ثلج لبنان.. موسم أبيض «تغمره» الأيام السود


وكأن الطقس هو أيضاً يعاند اللبنانيين ويقف في صف ما يواجههم من ظروف قاسية على كل الجبهات. ذاك الطقس الذي كان نعمة يتغنى بها أهل لبنان ويدرّسونها في مادة الجغرافيا لأبنائهم بحب وفخر، يكاد يتحول هذه السنة لعنة مستمرة تتخذ وجوهاً مختلفة في كل شهر.

فبعد مرحلة جفاف شتوية مع حرارةٍ لم يسبق للبنان أن عرفها في شتائه منذ 140 عاماً بحسب مصلحة الأرصاد في الجامعة الأميركية في بيروت، عاد الثلج ليطلّ بردائه الأبيض الناصع ويغطي، ليس القمم ومراكز التزلج فحسب بل القرى الجبلية العالية والمتوسطة ويحوّلها لوحة رائعة يخفف بياضها ما يعيشه لبنان من أيام سود مالياً واقتصادياً وصحيا. لكن الثلج على روعته يبدو وكأنه أتى في وقت غير مناسب، خلال عملية إقفال صارمة لم يشهد لبنان مثيلاً لها (لزوم مواجهة غزوة كورونا) تحجر الناس داخل بيوتهم وتمنعهم من استقبال الثلج بفرحة وحماسة.

الشرطة العراقية: 3 قتلى و16 مصابا في هجوم انتحاري بوسط بغداد
دبي تعلق التصاريح الترفيهية بعد زيادة مخالفات «الإجراءات الصحية الوقائية»

مسكين هذا البلد الصغير كيف يواجه وحيداً أعتى الأزمات، محشوراً داخل نفق مظلم لا يعرف له مخرجاً، وكلما أطلت بارقة أمل من مَنْفذ ما يعود السواد ليكمّها ويغلق كل نوافذها.

طويلاً انتظر اللبنانيون مجيء الثلج هذا العام ليلوّن رمادية أيامهم وسودوية نفوسهم بالأبيض وليمنحهم فسحةً من الفرح ونفحةً من الأوكسجين هم بأمسّ الحاجة إليها. لكن الثلج تأخر جداً هذا الشتاء، وفيما كان يفترض أن يحلّ ضيفاً مكرّماً كعادته في أوائل ديسمبر، غاب وأطال الغياب ولم يفرش بياضه إلا في أواسط يناير مخلّفاً وراءه شهراً كاملاً من الجفاف والسخونة غير المسبوقين، وتاركاً موسم التزلج يتيماً يعاني مدرّجات فارغة خالية كلياً من الرواد وبعيدة عن أي حركة سياحية واقتصادية.

فالمغتربون اللبنانيون الذين كان يُعوَّل على عودتهم إلى بلدهم في موسم الأعياد لتنشيط الحركة السياحية لا سيما في المناطق الجبلية، أمضوا عطلتهم وغادروا بيروت قبل أن يتمكنوا من الاستمتاع بموسم الثلج والتزلج. أما السواح العرب والأجانب الذين كانوا يقصدون لبنان بأعداد كبيرة للتمتع بهذا الموسم، فقد منعت ظروف جائحة كورونا مجيئهم أو حدّت كثيراً من أعدادهم. ولم يسعف تأخر الثلج في الاستفادة من وجود مَن قصد منهم «بلاد الأرز» لإحياء المناطق الجبلية ومراكز التزلج التي تتوزع ما بين الأرز وفاريا، وعيون السيمان، واللقلوق وفقرا وقناة باكيش والزعرور.

تأخُّر موسم الثلج والأمطار ليس بالأمر المستغرب كلياً فقد سبق أن شهد لبنان في أعوام سابقة تأخراً مماثلاً. وقد أخبرنا الاختصاصي في دراسة الأحوال الجوية إيلي سعادة إنه في العام 2013-2014 فتحت مدرجات التزلج لأسبوع واحد فقط في شهر مارس، وشهدت سنوات عدة على بدء الموسم في النصف الثاني من يناير؛ فالعوامل المناخية أمر لا يمكن التحكم به أو بنتائجه، لكن حين تترافق مع أزمة صحية واقتصادية خانقة عندها يصبح تأثيرها أشد قسوة وانعكاساتها تطال حياة اللبنانيين. فموسم الثلج والتزلج أطلّ هذه السنة في ظل الإقفال التام الصارم المترافق مع اشتداد حدة جائحة كورونا وحصْدها عدداً كبيراً من الضحايا يومياً، وهو لم يؤد كما كان مأمولاً الى تنشيط الحركة الاقتصادية والتجارية في المناطق الجبلية ولم ينعش الحركة السياحية في لبنان التي تعاني ركوداً قاتلاً، بل إن محطات التزلج كما كل القطاعات السياحية في المناطق الجبلية عانت خسائر كبيرة نتيجة تأخر الموسم وازدادت فداحتها مع الإقفال العام.

الأرواح قبل الأرباح

ويرفض ميشال سلامة رئيس بلدية فاريا، المنطقة الجبلية السياحية بامتياز، رفضاً باتاً عبر «الراي» الحديث عن الأضرار الاقتصادية التي ترافق إقفال مراكز التزلج مع ابتعاد الناس عنها نتيجة الإقفال العام «فالوقت اليوم هو للتضامن مع ضحايا كورونا واحترام المصابين الذين يعانون من الفيروس وحضّ الناس على التزام بيوتهم تجنباً لتفاقم الوضع الصحي».

الأولوية اليوم ليست لميزان الربح والخسارة، بحسب قول سلامة، بل إن الأولوية المطلقة هي صحة المواطن. ويؤكد أن لبنان ما زال يعاني تداعيات التفلّت الذي حصل في موسم الأعياد ولذا لا يمكن بأي حال وتحت أيّ ذريعة اقتصادية أو حياتية جعل الناس يتوافدون بأعداد كبيرة إلى مراكز التزلج.

ويشدد على أن من المعيب الطلب إلى أي مرجعية مسؤولة العمل على التخفيف من إجراءات الإقفال والتعبئة في ظل ما يشهده البلد من أعداد مخيفة للمصابين وارتفاع موجع في أعداد الضحايا بلغ أكثر من 60 ضحية في اليوم الواحد. والخسائر الاقتصادية كبيرة جداً لا شك في المنطقة، في محطات التزلج والفنادق ومحلات الأدوات الرياضية وكل المرافق التجارية والسياحية، لكن لا يمكن مقارنتها بالخسائر في الأرواح التي يمكن ان تطرأ في حال لم يلتزم الناس بالحَجْر المنزلي.

محطات التزلج مقفلة، المصاعد متوقفة والمنحدرات مقفرة من الرواد. مكاتب المحطات خالية من أي موظف وملتزمة تماماً بإجراءات التعبئة. التحضيرات لانطلاقة موسم التزلج كلها جاهزة منذ وقت طويل حسبما يقول لـ «الراي» المسؤول عن العلاقات العامة في نادي Zaarour Club جاد بعقيليني، فهي تبدأ في فصل الصيف عادة وتكون المحطة جاهزة لاستقبال روادها مع الثلجة الأولى: «وحتى مع تأخر الموسم هذه السنة كان لدينا أمل بأن الثلج سيأتي وستعود الحركة الموعودة الى محطات التزلج ولو متأخرة، ولكن الإقفال العام غيّر كل الحسابات ولا يمكننا إلا الالتزام به».

محطات التزلج تنتظر مثل كل اللبنانيين أن تتطور الأمور الصحية نحو الأفضل علّ صرامة الإجراءات تخفّ فيتمكن اللبنانيون من الاستمتاع بموسم تزلج آمن وتحقق المحطات كما المرافق السياحية في المناطق الجبلية بعض الأرباح لتتمكن من الصمود في وجه الأزمة الاقتصادية المستفحلة.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ألا تشكل الزحمة التي تشهدها عادة مراكز التزلج و انتظار الناس صفوفاً طويلة لمأخذ المصاعد نحو المرتفعات واكتظاظهم على المنحدرات والحلبات صغاراً وكباراً، وعلى شرفات المقاهي والمطاعم عامل خطر ينذر بتداعيات مؤسفة على صعيد كل لبنان؟

محطات التزلج بين الالتزام و الأمل

المواطنون اللبنانيون يبدون حتى اليوم واعين لهذا الخطر رغم شوقهم الكبير لملاقاة الثلج، ووحدهم بعض المتذاكين والمغامرين يحاولون استغلال وجودهم في الشاليهات الجبلية لممارسة بعض الألعاب الشتوية على الثلج رغم التحذيرات المستمرة من القوى الأمنية. وهؤلاء الذين اختاروا الحَجْر في المناطق الجبلية ولا سيما في الشاليهات يقول وليد بعينو، المسؤول الاعلامي في بلدية كفرذبيان، يساهمون اليوم في بعض الحركة التجارية الخجولة في المنطقة والتي تعوّض قليلاً غياب موسم التزلج. لكنه يؤكد أن ثمة محاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من موسم الثلج ولا سيما أن الآمال معلقة عليه في إعادة ضخ الحياة في الشريان الاقتصادي الراكد ركوداً تاماً في المنطقة. فهل تصغي لجنة «كورونا» المختصة والمسؤولون المختصون الى نداء أصحاب محطات التزلج وأصحاب المرافق السياحية والتجارية الصغيرة في المنطقة أم أن الحسابات الصحية ستطغى هذه المرة على الحسابات الاقتصادية؟

ويذكر إن أصحاب المحطات كانوا قد وضعوا خطة تَقَدّموا بها الى الوزراء المختصين تقضي باعتماد أشدّ وسائل الحماية في حلبات التزلج مثل إلزامية وضع الكمامة وما يغطي الوجه بشكل دائم، وممارسة التباعد الاجتماعي في جميع أنحاء المنتجعات، وخصوصاً عند مصاعد التزلج وتأجير المعدات ومكاتب التذاكر. وكذلك اعتماد تعقيم أرجاء المنتجعات بصورة دائمة وتنظيم مناوبات العاملين في المنتجعات وعدم الاكتظاظ، مع المحافظة على المسافات الآمنة بين الاشخاص. وكان يمكن لهذه الإجراءات ان تؤدي الأهداف المطلوبة منها في الحماية وخصوصاً أن غالبية النشاطات تجري في الهواء الطلق لا في أمكنة مقفلة يمكن أن تساهم في انتشار العدوى، لولا تفاقم الجائحة وضرورة السيطرة على انتشارها بكل الوسائل.

ولكن يبدو ان الانتظار سيطول وخصوصاً مع الاتجاه الى تمديد فترة الحجر وما يرافقها من منع تجول على مدار الساعة والتشدد في تطبيقها.

فهل يمكن القول إن لبنان سيفوّت عليه الاستفادة من موسم الثلج هذه السنة، أم أن الطبيعة ستكون كريمة وستمدد الموسم الى شهري مارس وربما أبريل علّ موجة كورونا تكون قد انحسرت واستأنف الناس حياتهم ونشاطاتهم الطبيعية؟ وفي حال عاد الناس الى حلبات التزلج هل سيمكنهم تحمل زيادة الأسعار التي فرضها الغلاء على كل خدمة أم سيكتفون بالنظر الى الثلج من بعيد واللعب المجاني في ربوعه؟

تاريخ الخبر: 2021-01-21 09:34:05
المصدر: الراي - الكويت
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 70%

آخر الأخبار حول العالم

أمن فاس يفك شفرة النصب على سائحة أجنبية

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-19 03:08:24
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 75%

إشبيلية يصدم النصيري ويتخذ قرارا غير متوقع!

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-19 03:08:39
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 71%

طقس الجمعة.. عودة أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-19 03:08:33
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 71%

الأندية المتأهلة إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-19 03:07:09
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 92%

حماة المال للعام يدخلون على خط حق تقديم شكايات الفساد

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-19 03:08:36
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 78%

خطة مانشستر للتخلص من المغربي أمرابط

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-19 03:08:21
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 75%

أوناحي وحاريث يقودان مارسيليا إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-19 03:08:27
مستوى الصحة: 71% الأهمية: 72%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية