الجائحة تمحو الحدود بين العمل المرن والعمل عن بعد


في تموز (يوليو) الماضي تم الاستغناء عن الفريق الذي كانت تعمل فيه جورجيا في بنك استثماري في لندن. كانت المرأة البالغة من العمر 44 عاما، التي فضلت عدم الكشف عن اسمها الحقيقي، تعمل أربعة أيام ونصف في الأسبوع محللة أعمال منذ 2014. كان البحث عن وظيفة لها بمنزلة كشف. وتقول إن الوظائف توصف بأنها مرنة، لكن في الواقع، هذه المرونة تعني فقط العمل عن بعد في الوقت الذي يكون فيه معظم موظفي المكاتب في المنزل بسبب قيود التباعد الاجتماعي.
تقول: "حين تأتي على ذكر أربعة أيام فإن هذا يجعلك تشعر بالرعب".
أجبر الوباء كثيرا من أصحاب العمل على التحول إلى العمل عن بعد بين عشية وضحاها. التزم بعضهم بالعمل عن بعد طويل الأمد كجزء من نمط هجين، بما في ذلك قضاء بعض الوقت في المكتب.
مع ذلك، يشعر موظفو المكاتب بالقلق من أن المرونة لا تقطع شوطا طويلا بما فيه الكفاية. كما يتبين من عملية البحث عن الوظائف التي قامت بها جورجيا، فإن "المرونة" قد تعني فقط العمل من المنزل، وتجاهل العمل بدوام جزئي، وساعات مضغوطة ومحسوبة سنويا. في وقت يفقد فيه كثير من الناس وظائفهم بشكل جماعي، يشعر كثير من الموظفين بالضغط للامتثال لمطالب صاحب العمل.
وجد استبيان حديث أجرته شركة تايم وايز، وهي متخصصة في التوظيف المرن، أن نسبة الوظائف في المملكة المتحدة المعلن عنها على أنها توفر عملا مرنا ارتفعت من 17 في المائة في بداية 2020 إلى 22 في المائة بعد أن عطل كوفيد أنماط العمل. تشعر إيما ستيوارت، المؤسسة المشاركة لشركة تايم وايز، بالقلق من أن الشركات لا تزال خجولة. "هناك فجوة ضخمة بين العمل عن بعد بسبب الأزمات واتباع نهج نظامي للعمل المرن. نحن بحاجة إلى تصميم الوظائف بشكل صحيح".
خلط الوباء بين المرونة والعمل المنزلي، كما تقول جيما ديل، وهي محاضرة في جامعة جون مورس في ليفربول. تشعر ديل بالقلق من أن المديرين سيلقون باللوم بمنتهى السهولة في بعض المشكلات – مثل أخطاء الموظفين أو تآكل ثقافة الشركة – على العمل عن بعد. يمكن أن يؤدي هذا بعد ذلك إلى تهيئة الظروف لرد فعل عنيف ضد العمل المرن بشكل عام.
تقول ديل: "كل ما يعرفه (بعض المديرين) هو الإدارة من خلال مراقبة الناس. ساذج من يظن أنهم حصلوا جميعا على إلهام". وهي قلقة من أن المديرين سـوف "تتأكد" آراؤهم بأن الناس لا يستطيعون العمل عن بعد.
وفي حين يقول الموظفون إنهم يريدون مستقبلا هجينا، فإن قلة من المديرين تعرف كيفية تنفيذ ذلك. تقول ديل: "إنه أمر سهل الآن على اعتبار أن معظم الناس يعملون عن بعد. لكن الوضع سيصبح فوضويا للغاية بمجرد عودة بعض الأشخاص وبعض الآخر لا يعود".
إحدى المحاميات التي تعمل في الحي المالي في لندن، تفضل عدم ذكر اسمها، تشعر بالتشجيع من الاتجاه الذي تتخذه شركتها. قررت الشركة السماح للموظفين بالعمل من المنزل يومين في الأسبوع بمجرد أن يسمح برنامج اللقاح بتخفيف قواعد التباعد الاجتماعي. ومع ذلك، فإنها تشعر بخيبة أمل لأن السياسة لا تزال جامدة إلى حد لا بأس به. "يعمل معظمنا من المنزل، وانسجمنا جميعا مع الوضع. وظللنا ننجز العمل المطلوب. لا يزال هناك تركيز على الحضور. هناك الكثير من الثناء عندما يظهر الأشخاص في مؤتمر بالفيديو ويكون المكتب مرئيا في الخلفية".
تضيف أن القانون بطيء في التغيير بشكل خاص. "أشعر بالصدمة في بعض الأحيان من شركة المحاماة لأنها اكتشفت للتو تكنولوجيا مؤتمرات الفيديو. سيصاب الكثير من زملائنا بخيبة أمل كبيرة لأنه لن يكون هناك تحول أكبر نحو العمل المرن، إذ لا يزال هناك اعتقاد بأنه ليس عملا حقيقيا".
تقول جين فان زيل، الرئيسة التنفيذية لمجموعة الأسر العاملة، ويركينج فاميليز Working Families، وهي مجموعة غير هادفة للربح، إذا عادت الشركات إلى "ثقافة الحضور إلى العمل (فستكون) كارثة لأصحاب العمل الذين يرغبون في جذب الموظفين والاحتفاظ بهم، وزيادة إنتاجيتهم، وسد فجوة الأجور بين الجنسين".
منذ أن بدأ الوباء كان الآباء العاملون، ولا سيما الأمهات، واقعين تحت ضغوط العمل ورعاية الأطفال. وفي حين عرضت المنظمات إجازة للوالدين مدفوعة الأجر للتعامل مع هذا الضغط، كان بعض الآباء مترددين في أخذها خوفا من الظهور بمظهر أنهم غير ملتزمين بعملهم بما فيه الكفاية.
المرونة، على ما يبدو، سلاح ذو حدين. لورا إمبسون، مديرة مركز شركات الخدمات المهنية في City’s Business School في جامعة لندن، تشعر بالقلق مما علمنا إياه الوباء بشأن المرونة. "أظهرنا قدرتنا على العمل في أي وقت من اليوم. أنا لا أسمي هذه مرونة، بل أسميها تكثيف العمل". الجهود المبذولة للتعامل مع العمل الزائد، مثل تطبيقات الرفاهية أو تدريب المتانة، هي في غير محلها. "الشركات تضفي الطالع الفردي على المشكلة، التي هي مؤسسية".
تقول مديرة تنفيذية في العلاقات العامة في لندن إن "أصحاب العمل يستخدمون الفيروس كسلاح (...) كثير من الشركات استغلت هذا الوقت لخفض الرواتب". في حالتها الخاصة، فإن الضغط لتكون متاحة طوال الوقت، على الرغم من العمل بدوام جزئي، يعد ضغطا "شديدا للغاية. عليك فقط أن تترك كل شيء من أشغالك الخاصة. أنت دائما على رأس عملك إلى درجة مهينة".
تتطلب سياسات العمل المرن تغييرات معقولة من قبل المديرين. في الماضي كان أرباب العمل مذنبين بارتكاب "التظاهر بالمرونة" – ما يعني أن شركة ما تضفي لمسة لامعة على وظيفة معينة لتصوير نفسها على أنها مستنيرة، ولا سيما عندما تحاول توظيف المزيد من النساء.
تتذكر إحدى مديرات الإعلانات حادثة قبل الوباء عندما كان صاحب عملها يكثر علنا من ضربها مثلا لإثبات أن العمل بدوام جزئي وإنجاب أطفال صغار لا يشكلان عائقا أمام الترقية. التباين بين حياتها الحقيقية ودورها كمثال جيد على المرونة برز في يوم المرأة العالمي عندما أغلقت على نفسها في الحمام في أحد المؤتمرات، نتيجة شعورها بالإنهاك من كثرة الانشغال والتنقل بين الأطفال والعمل – قبل الظهور على المسرح من أجل تمجيد فضائل المرونة.
تقول ستيوارت، من شركة تايم وايز، في حين أدركت معظم الشركات الرغبة في العمل المرن أثناء الوباء، فإن "الخطر يكمن في قيامها بذلك دون التفكير بشكل أساسي في ما يجب أن يحدث لإعداد المديرين لإدارة الفرق المرنة وتغيير ممارسات العمل". وتضيف: "المنظمات التي تقوم بذلك بشكل جيد استثمرت في المديرين المشرفين على العمل المرن. عليك أن تفعل شيئا حيال ذلك".
توافق سارة جاكسون، وهي مستشارة مختصة في مكان العمل، قائلة إن الدرس الحقيقي للعمل من المنزل هو أن المديرين يجب أن يتعلموا كيفية العمل بشكل أفضل. "يجب أن يكونوا واضحين بشأن ماهية الأهداف. هذا سينقذنا من رد الفعل العكسي للمرونة. يتوقع الناس العمل بمزيد من المرونة. في العام الجديد ستكون المنظمات الكسولة قادرة على (العودة إلى ما كانت عليه) في وقت تحتاج فيه إلى أن تكون منتجة".
تقول لويزا سيمينجتون ميلز، مؤسسة سيتي بيرنتس City Parents، وهي مجموعة لشبكة تواصل للآباء والأمهات العاملين، من السابق لأوانه التنبؤ بأنماط العمل بعد الجائحة. وتتوقع أن الوقت المناسب لوضع خطط طويلة الأجل سيكون عندما يتم تخفيف قواعد التباعد الاجتماعي، حيث يصعب على قادة الأعمال تحديد ممارسات العمل المرنة التي تنجح وهم في منتصف الوباء.
"عندما تكون في خضم أزمة، يكون الأمر صعبا، (هناك) الكثير من العمل لحل المشكلات الشائكة وتجنب العقبة التالية".
تضيف البروفيسورة إمبسون أن "الناس يحتاجون إلى فترة من الوقت للتعافي من إجهادنا الجماعي وقلقنا من أجل تقييم وفصل الاهتمامات الأوسع (المتعلقة بالتباعد الاجتماعي والمخاوف الصحية). كل الأمور تكون مختلطة".
التحدي الأكبر في المستقبل لأصحاب العمل هو تمكين المرونة لتلك الوظائف التي لا يمكن القيام بها من المنزل. تقول ستيوارت: "لدينا الكثير لنتعلمه إذا فتحنا عقولنا".

تاريخ الخبر: 2021-01-05 23:23:23
المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية
التصنيف: إقتصاد
مستوى الصحة: 35%
الأهمية: 49%

آخر الأخبار حول العالم

ما حقيقة نجاة امرأة سقطت من ارتفاع 15 ألف قدم؟ - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-25 06:23:35
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 51%

نجاة 20 طفلاً مصرياً استنشقوا غاز كلور داخل نادٍ - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-25 06:23:37
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 57%

أمطار رعدية على 5 مناطق السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-25 06:23:39
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

هل تشتعل جبهة جنوب لبنان ؟ - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-25 06:23:34
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية