"Along the Sea".. ماذا لو أعطت الحياة للإنسان أسوأ ما لديها ؟
"Along the Sea".. ماذا لو أعطت الحياة للإنسان أسوأ ما لديها ؟
لطالما ألهمت قصص المهاجرين الغير شرعيين المخرج الياباني أكيو فوجيموتو للحديث عنها في أفلامه، خاصة وأن صناع السينما اليابانية لا يلقون بالا لهذا العالم الخفي. ففي عام 2017، قدم فيلمه الطويل الأول "Passage of Life" عام 2017، وتتبع قصة عائلة من مينامار تكافح من أجل الحصول على اللجوء في اليابان، وحصل الفيلم وقتها على جائزتين بقسم مستقبل السينما الأسيوية بمهرجان تورنتو السينمائي الدولي. ليعود هذا العام بقصة جديدة ومؤثرة لموضوعه المفضل من خلال فيلم "Along The Sea" الذي يسلط الضوء على معاناة ثلاث شابات من فيتنام يضطررن للهرب إلى اليابان بحثا عن حياة أفضل. وتم عرضه في قسم البانوراما الدولية بمهرجان القاهرة السينمائي في نسخته الـ42.
فونج وآن ونهو، شابات فيتناميات في أوائل العشرينات من العمر، ينجحن في الفرار من وظيفة "متدربات تقنيات" في فيتنام وسط عمل قاسية للغاية لدرجة دفعت رئيس عملهم السابق للاحتفاظ بجوازات سفرهم، ليتلقوا مساعدة من أحد سماسرة السفر الذي يقوم بإحضارهم إلى بلدة نائية على الساحل الياباني بطريقة غير شرعية، حيث يعملون في مجال صناعة الأسماك.
مرة أخري ووسط ظروف قاسية، تضطر الفتيات إلى النوم معًا على الأرض داخل كوخ صغير مغطي بالثلوج، ولكن على الرغم من ذلك فإن الفتيات الثلاثة تبدو عليهم علامات الرضا والسعادة أكثر من عملهم السابق، لأنهم يتمتعون بمزيد من الحرية ويتلقون راتبا أفضل سيعينهم على سداد ديون والديهن ودفع المصاريف المدرسية لأشقائهن ومن ثم التفكير في إعالة أنفسهن من أجل الزواج وهذا أقصي ما يحلمن به.
سرعان ما تمرض واحدة منهن وهي فونغ، حيث تؤلمها معدتها بشدة وتتعثر في العمل، لتصر صديقاتها لأخذها للمستشفى في رحلة مرهقة وطويلة داخل القطارات والحافلات، وبعد كل هذا يقابل طلبهم بالرفض من جانب الإدارة بسبب عدم امتلاكهم أوراق إقامة شرعية أو تأمين صحي ويعودوا أدراجهم محملين بالخيبة.
تخبر فونج صديقاتها إنها ربما تكون حامل، وهي أزمة أخري ستضطر الفتاة للتعامل معها بشكل دقيق تواجه خلالها مجموعة من السيناريوهات القاسية، بداية من خوفها لمعرفة صاحب العمل الذي لن يتردد في فصلها وإعادتها لفيتنام، أو عجزها عن تدبر المال اللازم لعائلتها كل شهر، حتى وإن نجحت في كل ما سبق، هل ستنجو هي وطفلها وسط تلك الظروف القاسية؟
يسلط فوجيموتو الضوء على المشكلات التي يواجهها المهاجرون غير الشرعيين في اليابان بطريقة أكثر واقعية، مع اتباع مسار سرد شبيهًا بالأفلام الوثائقية، حيث تتبع كاميرته بطلاته الثلاثة من مسافة قريبة جدًا، أحيانًا من خلال لقطات قريبة مكثفة، بطريقة تجعل المشاهد يتورط فيما يحدث أمامه على الشاشة، بدلًا من أن يكون مجرد متفرج.
وعلى عكس قصص أفلام المهاجرين، فإن المخرج يتجنب اللجوء إلى حيل مستهلكة كالعنف الجسدي والابتزاز الجنسي، فيظهر لنا كيف أن يمكن حتى لوظيفة آمنة وذات رواتب جيدة أن تكون مصدر معاناة كبيرة لهؤلاء البعيدين عن أوطانهم. إنه يركز بشدة على مدي اليأس وقلة الحيلة لهؤلاء الشابات الثلاثة ويصور لنا الطريقة التي يعمل بها النظام خارج إطار القانون.
يجرد فوجيموتو فيلمه من أي عنصر غير ضروري كالموسيقي التصويرية والصور الجمالية ليفسح المجال أمام القصة حيث تستحوذ الواقعية القاسية على السرد، لكنه في نفس الوقت أبرز العديد من اللقطات ذات البعد الجمالي لتلك المدينة الباردة المتوحشة، حيث اعتمد على تصوير مشاهد ليلية متشحة بالسواد ومشاهد نهارية تكسوها الثلوج والتي تعكس الخيارات الصارخة التي يجب أن تتخذها هؤلاء الفتيات، وخاصة فونج التي يتعين عليها في نهاية الفيلم الاختيار ما بين التخلي عن عملها أو طفلها.
