التحالف التونسي من أجل المساواة في الإرث في اليوم العالمي للمرأة الريفية، إعلان في إبطال مزاعم رئيس الجمهورية في المواريث انطلاقا من واقع ومعاناة النساء الريفيات


التي تحول دون تمتع النساء الريفيات بالعيش الكريم وبكافة الحقوق والحريات على أساس المساواة.
وبالمناسبة، تحيي الجمعيات والمنظمات المنضوية صلب التحالف التونسي من أجل المساواة في الميراث النساء العاملات في الوسط الريفي ونقف جميعا إجلالا وإكبارا لنضالهن اليومي خاصة في ظل التهديدات التي تواجهنها خلال جائحة الكوفيد ونؤكد من جديد رفضنا مواصلة السلطات غضّ الطرف عن ظروف عملهن القاسية والمهينة حيث لا تتمتعن في اغلب الأحيان بعقود قارة توضح وتحمي حقوقهن وتفتقرن للضمان الاجتماعي وتتقاضين أجورا لا تتناسب ومشقة عملهن وكثيرا ما تكون تلك الأجور غير متساوية لنظرائهم من الرجال المشتغلين في القطاع بل وأكثر من ذلك نفقد منهن العشرات سنويا تحت عجلات شاحنات الموت ويضر النقل غير الآمن بسلامتهن الجسدية والنفسية.

وإذ نحيي مجددا دورهن في تأمين الأمن الغذائي لكافة التونسيات والتونسيين ونستبشر بتزايد الوعي المجتمعي بمساهمة النساء الريفيات في التنمية البشرية والاقتصادية فإننا نأسف لانتشار الخطاب الشعبوي الذي يستغل معاناة العاملات في القطاع الفلاحي لتمرير أفكار رجعية تحاول الإيهام بأن ما تعانيه الريفيات والمشتغلات في القطاع الفلاحي من اضطهاد وفقر منفصل عن حرمانهن من الموارد ومن وسائل الإنتاج ومن الملكية بمقتضى قواعد الميراث التمييزية.
وكانت تجليات هذا الخطاب الشعبوي في ما قام به رئيس الجمهورية يوم 13 أوت 2020 من محاولة لتقويض وحدة النساء في معركتهن اليومية من أجل المساواة والكرامة الإنسانية عند زعمه بأن المساواة في الميراث مطلب لا يستقيم أمام المطالب الآنية للمشتغلات في قطاع الفلاحة. وإذ تفيد الأرقام بأن النساء تمثلن قوّة عمل في المجال الفلاحي تساوي %76 بينما أقلّ من %20 من النساء الريفيات يملكن دخلا خاصّا بهنّ مقابل 60 % للرّجال وأنه في 85 % من حالات اقتسام الميراث، يقع الحرمان الكلّي للنساء أو يجبرن على منح التوكيل المطلق للإخوة. في خطابه، لم يحاول رئيس الجمهورية فهم أسباب شقاء الريفيات والمشتغلات بالقطاع الفلاحي ولم يتفحص مثل هذه المعطيات والأرقام بل استغل فقرهن ومعاناتهن وأسقط عليهن مواقفه ليحاول تمرير مواقفه الخاصة بناء على مزاعم اختار التحالف التونسي من أجل المساواة في الميراث تفنيدها وإبطالها صلب هذا.
وقد أكد رئيس الجمهورية مرة أخرى رفضه لمبدأ المساواة التي وصفها بـــ «الشكلية» باعتبار عدم تلاؤمها مع قواعد العدل والإنصاف التي تقوم عليها منظومة المواريث الواردة في «النص القرآني الواضح في هذا المضمار والذي لا يقبل التأويل» على حد زعمه، كما اعتبر أنّ المساواة المنصوص عليها صلب الفصل 21 من الدستور تتعلق بالمواطنين والمواطنات، ولا تمتد لمجال العائلة، «البيوت» التي لها «حرمات» وفيها «مُحَرَّمات''، والتي تبقى دائما خاضعة «للشرائع السماوية»، حسب قوله، وذلك نظرا إلى أنّ الإسلام لا يمكن أن يكون دين الدولة، بل هو دين الأمة. وأضاف انه أولى «بنا»، قبل طرح مثل هذه القضايا، أن نُسَوّي بين النساء والرجال في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، خاصة أنّ الثورة قامت من أجل هذه الحقوق وكذلك من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، لا للمطالبة بالمساواة في الميراث كما يفعل البعض وبطريقة «غير بريئة» على حدّ تعبيره.
يصدر هذا عن الجمعيات والمنظَّمات المكوِّنة للتحالف التونسي من اجل المساواة في الإرث القائم على مبادئ المساواة وعدم التمييز والحرية والمواطنة والاعتراف كليا بحقوق النساء كجزء لا يتجزّأ من حقوق الانسان الكونية في تناغم تام بين الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومنها المساواة في الميراث وعدم التمييز في الأقساط والحصص والمنابات على أساس الجنس. وقد بادر التحالف، في هذا الإطار، إلى تنظيم مسيرة شعبية ضخمة بمناسبة اليوم العالمي للنساء (10 مارس 2018) واستبشر بصدور تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة (المنشور في 12 جوان 2018) وساند ولو بصفة نقدية مبادرة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الرامية إلى تنقيح بعض فصول مجلة الأحوال الشخصية المتعلقة بالميراث،
وأمام ما شاب كلمة رئيس الجمهورية من انتهاك لمقومات دولة القانون واستهانة بالمطالب الدستورية المشروعة للتونسيات في عيدهن الوطني وما اعتراها من أخطاء ومغالطات وخلط في المفاهيم وتوظيف شعبوي في حملة «انتخابية-دعائية» غير متناهية رغم تسلمه مقاليد الحكم منذ عام، تعرض الجمعيات والمنظمات في هذا مؤيداتها في إبطال مزاعم رئيس الدولة في المواريث، خاصة في المسائل المتعلقة تباعا : 1)بالمقاربة بين المساواة والعدل والإنصاف،2) وبالعلاقة بين الدين والدولة والقانون،3) وبالتمييز بين الفضاء العام والفضاء المنزلي ومجال المواطنة،4) وبالتفرقة في الحقوق المنجرة عنها واعتبار المساواة في الميراث خارج نطاق الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية.
وترمي الجمعيات والمنظمات من خلال هذا الرد الى إنارة الرأي العام وكذلك التصدي بالحجة والبرهان لكل أعراض الرجعية التي باتت تهدِّد المجتمع التونسي وتشكِّل حائلا دون العيش الكريم والسلمي بين الجميع ودون مواصلة مسيرة المساواة في سعي دؤوب لتعطيل حركة التاريخ.

1) حول المساواة والعدل والإنصاف
إنّ الجمعيات والمنظَّمات الممضية على هذا الإعلان ترفض قول رئيس الدولة بالتعارض بين مفهومي العدل والمساواة، وتَعُدُّه قولا باطلا وفاقدا للأسس العقلية. لا شك في إنّ مفهوم «العدل أو الإنصاف» يحمل قيما ايجابية ومثلا عليا تأسس عليها قديما الفكر الفلسفي اليوناني ثم الفكر القانوني الروماني باعتبارها مصدر الحقوق وبمثابة ميزان التخفيف من وطأة التشريع.لكن تم ذلك في مجتمعات تسودها التراتبية والتفاضلية بين الرجل والمرأة، بين «الحرّ والعبد»، بين «المواطن والأجنبي». كما تمحور حوله، من بعد، في العصر الوسيط، الفكر الديني بالرجوع إلى مبدأ التناسب (القسطاس) كل بتقواه وكل بمنزلته والكل حسب درجته بما أدى إلى استبطان التمييز بين الطبقات والمجموعات والأفراد كمعطى مسلَّم به. وقد تم في الزمن الحديث «تعصير المفهوم بما يتماشى ومنظومة حقوق الإنسان الكونية والحريات الفردية المبنية على مساواة الذات البشرية مع الأخذ، في ظل هيمنة اقتصاد الرأسمالية المُعَوْلمة، بمتطلبات العدالة الاجتماعية وما تقتضيه من مراعاة وضعيات الهشاشة والاستبعاد والتحقير.
وبناء عليه، فإنه لا يُقبل من رئيس الجمهورية استبدال المساواة بالعدل واعتباره لها شكلية تنتفي أمام مقتضيات العدل، لما لهما من وحدة جوهرية. فلا عدل ولا إنصاف ولا تعويض ولا توزيع ولا تبادل دون مساواة تامة وفعلية في الحقوق والفرص.
فالمساواة هي الحدّ الأدنى لضمان كرامة الإنسان وسيادة الشعوب والمجموعات، باسمها قامت الثورات لكسر قيود الاستعباد وأغلال الاستغلال والتحرر من ربقة الطغيان والتخلّص من براثن الاستبداد والاستعمار والقطع مع هيمنة الأسياد، وبعنوانها قُدمت التضحيات الجسام، وفي سبيلها سالت دماء الشهداء وتبللت الأرض عرقا بفعل الفكر والساعد وانفجر الذكاء الوقاد... فكيف لرئيس الدولة اعتبار المساواة في الميراث بين النساء والرجال من الأمور الشكلية بينما هي من صميم كرامة الإنسان دون استثناء ومن جوهر إرادة الشعوب دون تفرقة؟ ! وأيّ وجه للعدل حين ترث الأخت نصف نصيب أخيها والزوجة ربع أو ثمن نصيب زوجها والجدة للأب نصيب والجدة للأم العدم؟! وما وجه الإنصاف في أن يرث أبناء العمومة وتُقصى الخالات ؟! وهل أنّ ميزان العدل تستوي أمامه قاعدة «العِصبة» الواردة في مجلة الأحوال الشخصية «للذكر مثل حظ الأنثيين»؟! وهل من العدل اليوم أن تكون المشتغلات في الأرض غير مالكات لها؟ وهل يمكن أن تعوّض عليهن بعض الحقوق أنهن تزرعن وتحصدن أملاكا لا يرثنها؟
إن الجمعيات والمنظَّمات الممضية أسفل هذا الإعلان ترفض اختزال مبدأ المساواة واعتباره شكليا وتصويره على أنه لا يفي بمتطلبات العدل .وهي تجزم على خلاف هذا الطرح أن للمساواة معاني جوهرية متعددة متجددة، هي ثمرة نضالات أجيال من النساء والرجال ونتيجة تراكم الفكر الكوني الإنساني. من هذه المعاني ما يرجع إلى المساواة أمام القانون، التي تشكل نصرا على منظومة الامتيازات والوجاهات التقليدية، ومنها ما يفيد المساواة في الحقوق وهي مساواة أصلية متأصلة في ذات الإنسان، ومنها ما يستدعي المساواة في الفرص والإمكانيات لتدارك التمييز في الوضعيات الحياتية، ومنها ما يؤدي إلى التدابيرالإيجابية والتعويضية للتسريع في تحقيقها. فهي ليست شعارا أجوفا بل قيمة أساسية و هذا هو مغزى الفصل 21 من الدستور الذي ينص على أنّ: «المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون دون تمييز»، وكذلك الفصل 46 من الدستور الذي ينصّ على أن «تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتدعيم مكاسبها وتعمل على تطويرها. تضمن الدّولة تكافؤ الفرص بين الرّجل والمرأة في تحمُّل مختلف المسؤوليّات وفي جميع المجالات. تسعى الدّولة إلى تحقيق التّناصف بين المرأة والرّجل في المجالس المنتخبة. تتّخذ الدّولة التّدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضدّ المرأة».
فعلى رئيس الجمهورية أن يلتزم بمنطوق الدستور وان يتجنب إزاحة المساواة بصفة اعتباطية، فهي مبدأ ذو قيمة دستورية والدستور كما هو معلوم بالضرورة يحتل أعلى مرتبة في المنظومة القانونية وهو بهذا مظلة الجميع والقاسم المشترك للعيش معا يكون بذلك ملزما لكل السلطات العمومية وفي مقدمتها رئيس الدولة الذي يعتبر «رمز وحدتها» (أي الدولة) والمنوط بعهدته السهر على احترام الدستور (الفصل 72 من الدستور).

2) في الدين والدولة والدستور
يزعم رئيس الجمهورية قيس سعيد أنّ النقاشات الرامية لمعرفة ما إذا كانت عبارة «الإسلام دينها» الواردة في الفصل الأول من الدستور تتعلّق بتونس أو بالدولة، «نقاشات مغلوطة وفي غير طريقها» حسب قوله. ذلك أنّ الدولة بالنسبة إليه وبحكم أنها ذات معنوية، لا يمكن أن يكون لها دين، وأنّ الدين للأمة. ولئن لم يوضّح الرئيس إن كان يقصد «بـالأمة» جماعة المؤمنين أي الأمة الإسلامية أو المجموعة الوطنية-الترابية أي الأمة التونسية التي تشكل في نظريات الفكر الدستوري عنصرا من العناصر الثلاث للدولة الوطنية، فإننا نبارك طرحه ونؤيد قوله بأن ليس للدولة دين. فنسأله على وجه الجدل عن معنى شرط الإسلام بالنسبة للمترشح إلى منصب رئيس الجمهورية وعن إمكانية حذفه.
هذا وتستغرب الجمعيات والمنظَّمات الممضية على هذا النتيجة المسقطة التي توصل إليها رئيس الجمهورية بعد أن أقر أن الدولة ليس لها دين إذ لم يرتِّب على قوله هذا أيّ أثر منطقي، بل إنه أضاف عنصرا جديدا للمعادلة حينما أكّد أنّ «النص القرآني واضح ولا يقبل التأويل» وأنه لا مجال حينئذ للحديث عن مساواة في الميراث.
إن ادعاء رئيس الجمهورية هذا غير ذي معنى. ذلك أنّ المنظومة القانونية التونسية لا تقوم مصادرها على نصوص دينية مهما عظم شأنها: لا على القرآن ولا على السنة النبوية ولا على إجماع العلماء ولا على الشريعة ولا على الفقه ولا على المصالح المرسلة. لا يشكل أيّ واحد منها، حسب منطوق الدستور، لا مصدرا أساسيا ولا رئيسيا ولا حتى مصدرا من بين المصادر، على غرار دساتير بعض دول المشرق العربي الإسلامي. فالقانون التونسي تشريع ذو ترتيب هرمي يتكون من مصادر وضعية دنيوية أعلاها الدستور، فالمعاهدات الدولية المصادق عليها، فالقوانين الأساسية والعادية والاستفتائية ثمّ التراتيب التنفيذية والإدارية بجميع أصنافها.
فكيف لرئيس الجمهورية أن يحاجج وأن يجابه االتونسيات والتونسيين بالقرآن في مطلبهم المشروع والدستوري بالمساواة؟ ما علاقة هذا بذاك؟ ألا يُعد هذا إخلالا جسيما بمقومات دولة القانون والدولة المدنية التي تتبوأ في الدستور مكانة غير مسبوقة :»تونس دولة مدنية تقوم على إرادة الشعب والمواطنة وعلوية القانون (الفصل الثاني)؟ وكيف لرئيس الجمهورية أن يتناسى رابطة التونسيين والتونسيات بدولتهم-الوطن التي ليس لها دين من ناحية والتي يفترض حسب دستورها أنها «تكفل حرية المعتقد والضمير» من ناحية أخرى؟ فكيف يخاطبهم بالدين والقرآن؟ ألا يرمي من خلال هذا إلى نسف المساواة باسم المقدسات لاكتساب شرعية غير الشرعية الدستورية في تصور للقائد المنقذ همه شخصه فتكون النتيجة هدم الدولة المدنية ومؤسسات الديمقراطية التمثيلية.
إن الجمعيات والمنظَّمات الممضية أسفل هذا الإعلان ترفض مطلقا هذا التمشي العبثي ذي المرجعية المزدوجة المتأرجحة بين المنظومة الدستورية والمنظومة الدينية. وهي (الجمعيات والمنظَّمات) ولئن تفترض جدلا بأن أحكام مجلة الأحوال الشخصية فيما يتعلق بالمواريث مستنبطة إلى حد ما من قراءة معينة للقواعد القرآنية مثل قاعدة «للذكر مثل حظ الأنثيين» فإنها تؤكد أن المواريث تندرج في باب المعاملات الذي كان دوما موضوع اجتهادات واختلافات حسب العصور والأمصار والسنن استجابة لمتطلبات الزمن والمجتمعات. لذا فإنه من نافلة القول أن الجزم بان النص القرآني واضح لا يقبل التأويل هو ادعاء عار عن الحقيقة. فعلى وضوحه مثلا في الحدود والعقود والبيع والرقيق والإماء وشهادة الشهود الخ، وقع تأويله إما بالتوسيع أو التضييق أو الزيادة أو النقصان أو التخلي عن عديد المؤسسات دون أن يُعتبر ذلك إثما بل اجتهادا، جُوزيَ أصحابه، وبالتالي فإن الحسم بعدم قابلية النص للتأويل، هو تأويل دغمائي لا يمت بصلة للتاريخ ولا لعلم التـأويل.
وعليه، فان الجمعيات والمنظَّمات الممضية على هذا تعبر عن تصميمها على المضي قدما في الدفاع عن المساواة في الميراث معتبرة إياها قضية مصيرية على درب حفظ كرامة التونسيات كمعيار للمواطنة التامة والكاملة والتي يشتركن فيها مع التونسيين، ومن أجل تحريرهن من التبعية والفقر الناجم عن عدم المساواة ومن أجل ضمان دولة مدنية قائمة على المواطنة دون هرمية أو تراتبية أيا كان سببها.

3) المواطنة والفضاء المنزلي و «الحرمات»
اعتبر رئيس الجمهورية في خطابه أنّ المواطَنة تقف عند عتبات البيوت التي لها حرمات تمنع القوانين الوضعية من الدخول إليها. يبدو واضحا من هذا الطرح المذهل ثنائية التفكير واستبطان رئيس الجمهورية تفكير ذكوري أبوي «جندري»، هو موضوع انتقاد لاذع منذ سنوات.فقد يتوقف فهمه التحريفي للمواطنة إلى تقسيمها على أساس طبيعة جنسية متفاوتة يرى فيها حقيقة الأمور بين الذكور والإناث تفصح إلى التفرقة بين العام المواطني المبني على المساواة المجردة وبين الخاص الأنثوي المنزلي المحرم الذي يبرر أن تُنزع على المرأة فيه مواطنتها لتكتسي أنوثتها وبالتالي أدوارها «الطبيعية» الجنسية المزعومة ومن ثمّة منزلتها الدونية. فلا حاجة لها بالمساواة وهي حريم زوجها ولا حاجة لها بحقوق وهي في تبعية لمن يقوم عليها ويعيلها ولا حاجة لها بالمساواة في الإرث وهي في ذمة من ينفق عليها.
تستنكر الجمعيات والمنظَّمات الممضية على الإعلان هذا الكلام الخطير والمهين والذي لا واقعية فيه ذلك أنّ التشريعات قد غزت منذ أمد طويل «البيوت» لترفع عنها ما قد يراد بها من عزلة لسجن العقول والأجساد، بعيدا عن الأنظار، ومن سرية لممارسات الهيمنة والعنف إزاء النساء والشباب والأطفال.
فأيّ معنى لما أتى به الدستور من واجب الدولة حماية الأسرة؟ وأي معنى لمجلة الأحوال الشخصية حين منعت تعدد الزوجات؟ وأي معنى لقانون الحالة المدنية حين اشترط قيام عقد الزواج أمام ضباط الحالة المدنية والطلاق أمام القضاء؟ وأيّ معنى لقانون القضاء عن العنف ضدّ المرأة الذي يمارس عليها داخل البيوت؟ وأيّ معنى لمجلة حماية الطفل؟ واي معنى... واي معنى؟ أيعني هذا حنين إلى زمن الحرمات، زمن الجبر والتمييز والطاعة والامتيازات؟
إن الجمعيات والمنظَّمات الممضية على هذ تستهجن بشدة مزاعم رئيس الجمهورية وتردّ عليه بالقول إن زمن «البيوتات» قد ولّى وانقضى وأنّ منظومة الديار قد زالت وانتهت وان اعتبار النساء متاع البيت قد اضمحل واختفى. بل تؤكد على أن هذا الطرح هو محاولة أخرى من رئيس الجمهورية لتفكيك وهدم كل مقومات الدولة التونسية والمواطنة الحديثة وهو أمر خطير فلا رجعة عن المواطنة ولا رجعة عن الحقوق ولا رجعة عن المساواة.

4) الإرث والمساواة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية

يرى رئيس الجمهورية أنه لا سبيل للمساواة في الإرث طالما لم نُسَوّ بين النساء والرجال في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وقد نستغرب هذا القول وما ينم عليه من جهل لقضية من صميم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فما المطالبة بالمساواة في الإرث إلا مطالبة بالمساواة في أحد الحقوق الاقتصادية وهو الحق في الملكية وانتقالها دون تمييز على أساسا الجنس. المطالبة بالمساواة في الميراث أساسها ومحركها المساواة في الثروة عن طريق انتقالها سويا إلى مستحقيها ومستحقاتها بعد الممات تفاديا للفقر المدقع للنساء نتيجة قرون من الاستبعاد والحيف والظلم، واسترجاع ما حرمت منه النساء دون استثناء. فهن الكادحات بالبيوت والمنازل والمزارع والمدارس والمستشفيات والإدارات والمحاكم والمصانع والمصالح، الخ. فما مطلب المساواة في الميراث إلا حقا لا يحتمل أي تأجيل علما وان الحقوق، كل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، هي كتلة واحدة لا تتجزأ ولا تتقسم ولا تُستبدل ببعضها وما مطلب المساواة في الميراث إلا استحقاق للمواطنة التامة والفعلية.

فكفى تبريرا لما لا يُبَرَّر وقبولا لما لا يُقبَل!

تاريخ الخبر: 2020-10-19 10:13:58
المصدر: جريدة المغرب - تونس
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 45%
الأهمية: 70%

آخر الأخبار حول العالم

«استمطار السحب»: 415 رحلة استهدفت 6 مناطق العام الماضي - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-19 03:24:20
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 65%

بني ملال..توقيف شخص متورط بشبهة التغرير و استدراج الأطفال القاصرين.

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-19 03:25:04
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية