انتهت سنة 2019 على وقع اعتقالات ومتابعات وتضييقات على الحريات ميدانيا، وفي الفضاء الرقمي ارتفعت وتيرتها إلى أزيد من 16 حالة متابعة فقط قبيل انتهاء السنة. وكان أمل الحركة الحقوقية أن تكون السنة الجديدة أفضلا حالا، فرفعت شعارات أهمها “2020 مغرب بدون معتقلي الرأي”.
فكان ما ميز السنة الجديدة 2020 فترة الحجر الصحي التي فرضتها ظروف انتشار وباء كورونا عبر العالم، لكن ما طبع هذه الفترة بدورها هي التجاوزات الحقوقية الصارخة التي سجلت بالجملة في تعامل الدولة مع المواطنين باختلاف ألوانهم السياسية والمهنية والاجتماعية.
هيمنة المنطق الأمني
شكلت صور إهانة المواطنين من طرف العناصر الأمنية في الشوارع في فترة الحجر، بداعي حالة الطوارئ الصحية، حدثا أجمع من خلاله الحقوقيون والمراقبون على أنه إشارة من إشارات استغلال ظروف الوباء لهدر كرامة الشعب المغربي، وفرض المنطق الأمني والسيطرة البوليسية، وكأن المقاربة الأمنية هي الحل السحري في وقت يحتاج الشعب من يقف بجانبه ويريحه من الغموض الذي صاحب كل مراحل الوباء في تعامل الدولة معه.وكانت الصفات الممنوحة للأشخاص الأمنيين في الدولة بكل مستوياتهم من الأعوان والقياد والباشوات… في هذه الظرفية؛ مناسبة لإطلاق العنان لسطلتهم والعبث بأملاك المواطنين وإهانة كرامتهم بأشكال تخالف مقتضيات القانون بدعوى مخالفة مقتضيات قانون حالة الطوارئ.
الاعتقالات والتضييق على الحريات
لم تجنح الدولة بمؤسساتها إلى توسيع هامش الحريات ولو في الفضاءات الافتراضية؛ بقدر اجتهادها في خنق كل القنوات التي من شأنها أن تخفف من وطأة الحجر الصحي، فضلا عن تسجيل اعتقالات بالجملة في مختلف ربوع الوطن، بأشكال تحمل تصفية لحسابات مع أصحاب الرأي الحر، واستغلت ظروف الوباء لتمرير قوانين مكبلة للحريات.ومن أبرز الملفات التي سجلت هذه السنة، اعتقال الصحفي سليمان الريسوني، ووضعه رهن الاعتقال الاحتياطي لمدة قياسية، والتشهير به، واستمرار الاعتقال والتضييق على الصحافي عمر الراضي والتشهير به بعد عشر جلسات من البحث التمهيدي، بدعوى الاشتباه في تلقيه أموالا من جهات خارجية الغرض منها زعزعة أمن الدولة. وكذا إعادة فتح ملف جديد للمؤرخ المعطي منجب وبعض أفراد أسرته، بعد حملة تشهيرية طالته بدعوى غسيل الأموال.
وكان التشهير أبرز وسيلة من الوسائل التي اعتمدها النظام لتشويه سمعة عدد من المناضلين والحقوقيين والسياسيين والإعلاميين من المعارضين لتوجهات السلطة في منابر باتت معروفة للعيان.
قمع الاحتجاجات الاجتماعية
ومن النقط السوداء التي تعد استمرارا لسياسة الدولة في تعاملها مع ملفات الاحتجاجات الاجتماعية بالمغرب منذ سنوات؛ القمع الذي عرفته عدة احتجاجات مثل ما تعرضت له وقفات الأطر الصحية والتمريضية، والقمع الوحشي لوقفة حاملي الشهادات العليا من رجال ونساء التعليم، فضلا عن قمع نضالات الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد.ولم تستثن مناطق عدة في المغرب من هذا القمع بما فيها منطقة بني تجيت بإقليم بوعرفة التي شهدت احتجاجات لحملة الشهادات من أبناء المنطقة، وتوجت باعتقال 7 أشخاص.
استمرار تداعيات ملف الريف وجرادة
ويستمر نزيف عائلات ملف معتقلي حراك الريف ومعاناتهم باستمرار اعتقال أبنائهم، وهو الملف الذي يشكل أحد النقط السوداء على جبين المخزن المغربي، بعدما خاض المعتقلون هذه السنة إضرابات عن الطعام كادت أن تودي بحياة العديد منهم بما فيهم عائلاتهم التي جسدت معهم هذه الخطوة.
أما ملف معتقلي جرادة، فقد اختارت السلطات تجديد معاناتهم بعدما حكمت المحكمة الابتدائية بمدينة وجدة يوم 19 غشت 2020 بـ 33 شهرا بالسجن وغرامات بـ 21 ألف درهم في حق سبعة من معتقلي جرادة، ستة منهم سبق أن صدرت في حقهم أحكام بالسجن سابقا في خلفيات حراك جرادة سنة 2017. ولترفع عدد المعتقلين بعد سلسلة من المتابعات إلى 15 معتقلا.
غيض من فيض
هذا “فلاش باك” مقتضب عن الواقع الحقوقي المزري الذي يحياه الشعب المغربي جراء سياسات سلطوية مستبدة، أبت السلطات المغربية إلا أن ترصع بها سجلها الحقوقي، مواصلة مسارها في درب العسف على الحقوق والدوس على الكرامة.
