داخل شوارع القاهرة التاريخية وبين حواريها الشعبية، مر سفير الاتحاد الأوروبي في القاهرة كريستيان برجر، وزوجته ماريلينا، بصحبة "الوطن"، سيرًا على الأقدام، ينظران يمينا ويسارا بأعين مبتهجة، يطالعان المباني التاريخية الشامخة، يتبادلان الابتسامات الودودة مع المارة، حالة من السعادة الممزوجة بروح السلام فرضتها أجواء المحروسة على الضيفين رغم زحام وصخب العاصمة، صاحبتهما حتى وصلا إلى أحد مقاهي وسط البلد.

"مصر أم الدنيا، وسعداء بوجودنا فيها، لأنها تعتبر مركز العالم"، جملة لخصت حالة إعجاب برجر بمصر، اختتم بها برجر، حديثا طويلا غير سياسي أثناء رحلته القصيرة بين الشوارع، في إطار مبادرة "الوطن"، لاستضافة بعض الشخصيات الدبلوماسية الأجنبية، واصطحابهم في جولة ذات طابع شعبي بأحياء القاهرة العريقة.

أمام مقهى بسيط استقرت الخطوات بالجلوس فوق الكراسي المرصوصة، وحضر عامل المقهى واللمعة تكسو عيناه ترحيبا وسعادة بهما الذي يتحدث الإنجليزية، ابتسامات المحيطون ونظراتهم الدافئة غمرت المكان، وبلمحة ذكية طلب سفير الاتحاد الأوروبي وزوجته مالينا "شاي بالنعناع" المشروب المفضل لدى المصريين.

يعشقان الكشري.. والملوخية المصرية سحرت السفير

ارتشف السفير وزوجته، بعض الشاي، ودار حديثا وديا، غلبت عليه أجواء المرح، تناولا جوانب من حياتهما الشخصية، وطبيعية يومهما في مصر، وبدا أنهما ارتبطا سريعا بالمأكولات الشعبية المصرية، إذ يعتبر طبق الفول الوجبة الأساسية في إفطار السفير، مؤكدا أن الكشرى من الوجبات المفضلة له، في حين شاركته زوجته حب الكشري، كشفت أنها تعشق الملوخية والمحشي.

وتحدث برجر، عن وجبة مشابهة لطبق الكشري فى بلده النمسا، إذ كان الناس أثناء الحرب العالمية الأولى يجمعون بواقي الطعام المتعدد في طبق واحد ليتم تناوله، بعد ذلك أصبحت وجبة بذاتها يطلق عليها "وجبة الطبق الواحد"، مشيرا إلى وجبة أخرى ظهرت في نفس الفترة، تتكون من أرز ومكرونة وبطاطس وبيض، يمكن أن يضاف إليها مكونات أخرى، واكتسبت شهرة كبيرة الآن، ويطلق عليها "جرينادير مارش".

"المسقعة أو أي حاجة فيها باذنجان"، وجبة زوجة السفير المفضلة، إذ يبدو أنها غاصت وتعمقت في الأكل المصري، موضحة أنها تعشق أيضا البامية والمحشي والكشرى، مؤكدة أن أشهر وجبة فى بلدها اليونان هى "شوربة العدس"، المكونة من العدس والأرز والبصل المقلى.

يروي "برجر" علاقته بالملوخية كطعام مفضل، إذ أنه تناول ما وصفها بـ"أفضل وجبة ملوخية" فى محافظة أسيوط، أثناء حضوره فعالية هناك، مشيرا إلى أنه تناول أيضا الملوخية فى سوريا وفلسطين، حيث يتم وضعها على الفراخ والأرز، لكنه يعتبر الملوخية المصرية الأجمل.

ذكريات فى مصر.. قيادة السيارة ورؤية الأهرامات

أول زيارة لسفير الاتحاد الأوروبي، لمصر كانت مع أسرته عام 1972، حيث جابوا مصر من جنوبها لشمالها، زاروا معظم المناطق السياحية المهمة، منها معبد أبو سمبل، وخلال الفترة من عامي 1988-1991 كان مقر عمله فى غزة، ويسافر إلى القاهرة بالسيارة كل 6 أسابيع.

وواصل برجر، بروح من الدعابة الحديث عن ذكرياته في مصر، قائلا: "عام 1990 قمت بقيادة السيارة لأول مرة فى شوارع القاهرة، وكنا نستطيع وقتها رؤية الأهرامات من أى مكان، لكن الآن توسعت القاهرة بشكل كبير، ولم يعد ذلك ممكنا كما في السابق".

وعن زيارته الأخيرة قبل توليه المنصب الحالى عام 2016، أكد أن "الوضع تغير كثيرا، حيث تم عمل الكثير من مشروعات البنية التحتية والطرق والكباري، وهو ما يمكن ملاحظته منذ لحظة الخروج من مطار القاهرة".

وفى إحدى زيارات برجر لمصر اصطحب ابنه وابنته، وزاروا معظم المناطق السياحية، مثل: الأقصر، أسوان، ووادي الحيتان، وورش الفخار فى محافظة الفيوم، ومختلف المعالم في القاهرة، موضحا أنه يرغب حاليا  فى زيارة بعض الأماكن السياحية، مثل: معبد أبيدوس، وأيضا سانت كاترين.

تاه على طريقة أحمد حلمي في "عسل أسود"

موقفا كوميديا عاشه السفير الأوروبي بالقاهرة، على طريقة الفنان أحمد حلمي في فيلم "عسل أسود"، عندما قاد السيارة لأول مرة في شوارع القاهرة، معتمدا على نفسه، ليتيه فيها ويحاول الوصول إلى منطقة الأهرامات.

يقول برجر: "كنت فى زيارة للقاهرة منذ سنوات كثيرة مضت، وكان مقر إقامتى بأحد الفنادق المطلة على النيل، لكن لم أكن أعرف كيفية الوصول إليه"، مضيفا أنه قاد السيارة لأول مرة، وكان كل ما يعرفه أن الفندق على النيل، ثم يواصل ضاحكا: "النيل طويل"، موضحا أن الفارق بينه وبين أحمد حلمي في الفيلم، لم يكن إلا في خدمة "جي بي إس" التي لم تهده كذلك للطريق.

"ليالي الأنس في فيينا" للفنانة أسمهان، الأغنية المصرية الأبرز التي يعشقها السفير، لارتباطها بعاصمة بلده النمسا، مضيفا: "قمت بزيارة غزة فى الثمانينيات، وذهبت مع أحد الأصدقاء إلى محل لبيع شرائط الكاسيت، لشراء هذه الأغنية بعد سماعي عنها كثيرا".

الدفء والأمان في شوارع القاهرة

الدفء والترحاب والانفتاح والحس الفكاهى الكبير، صفات مميزة لمسها كريستيان برجر، من المصريين، ومشاعر أخرى أعربت عنها زوجته: "نشعر إننا فى بيتنا، ونسير فى شوارع القاهرة بأمان، ونشاهد المعمار الجميل جدا دائما، ولدي أصدقاء كثيرون فى مصر"، معبرة عن رغبتها في تعلم اللغة العربية.

الجلباب مريحة والأزياء المصرية رائعة

عمل سفير الاتحاد الأوروبي بالقاهرة، من قبل في عدة دول، منها: فلسطين، تركيا، سوريا، الأردن، لبنان، بالإضافة إلى 20 عاما فى بروكسل، و3 سنوات فى بلده النمسا، مؤكدا أنه خلال كل تلك السنوات كان يتعامل دائما مع الشرق الأوسط، ويعلم عادات وتقاليد شعوبه جيدا.

ويشير إلى أنه ارتدى جلبابا اقتناه من دمشق، واكتشفت أنه زيا مريحا للغاية، مضيفا: "زرنا العلمين ورأينا مدينة العلمين الجديدة، وشاهدنا المبانى والإنشاءات، وتمت دعوتي لزيارة العاصمة الإدارية الجديدة، لكنى لم أزرها حتى الآن"، أما زوجته فأبدت إعجابها بالملابس المصرية كثيرا.

زوجة السفير معجبة بأجواء الأسرة المصرية: جدي من الإسكندرية

لم يكن إعجاب "ماريلينا" بمصر وخصوصا الإسكندرية، التي عبرت عن إعجابها الشديد بهذه المدينة الساحلية من فراغ، إذ كشف السيدة اليونانية التي ترافق زوجها في القاهرة، أن جدها من الإسكندرية، متابعة: "نحن قريبون جدا من بعض، فى إشارة إلى المصريين واليونانيين".

وتقول في جانب من حديثها: "رأيت كثيرا من النماذج الرائعة للمرأة المصرية، منها على سبيل المثال: مساعدتها لزوجها فى أوقات الشدة مثل أزمة الفيروس، وأيضا الأزمات المادية، إ نرى قوة المرأة المصرية"، معبرة عن إعجابها بحالة الترابط والتضامن بين أفراد الأسرة المصرية الواحدة.

وأكدت زوجة السفير، أن كل مكان سياحى فى مصر زاروه لهم ذكريات فيه، وكل مرة يقومون فيها بزيارة مصر، يجدوا دائما الجديد فيها، حتى في تلك الأماكن التي سبق لهم زيارتها.

حديث نمساوي يوناني في حب الكشري: سنفتح مطعما

قبل الجلوس على المقهى، ولأن لديهم إعجاب ببعض الوجبات أبرزها الكشري، دعت "الوطن" السفير وزوجته إلى تناول وجبة كشري في أحد محال وسط البلد، وقابلا الدعوة باستحسان كبير ووصفوها بإنها "رائعة"، وأضاف السفير أنه يفكر في الذهاب إلى المطاعم الشعبية التي توجد خلف مقر وفد الاتحاد الأوروبي، بعدما جلس مع "الوطن" يتناول وجبة الكشري، وجلس على المقهى وسط أجواء شعبية.

وأوضح السفير، أن هناك قاعدة أساسية دائما للسياح، وهى: "الذهاب إلى المطاعم التي يُقبِل عليها المواطنون، حيث يعني ذلك أنها تقدم أشهى الأكلات"، وخلال اللقاء، اقترحت زوجة السفير افتتاح مطعم كشرى فى اليونان، مؤكدة أنه "سيكون مشروع مربح جدا".