getty Images)

ويرى جولمان أن الذكاء العاطفي والذكاء العقلي ليسا متعارضين، ولكن ينفصل كل منهما عن الآخر، وكل فرد يملك مقداراً معيناً من كليهما، ومن النادر أن نجد شخصاً ما لديه درجة عالية في أحدهما، ومنخفضة في أحدهما، كما يشير إلى أن الذكاء الوجداني يشمل قدرات عقلية ولكنها مصطبغة بالصبغة الوجدانية .

وفي حديثه مع TRT عربي أشار صلاح داوود المدرب والباحث في شؤون التعليم أن أفضل تعريف للذكاء العاطفي هو وعي الإنسان بذاته، وهذا يقودنا إلى معرفة الإنسان بقدراته وقوته وضعفه ومشاعره وما يحزنه وما يفرحه، وإذا استطاع الإنسان الوصول إلى هذه المرحلة من الوعي الذاتي فذلك سيؤثر حتماً على جميع جوانب حياته بشكل إيجابي، فسيتصالح مع ذاته ومع من حوله، كما أن للذكاء العاطفي أهمية بالغة في جميع مجالات الحياة تبدأ من المجال الشخصي إلى الأسرة، المجال التعليمي، المجال المهني فمشاعرنا تدخل في كل كبيرة وصغيرة في حياتنا.

الذكاء العاطفي للطفل وأساليب المعاملة الوالدية

يتأثر الذكاء العاطفي بطبيعة الإنسان، وتنشئته، وخبراته التي يكتسبها، لذا تقع على عاتق الأسرة بالدرجة الأولى مسؤولية التعلم العاطفي للأطفال فكل الأفعال المتبادلة بين الأبوين والطفل لها محتوى عاطفي ضمني ومع تكرار هذه الرسائل يتكون لدى الطفل أساس متين لقدراتهم العاطفية وسلوكهم وشخصيتهم وسماتهم وقيمهم.

اقرأ أيضاً:
التلفاز.. كيف يكون أداة بناء لا هدم للأطفال؟

فقد أثبتت العديد من الدراسات أن أسلوب الآباء في معاملة أطفالهم له آثار عميقة باقية في حياة الطفل العاطفية، فبقدر ما يسود الانسجام بين الأبوين من جهة وبين الأبناء من جهة أخرى بقدر ما تتوافر إمكانيات النمو العاطفي السليم للطفل، وعلى العكس من ذلك فإن الخلافات والمشاكل الأسرية تصنع طفلاً يعاني من مشكلات نفسية واجتماعية، بما في ذلك القلق، العدوان، انخفاض تقدير الذات، الفشل في تكوين صداقات، انطوائياً أو قد يصبح طفلاً مشاكساً يأخذ حقه دائماً باليد والصوت العالي.

كما أن الأمهات اللواتي يتمتعن بذكاء عاطفي مرتفع يكون لدى أطفالهن قدرة كبيرة من الكفاءة الاجتماعية والتعامل مع المواقف الاجتماعية، ولعل من أهم الوسائل التي يُمكن أن تلجأ لها الأمهات لتنمية مهارات الذكاء العاطفي لديهن القراءة والإبحار في الموضوع.

لذكاء العاطفي أهمية بالغة في جميع مجالات الحياة تبدأ من المجال الشخصي إلى الأسرة، المجال التعليمي والمجال المهني (Getty Images)

عدم تجاهل مشاعر الطفل والنظر إلى خوفه وقلقه على أنه تافه وليس له مبرر وسينتهي من تلقاء نفسه لكن من الأفضل السماح للطفل أن يعبر عن مخاوفه وقلقه ومساعدته على تجاوزها مما يساعد على تنمية مشاعر الثقة والشعور بالأمان لديه، ومساعدته أيضاً على تسمية مشاعره على سبيل المثال: الشعور بالسعادة يمكن أن يعبر عنه بسعيد، مسرور، مبتهج، وفي المقابل الحرص على إظهار الأبوين مشاعرهم الحقيقية والتعبير عنها أمام الطفل في المواقف المختلفة. ووفقاً للدراسات، فإنالوعي الذاتيالخاص يتكون تدريجياً بواسطة تركيز انتباه الفرد على مشاعره وأفكاره الداخلية ومعتقداته وبالتالي يصبح الفرد أكثر ثقة بنفسه، أكثر إبداعاً بعمله، أكثر قدرة على اتخاذ القرارات السليمة، وتكوين علاقات اجتماعية واسعة.

اقرأ أيضاً:
ما قبل المدرسة.. إرشادات لتهيئة طفلك لدخول رياض الأطفال

ومن الممارسات الشائعة من قبل الآباء مقارنة الطفل بالآخرين بقصد التحفيز ولكن على العكس من ذلك فإن مثل هذه المقارنات تقلل من تقدير الذات لدى الطفل وتخلق لديه انفعالات سلبية مثل الغيرة بالإضافة إلى الشعور بالدونية، أما الوجه الإيجابي للمقارنة فهو مقارنة الطفل بنفسه بمعنى أن نقول للطفل مثلاً درجتك بالاختبار جيدة ولكن إذا بذلت جهداً أكبر ستحصل على علامة أفضل هنا يتشكل لدى الطفل التحفيز الذاتي الذي يعد جزءاً أساسياً من الذكاء العاطفي ومن أهم أنواع التحفيز لأنه يأتي من داخل الفرد ويدفعه للسعي نحو تحقيق الأهداف.

يعدالتفاعل الاجتماعي أحد أهم جوانب نمو الطفل والتي يكتسب بعضها تلقائياً في سن مبكرة من خلال تفاعله مع أسرته، وعند منح الطفل فرصة للتفاعل الاجتماعي مبكراً، سيكون لديه أساس متين لمهاراته الاجتماعية والقدرة على التصرف بالمواقف المختلفة وتجعله أكثر تعاوناً ومحباً للعمل الجماعي وأكثر نجاًحاً مستقبلاً. ومن الطرق التي تنمي المهارات الاجتماعية للطفل تشجيعه على الإدلاء برأيه أمام الآخرين و الاستماع إليه وإعطاؤه المجال للتعبير عما يجول في نفسه، تخصيص موعد يومي للعب مع الطفل ومحاورته، تعليمه أساليب التواصل مع الآخرين كالسلام والاستقبال والتوديع، كما أن مشاركة الطفل في أعمال المنزل بما يتناسب مع سنه وقدراته يعزز لديه الإحساس بالمسؤولية ومساعدة الآخرين، أما في المدرسة فمن خلال تشجيعه على المشاركة في الأنشطة اللامنهجية.

إشباع فضول الطفل هو إشباع لحاجاته، مما يساعد على التوازن والنمو النفسي والاجتماعي بشكل صحيح، فكل الأسئلة التي يطرحها الطفل على والديه تستحق الرد بأجوبة منطقية وصحيحة بدلاً من إحباطه أو إسكاته بأي إجابة عشوائية أو خرافية بعيدة عن الواقع، لأن هذا من شأنه أن يزعزع الثقة بين الطفل ووالديه.

تعليم الذكاء العاطفي وتدريب الأطفال عليه من خلال القصة، فالأطفال يميلون إلى الاستماع إلى القصص والتأثر بشخصياتها، ويجد فيها الطفل متنفساً لما يشعر به من رغبات مكبوتة، فتساعده على التعبير عن أفكاره وتمنحه فرصة التقمص الوجداني لشخصياتها فينفعل معها ويسلك سلوكها، وبذلك يتشكل لديه عنصر مهم من عناصر الذكاء العاطفي وهوالتعاطف مع الآخرين.

يعد التفاعل الاجتماعي أحد أهم جوانب نمو الطفل والتي يكتسب بعضها تلقائياً في سن مبكرة من خلال تفاعله مع أسرته (Getty Images)

فقد أثبتت دراسة أن للقصص دوراً في تدعيم الذكاء العاطفي، حيث إن تكرار القصص التي تتناول المشاعر والانفعالات وإدارتها وتوظيفها على نحو صحيح على مسامع الطفل يُشكل دوائر المخ، ويجعلها تستجيب للعاطفة أكثر، ومن هذه القصص على سبيل المثال سلسلة الحب (٢٤ قصة) وهي مجموعة قصص منهجية متسلسلة متراكمة من منهاج تفكير تتميز بأنها تعمل على تنمية التفكير الإبداعي الإيجابي، تبني تقدير الذات والذكاء العاطفي، وكذلك بناء الإيمان في نفس الطفل.

الذكاء العاطفي والدافعية للتعلم لدى الطلبة

أسفرت نتائج العديد من الدراسات عن وجود علاقة ارتباطية بين الذكاء العاطفي ودافعية التعلم لدى الطلبة، كما أكدت أهمية الذكاء العاطفي في تحقيق التوافق المدرسي وذلك باعتبار أن المشاعر والانفعالات من العوامل التي تساعد المتعلم على اتخاذ القرارات الصائبة، وتجعله أكثر قدرة على المثابرة وتحمل المسؤولية.

وفي حديثه مع TRT أكد أحمد عليان عيد المختص النفسي والاجتماعي أن الذكاء الوجداني يساعد الأفراد في مواجهة الإحباطات وتنظيم الحالة المزاجية بالإضافة إلى تنظيم وضبط انفعالاتهم في مواجهة مشكلات الحياة خاصة في الوقت الحالي، أما الذكاء العام فهو ذو طبيعة معرفية يتضمن قدرة الإنسان على التعلم وحل المسائل والقدرة على التفكير المجرد والقدرة على حل المشكلات والاستنتاج، ويسهم تقريباً بنسبة ٢٠% في نجاح الفرد في الحياة والباقي يعتمد على عوامل أخرى أهمها الذكاء العاطفي، وهذا يقود إلى فكرة أن نجاح الفرد في الحياة الاكاديمية والاجتماعية والمهنية لا يمكن أن يتحقق دون مهارات انفعالية واجتماعية، كما نصح عليان الآباء بضرورة الاهتمامبتنمية الذكاء العاطفي لدى أبنائهم.

المصدر: TRT عربي