السباق إلى البيت الأبيض.. انتخابات يحركها الغضب 


-أنصار بايدن أفروأمريكيين  ضحايا عنف رجال الشرطة وآخر من يتلقى علاج كورونا

-أنصار ترامب ناقمون على  العولمة ويرون أمريكا «بروتستانتية بيضاء»   
 
ثمة عبارها يقرأها ويسمعها كل من يتابع السباق إلى البيت الأبيض بين الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب ممثلا عن الحزب الجمهوري، ومرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن.. عبارة مفادها أن هناك الآن " أمريكتان كل منهما في ذروة غضبها.. لا ترى إحداهما الأخرى ولا تسمعها"، والأخطر من ذلك هو ذلك الغضب المكتوم على كل المستويات.

 غضب الأفروأمريكيين الذين بات مقتلهم على يد رجال الشرطة بدم بارد أمرا اعتياديا وكان أشهرهم جورج فلويد الذي صرخ مرارا بينما كانت رقبته تحت ركبة ضابط أمن "لا أستطيع التنفس"، وشاب أخر لقي مصرعه بعدة رصاصات أمام منزله وعلى مرأى من أمه في ولاية فيلادلفيا منذ عدة أيام، فضلا عن غضب في نفس الاتجاه، تمثل في اشتعال وسائل التواصل الاجتماعي بمواطنين أمريكيين من أصحاب البشرة السمراء، يصرخون فيها من كونهم أول ضحايا فقدان الوظائف بسبب تفشي جائحة كورونا وكونهم كذلك آخر من يتلقى العلاج في المستشفيات بسبب لون بشرتهم. 

في مقابل الغضب الأسود هناك غضب آخر من البيض المتعصبين، أولئك الذين يرون أنفسهم أصحاب البلد الأصليين، وهم من نجح ترامب في استفزازهم بشدة في انتخابات 2016 فذهبوا إلى صناديق الاقتراع بعدما عزفوا عنها لسنوات. 
ومن هنا تبدو الولايات المتحدة الآن كأوروبا.. امرأة عجوز بلغت من الكبر عتيا يطاردها هاجس الأفول.. أُمة أضعفتها الخلافات وأنهكتها الانقسامات، وتعاني أزمة هوية.. 

انطفأ بريق «الحلم الأمريكي» أمام استياء شديد وغضب أشد من العولمة التي بات يُنظر إليها باعتبارها أصلا لكل الشرور.. شرور تتجسد في مهاجرين يقاسمون أبناء البلد الأصليين لقمة العيش، ونُخب تُنظر وترحب وتحتفي بقيم التسامح وقبول الآخر القادم من خلف المحيط..

الغضب هو كلمة السر التي أوجدت على المسرح السياسي خطاباً شعبويا استبدادياً كارهاً لكل من وما هو غريب عن البلاد، بشكل لم تعهده الولايات المتحدة من قبل.. خطاب يجسده ظاهرة تُدعى دونالد ترامب، الذي يُعد الحدث الأهم والأبرز على المسرح السياسي الأمريكي، خلال السنوات الخمس الماضية، بغض النظر عن الماراثون الرئاسي.. غضب يتشارك فيه أبناء الطبقة الوسطي والأوساط الشعبوية.. غضب يجيد ترامب التعبير عنه جيداً.. غضب مهمشين أغلبهم من البيض البروتستانت وغير حاملين لشهادات جامعية ويتقاضون أجوراً متدنية في أعمالهم، والذين من المفترض أن يجدوا أنفسهم في خطابات وسياسات الحزب الديموقراطي المحسوب علي اليسار، ولكن هؤلاء انجذبوا لخطاب ترامب الذي يصف فيه الولايات المتحدة الأمريكية بأنها "ضحية اتفاقيات التبادل التجاري التي قننت لشركات أمريكية فتح فروعها في دول أخري بحجة أن اليد العاملة فيها أقل تكلفة" كما أن تدني أجور هؤلاء مرده إلي «الهجرة التي لا تريد الدولة السيطرة عليها» حيث يحصل المهاجرون، لاسيما المقيمين بشكل غير قانوني، علي أجور أقل من المواطنين الأمريكيين، فيجدون أنفسهم مضطرين للقبول بأي أجر يُعرض عليهم، حتى يستطيعون إطعام أطفالهم.

ملياردير العقارات يصف المهاجرين المكسيكيين والقادمين من أمريكا الجنوبية (اللاتينوس) بأنهم تجار مخدرات ولصوص مغتصبون، وشرع بمجرد فوزه في انتخابات2016  في بناء سور علي الحدود الأمريكية المكسيكية ويتعهد باستكماله حال إعادة انتخابه.
المعجبون بالرجل يستمتعون أيضاً برؤيته وهو ينكِّل بوسائل الإعلام، بما في ذلك قناة فوكس نيوز ذات التوجهات الجمهورية، ويصفقون له في كل مرة يقوم فيها بدهس قواعد الذوق واللياقة وخدش الحياء العام، ففي إحدي لقاءاته التليفزيونية أوحي للجمهور ضمناً أن المذيعة التي تحاوره تعيش أيام الحيض، وذلك حينما حاصرته بأسئلة مُرهقة.

أنهى ترامب حملته الانتخابية لفترة رئاسية ثانية ليس فقط بشطحاته وتجاوزاته الصارخة، التي كسرت محرمات وفتحت الباب للعنف والترويج للمؤامرات والشتائم وتبادل الاتهامات، ولكن نجح المرشح الجمهوري، ربما بغير قصد منه، في إنشاء طبقة سياسية واجتماعية جديدة.. طبقة من البيض المهمشين، والذين ليسوا بالضرورة فقراء، ولكنهم يشعرون بأن النُخب تحتقرهم وتتجاهل وجودهم، كما يرون في "الحلم الأمريكي" عبارة جوفاء وأنه لا مستقبل لأولادهم في بلدهم.
 استطاع ترامب قلب الحياة السياسية، بل والحزب الجمهوري أيضاً، رأساً على عقب، فعلى مدى ثلاثة عقود استطاع الحزب الدفاع عن نموذج سياسية هو خليط ما بين ليبرالية اقتصادية منفتحة لأقصى درجة وأخلاقيات دينية واجتماعية محافظة للغاية، ونجح ترامب بشكل مدوي في الانتخابات التمهيدية للحزب لعام 2016، بوضعه الشق الاجتماعي في صلب مناقشاته، وإذا كان شبح الخسارة يداعبه من وقت لآخر في استطلاعات الرأي، فذلك بسبب كراهيته الشديدة التي لا تفرق بين أفريقي ولاتيني، فضلاً عن عداءه الواضح للمسلمين وكراهيته اللامحدودة وتحيزه الأعمى ضد النساء.

باستعدائه الأقليات، التي يشكل تحالفها غالبية شبه مطلقة، نسى ترامب ما تتميز به الولايات المتحدة عن أوروبا، حيث تتميز بلاد العم سام بقدرة أكبر على دمج المهاجرين إليها من شتى بقاع الأرض فتجعل منهم مواطنين أمريكيين.. الولايات المتحدة ليست أوروبا، أو على الأقل ليس بعد، ولكن شوفينية ترامب وكراهيته البادية من فمه بمثابة قنابل ستمتد آثارها طويلاً وتجعل البلاد حال فوزه بفترة ثانية، وبعد 8 سنوات من حكم أول رئيس أسود ، في قلب حفرة عميقة من التشرذم والانقسام.
ترامب واصل في أثناء حملته الانتخابية، عن طريق "تمييع المصطلحات" ووصم المتظاهرين بالإرهاب، الدفاع عن أساليب الشرطة ضد أصحاب البشرة السمراء، بالقول إن طريقة الضغط على الرقبة لتقييد حركة ‏بعض المشتبه بهم يجب "بصورة عامة" إنهاء استخدامها، لكنه أشار إلى أنها ستبقى ‏ضروريا فى بعض المواقف.‏ وتعقيبا على أحداث العنف فى سياتل، قال ترامب "الإرهابيون يحرقون ‏وينهبون مدننا". وأشار تقرير نشرته مجلة "نيوزويك" الأمريكية إلى أن ديريك ‏تشوفين، ضابط شرطة مينيابوليس، المتهم بقتل فلويد قد يحصل على تعويضات ‏واستحقاقات مالية خاصة بتقاعده, تصل قيمتها لمليون دولار، حتى وإن أدين بالقتل‎!!
أما جو بايدن فلو فاز فإنه سترث بلداً ممزقاً على شفا الانهيار، ولا شك أنه لا يخف عليه أن نجاحه في الانتخابات التمهيدية بالحزب الديموقراطي جاء بعد منافسة شرسة مع بيرني ساندرز الذي كان  يحظى بدعم جماعات مثل Black Lives Matter أي حياة السود هامة، وكذلك Occupy Wall Street أي احتلوا وول ستريت، وكلا الحركتين الوجه الآخر للغضب الممتدة جذوره للأزمة المالية الاقتصادية المزدوجة والتي اندلعت في عام 2008 على خلفية أزمة الرهن العقاري،  والتي أفلست بنوكاً وشركات كبرى، بسبب عدم معاقبة المتسببين فيها، وهو ما يُغذي انطباعاً بأن اللامساواة العرقية والاجتماعية لا تعرف سوى المنحى التصاعدي.. هؤلاء المتمردون يساراً المناصرون لساندرز والذين يريدون دوراً أكبر للدولة، هم من دمجهم بايدن في حملته الانتخابية، ولو تم الاستماع إليهم فالمؤكد أن إحساس الغضب سيتصاعد عند البيض المهمشين والمتعصبين على السواء، وستغرق أمريكا في أزمة هوية جعلت أوروبا تستحق عن جدارة لقب القارة العجوز.  

ماذا يلزم للفوز
 بعيداً عن التخمينات واستطلاعات الرأي، فإن ترامب كان على بالفعل على مرمى حجر من إعادة انتخابه لفترة ثانية، وكان يسخر من كل مرشحي الحزب الديموقراطي في أثناء انتخاباتهم التمهيدية، وذلك نظرا لما وفره من وظائف ولانخفاض معدل البطالة لمستوى تاريخي لامس الـ3%، ولكن كان ذلك قبل تفشي جائحة كورونا في البلاد والتي أتت على 45 مليون وظيفة، وهو ما نجح الديموقراطيون في توظيفه إعلاميا بشكل جيد، إذ حملوا لترامب مسؤولية مقتل أكثر من 240 ألف أمريكي وإصابة أكثر من 9 ملايين بالفيروس، بعدما تقاعس، على حد وصفهم، في اتخاذ إجراءات احترازية كانت تقضي بإغلاق البلاد منذ يناير الماضي بدلا من الانتظار لمارس، وهو ما نصحته به تقارير مخابراتية كانت على مكتبه منذ ديسمبر 2019 .
 

اقرأ المزيد .. ترامب ينفي عزمه إعلان فوزه في الانتخابات قبل تحديد النتائج 

تاريخ الخبر: 2020-11-02 14:15:00
المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 56%

آخر الأخبار حول العالم

6 نصائح سحرية للحفاظ على جهازك التنفسى من العدوى فى رمضان

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-29 09:22:40
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 37%

سنن يوم الجمعة.. الاغتسال والتطيب وقراءة سورة الكهف ولبس أحسن الثياب

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-29 09:22:36
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 39%

88% من القراء يطالبون بتشديد الرقابة على مراكز العلاج من الإدمان

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-29 09:22:34
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 36%

متى تفيد الثقة المتداول في سوق الأسهم؟ ومتى تؤذيه؟

المصدر: أرقام - الإمارات التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-03-29 09:25:04
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 48%

الحكومة: رفع نسبة الاكتفاء الذاتى من القمح لـ45% عام 2026/2025

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-29 09:22:38
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 42%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية