شمس بدران يكشف القصة الكاملة لإنقاذ عبدالناصر من مخطط إخوانى


توفي مساء أمس وزير الحربية الأسبق شمس بدران والذي صدرت مذكراته عن دار النخبة تحت عنوان " مذكرات شمس بدران" تأليف حمدي الحسيني، ومن أهم ما تطرق إليه بدران هو محاولة اغتيال عبد الناصر والتي كانت سببًا لإعدام سيد قطب، فكتب بدران يقول: "في صيف عام 1965 في منتصف شهر يوليو، تلقيتُ مكالمة هاتفية من الرئيس جمال عبد الناصر، طلب خلالها لقائي على وجه السرعة لأمر مهم، وفي مكتبه طلب مني رئاسة جهاز البحث الجنائي العسكري الذي أنشأه خصيصًا للتحقيق في مؤامرة اغتياله التي خططت ودبرت لها خلية سرية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب تنظيم مسلح آخر كان غاية في التعقيد أشرف عليه الداعية الشهير سيد قطب.

الصدفة وحدها كشفت المخطط "الإخواني" الذي لو لم يحبط لكانت مصر كلها مرشحة للسقوط في دوامة العنف والفوضى، لا سيما أن التنظيم كان قد نجح في تجنيد إسماعيل الفيومي وهو رقيب بالحرس الجمهوري، وقد درب على عملية الاغتيال، ووافق بالفعل على مهمة قتل عبد الناصر، لكن شجاعته خانته في الفرص المحدودة التي سنحت له.

أما كيف تم الكشف عن المخطط ففي يوليو عام 1965 تلقت التحريات العسكرية في الاسكندرية بلاغًا من سائق شاحنة يُدعى "الشيشيني"، كان أحد المشاركين في عملية اغتيال أمين عثمان مع الرئيس السادات والقيادي "الإخواني" حسين توفيق، "الشيشيني" قال في بلاغه إن توفيق قابله قبل أيام وحضه على المشاركة في اغتيال عبدالناصر لأن نهجه السياسي هو الوحدة العربية كيف ما كان وبأي شكل، ولقد بدأ بالوحدة مع سوريا، ولكن الوحدة الحقيقية بالنسبة الى مصر لا تتحقق إلا مع السودان وليبيا، وطلب توفيق من الشيشيني شراء قنابل يدوية وبعض الأسلحة استعدادًا لتنفيذ العملية.

بعد عرض البلاغ على عبدالناصر، استدعاني على الفور، ثم كلفني بالتحقيق فيه والتعامل مع المخطط، وتعاملت مع الأمر بمنتهى الجدية، وبدأت في تتبع البلاغ الذي تبين صدقه، ووضعنا أيدينا في هدوء على صناديق القنابل والسلاح، والذي تبين أن مصدره مخازن القوات المصرية في اليمن، ونجح بعض المجندين في إعادته إلى مصر وايصاله إلى أفراد محسوبين على جماعة "الإخوان".

يكمل: "إذا لم تخني الذاكرة، فإن تنظيم حسين توفيق كان مستقلًا عن تنظيم سيد قطب، لكن كليهما أدى إلى الكشف عن الآخر، واعتمدنا على كوادر المباحث الجنائية العسكرية، والتي كان أبرزها الرائد رياض إبراهيم الذي ذهب بنفسه إلى إحدى قرى محافظة الدقهلية، ونجح في العثور على كمية من الأسلحة مخبأة بمنزل أحد أتباع "الإخوان" هناك، وهذه الأسلحة كانت الخيط الذي أدى إلى سقوط تنظيم سيد قطب.

أذكر أيضًا، أن عبد الناصر طلب مقابلة السائق المُبلغ "الشيشيني" وفي منشية البكري سأله: "لماذا اخترت إبلاغ المباحث الجنائية العسكرية بالواقعة رغم تعدد أجهزة الأمن”؟، فأجاب الشيشيني إجابة مباشرة إنه يعتقد أن الجيش لديه جدية واهتمام، وسيتعامل مع الأمر أفضل من بقية الأجهزة الأمنية الأخرى، وفي نهاية المقابلة شكره عبد الناصر وأمر بتعيينه في هيئة "قناة السويس"، كما أهداه "شاحنة" من إنتاج شركة النصر.

والحقيقة أن أنور السادات اتصل بي وقدم لي خبراته في التعامل مع حسين توفيق، ونصحني إقناعه بتكرار ما حدث معه في قضية اغتيال أمين عثمان عام،1946 وهو أن يكون شاهد ملك، وبالفعل بعد القاء القبض عليه في الإسكندرية وإقناعه بالفكرة اعترف بسهولة على نفسه وعلى شركائه، وأرشد الى مصادر الحصول السلاح اللازم.

أما خلية الداعية سيد قطب فقد جنَد لها عشرات الشباب من المهندسين والأطباء والعمال وغيرهم من الفئات في عشر محافظات، ووضعوا مخططا لتفجير عشرات المنشآت والكباري والهيئات، واغتيال عدد من الشخصيات السياسية من بينها جمال عبد الناصر، ثم بعدها تستولي الجماعة على الحكم، وتعلن تطبيق الشريعة الإسلامية.

كنتُ في ذلك الوقت نائبًا لرئيس جهاز الأمن القومي، وكان عبدالناصر لا يثق بالأجهزة المدنية من شرطة إلى نيابة عامة، ويتشكك في عملها، فطلب من صلاح نصر أن يتولى جهاز المخابرات التحقيق في القضية برمتها، لكن نصر اعتذر واقترح إعفاء الجهاز من هذه القضية، والاكتفاء بالمساعدة في جمع المعلومات عن المتهمين.

وهنا خطرت في ذهن عبدالناصر فكرة إنشاء وحدة تحقيق جنائية تابعة للشرطة العسكرية تحت رئاستي للتحقيق بالقضية، نظرًا الى خطورتها على الأمن القومي.

اعتمدت في مهمتي الصعبة على عدد من الضباط المتميزين والمشهود لهم بالكفاءة والنزاهة للعمل معي، وتلقيت الملفات، ووزعت المهمات على كل فرقة، اذ أن المتهمين كانوا موزعين على عدد من محافظات الوجه البحري، لكن كانت اجتماعاتهم تعقد في منزل مهندس زراعي بمنطقة إمبابة، وبسرعة كان كل العاملين معي من الضباط على دراية كاملة بحساسية المهمة وخطورتها ودقتها، ووضعنا الخطط اللازمة لضمان سرية عملنا وحماية المعلومات التي يتم جمعها.

من خلال مراقبة المهندس الزراعي، باعتباره العنصر النشط والفاعل في الخلية، علمنا أنهم يجتمعون كل يوم جمعة في منزله بعد صلاة العشاء. في أحد الاجتماعات التي كان من المقرر أن توضع خلالها اللمسات الأخيرة للمخطط داهمنا المنزل ليلًا، وكان ضروريًا القاء القبض عليهم وهم متلبسون، وتحريز كل المستندات والأدوات التي بحوزتهم.

بالفعل دخلت الفرقة المكلفة بعملية القاء القبض من باب خلفي للمنزل، بعد أن نسقنا مع الجهات الأخرى لقطع الكهرباء عن الحي في تلك الأثناء، وفي هدوء تام ألقينا القبض على المشاركين في الاجتماع، وهم كانوا مقدمة للإيقاع بباقي أطراف المؤامرة.

اتفقتُ مع عبدالناصر على أن يكون السجن الحربي المكان المناسب لحجز المتهمين في هذه القضية، باعتباره الأكثر تحصينًا وتأمينًا، طالما أن من يحقق هو طرف عسكري وليس مدنيا.

وهناك وبالتنسيق مع حمزة البسيوني- مأمور السجن الحربي وقتذاك- أعدوا لي مكتبًا، والى جانبي مكاتب أخرى للضباط الذين يساعدونني في التحقيق مع المتهمين أولا بأول.

من خلال اعترافات المجموعة تبين أن القضية بالفعل مؤامرة، وأن الخلية الصغيرة ليست سوى رأس مخطط لجيش كبير من التابعين منتشرين في الدقهلية والشرقية، وأن هناك توزيع أدوار بين أصحاب الفكر والمخططين ثم المنفذين، وتبين أن صاحب الفكرة هو سيد قطب الذي سبق اتهامه في حادث ميدان المنشية في الاسكندرية، وأفرج عنه الرئيس وقتها.

أحداث السجن الحربي أحاطها الكثير من اللغط والتهويل، وحولت جماعة “الإخوان” دورنا في إحباط مؤامرتها وحماية المصريين من خطر مخططها الإجرامي بكائية، وفرصة للانتقام، وتصوير المحبوسين أمام أتباعها كضحايا وليسوا مجرمين، ونسجوا الأساطير والأكاذيب حول عمليات تعذيبهم والتنكيل بهم، فعندما قرأتُ قصص بعض المتهمين بعد ذلك شعرت أنهم يتحدثون ويصفون أحداثًا وشخصيات أخرى غير التي حققنا معهم واعترفوا بجريمتهم.

صحيح أن مجرمًا خطط لجريمة بهذا الحجم كانت تستهدف وطنًا بأكمله لن يعترف بسهولة، فكان طبيعيًا الضغط عليه وحصاره، واستخدام أساليب متعددة للحصول على هذه الاعترافات.

أعترفُ اننا لم نبتكر ولم نستخدم معهم أي أساليب جديدة سوى تلك التي كانت تُسْتَخدم في انتزاع الاعترافات من المتهمين، والذي ينكره هؤلاء المجرمون أننا كنا نراعي الجوانب الإنسانية للكثير منهم، فمثلا كان هناك شاب متورط في القضية من إحدى قرى الدقهلية، عند القبض عليه كان عرسه في اليوم التالي، وعندما عرفتُ ذلك حققنا معه بسرعة، واتفقنا معه على الصدق مقابل الإفراج، فكانت النتيجة أنه اعترف على أن والده كلفه إخفاء قنابل وأسلحة على سطح المنزل، أمرتُ بتوصيله إلى منزله، وتقديم هدية له مكافأة له على تعاونه، ثم ذهبت فرقة من الشرطة العسكرية إلى المنزل، وجمعت الأسلحة، وألقت القبض على والده، وهكذا كنا نضع العنصر الإنساني فوق كل اعتبار، خصوصا مع من نعتقد أنهم تورطوا في الجريمة بالصدفة أو من دون قصد.

لكن بخصوص قيادات الخلية والمخططين الفعليين، فقد فبركوا احداثًا لم تقع، فمثلا سمعتُ وقرأتُ بدهشة ما كتبته السيدة زينب الغزالي عن عمليات تعذيب وانتهاك تعرضت لها أثناء الاستجواب والاعتقال.

والحقيقة أنا لا أذكرها بشكل محدد، والامر المؤكد أنني لم أحقق معها كما زعمت، ومن ثم لم أعذبها كما ذكرت في كتبها، وحولت نفسها ضحية أمام وحوش بشرية لا يعرفون حرمة النفس ولا حقوق المرأة ولا ظروفها وخصوصيتها، روايتها جعلتني أعرف حجم التزييف الذي تنتهجه هذه الجماعة وطريقتها في قلب الحقائق.

نأتي إلى سيد قطب، هذا الرجل كان يعاني من أمراض خطيرة، لذلك حرصتُ على أن اجري التحقيق معه شخصيًا، كان يأتي الى جلسات التحقيق يسنده جنديان، ويعلم الله أنني كنت أتعامل معه بكل احترام وتقدير، ولم يمارس عليه اي تعذيب أو إكراه أو حتى مجرد تخويف مني او من فريق المحققين، بل كنتُ أحاول في كل جلسة أن يحصل على راحة، ويتناول الدواء اللازم، ونتوقف أو نؤجل الجلسات وفقا لظروفه ورغبته، رغم إدراكي انه صاحب فكرة المؤامرة، وأنه الأب الروحي للخلية وراعيها ومروجها بين بعض شباب “الإخوان” المتحمسين.

وربما لا أتجاوز الحقيقة عندما أزعم أنه استغل حماسة هذا الشباب المندفع في تبني أفكاره نحو تغيير الواقع، وتطبيق شرع الله بالقوة، حتى لو كانت النتيجة سقوط ملايين المصريين الأبرياء ضحايا لفكرة استقاها من بيئة ومجتمع آخر، وهي فكرة تحدث عنها المفكر الهندي أبو الأعلى المودودي.

بعد نقاش طويل مع سيد قطب اعترف بكل شيء من دون أي ضغط، لا مني ولا من أي ضابط آخر، بل كان الرجل متعاونًا معنا بدرجة أكثر مما كنا نتوقع، وطلب أن يكتب بنفسه القصة الكاملة للقضية من وجهة نظره، ملتمسًا العفو من رئيس الجمهورية.

على مدار أيام عدة ظل يكتب كل ما يتذكره من أحداث وأشخاص، في مصر والخارج، شاركوا أو دعموا مخططه الشيطاني، كنت على اتصال دائم ومباشر بالرئيس عبدالناصر، أطلعه أولًا بأول على التحقيقات واعترافات المتهمين، لأنه كان منشغلًا بفكرة استهدافه، ومحاولة اغتياله. ومن هنا تأكد لي ولكل من شاركوا في القضية أنها كانت مؤامرة مكتملة الأركان، الغرض منها تدمير المنشآت الحيوية للبلد، واغتيال الرئيس، وعدد من كبار المسؤولين في الدولة.

هذا الكلام من واقع اعترافاتهم وليس استنتاجًا ولا تلفيقًا كما يدعون، لذلك أشعر بارتياح كبير للدور الذي اديته في منع هذه الجريمة، وحماية أمن مصر، وحافظًا على أرواح الملايين الذين كانوا بالتأكيد سيذهبون ضحايا لتلك الجريمة البشعة.

هناك تهويل كبير في عدد الذين القينا القبض عليهم، لكن وفقًا لمستنداتها فقد وصل إجمالي عدد المتهمين الى خمسة آلاف شخص، أما الذين ثبتت مشاركتهم في التخطيط والتنفيذ وإخفاء الأسلحة فلم يزد عن 500 متهم.

وبعد الانتهاء من التحقيقات أفرجنا عن جميع المتهمين باستثناء المتورطين، لكن يبدو أن وزارة الداخلية أعادت التحقيق مرة أخرى مع المفرج عنهم، وربما مارست ضدهم التعذيب، لأنني وفقًا للمستندات وما أذكره عن هذه القضية أن نحو سبعة متهمين توفوا في السجن، إما بسبب عدم تحملهم أوضاع السجن، أو ربما تعرضوا للقسوة خلال التحقيقات، فلا بد أن أعترف أن من أصل خمسة آلاف متهم لم يمت سوى سبعة أشخاص، وهذه نسبة غير لافتة للنظر، لأن بعض المتهمين أحيانًا وبمجرد القاء القبض عليه يمكن أن يصاب بأزمة قلبية من شدة الصدمة.

على كل حال لا أنكر أننا اضطررنا إلى استخدم القسوة مع بعض المتهمين حتى يعترف بدوره في المؤامرة، وبخاصة أن غالبيتهم كانت من المتشددين، وكانت العملية برمتها تجري في السجن الحربي الذي يعتمد على طريقة انتزاع الاعترافات من المتهم بكل الوسائل، بما في ذلك استخدام أساليب التعذيب المختلفة التي وضعها الإنكليز أنفسهم للتعامل مع نزلاء هذا السجن.

لقد تبين لنا من واقع التحقيات مع بعض المتهمين الإخوان أن يعتبر نفسه يجاهد في سبيل الله من خلال ضرب الجسور والمرافق الحيوية، دون أن يراعي حجم الخسائر البشرية والمادية التي تلحق بوطنه.
وحدث أنني سألت أحدهم: إن تدمير السدود سوف يغرق مصر وشعبها بمن فيهم أهلك وأقاربك"، فرد قائلًا:" إن من لا يؤمن بشرع الله فإن الموت يجب أن يكون من نصيبه، ورغم ثقتي بتورط سيد قطب ودوره المحوري في المؤامرة إلا أنني رفضت فكرة إعدام لظروفه الصحية وأبلغت عبد الناصر برأيي، وشاركني في الرأي زوجته ونسيبه لكن عبد الناصر تمسك بقرار إعدامه وسبب تمسكه انه سبق وافرج عنه في حادث المنشية مما اعتبره استنفد ما لديه من رصيد في التسامح والعفو خاصة أن المؤامرة كانت تستهدفه شخصيًا.
تاريخ الخبر: 2020-12-02 04:21:54
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 51%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية