لقاحات «كورونا».. بين الحقائق والأوهام



- بيار زلوعة يفنّد لـ «الراي» أنواعها ويكشف خفايا مناعية

و أخيراً وصلت اللقاحات المنتظَرة التي يُعوَّل عليها في القضاء على فيروس «كورونا» المستجدّ وحماية الناس من تداعياته.

عديدة هي البلدان التي بدأت حملات التلقيح لتحصين شعوبها ضد الفيروس القاتل، وتنوّعت أسماء اللقاحات ومصادرها وآلية عملها وطرق تصنيعها و كذلك تنوّعت الآراء والنظريات في شأنها.

كثير من الحقائق حول اللقاحات لا يزال مبهماً والأسئلة لا تحصى في شأن مدى فاعليتها في التحصين ضد الفيروس كما المخاوف بإزاء تاثيرها على الجسم.

وفي حين كان يفترض ان تُستقبل اللقاحات بالترحاب لكونها الحل المنتظر للتغلب على الفيروس وتداعياته، إذ ببعض الأصوات ترتفع هنا وهناك للحديث عن أعراض جانبية محتملة أو حتى مخاطر ناجمة عن إمكان دخول اللقاح الى الحمض النووي للإنسان وما يعنيه ذلك من تلاعب بالتركيبة الإنسانية وسوى ذلك من مخاوف مشروعة. فأين الحقيقة في كل هذه المزاعم وما الأمور الأساسية التي يجب معرفتها عن اللقاحات؟ ولماذا يخشى بعض الشعب اللبناني، كما فئات في شعوب أخرى اللقاح الذي وعدت به الدولة؟

«الراي» حملت كل هذه الأسئلة الى الباحث والاختصاصي في علم الوراثة البروفسور في جامعة البلمند د. بيار زلوعة للوقوف منه على الأجوبة الكفيلة برسم صورة واضحة لآلية عمل اللقاحات وتبديد كل المَخاوف في شأنها.

أسترا زينيكا تخفض إمداداتها من لقاح كورونا للاتحاد الأوروبي
تقرير: كورونا يتفشى بين أفراد الحرس الوطني الأميركي

بداية يشرح د. بيار زلوعة الأنواع الرئيسية للقاحات المتوافرة في الأسواق حالياً وآليات عملها، فيقسمها الى أربعة فئات رئيسية:

• لقاحا Pfizer و Moderna الأميركيان: يَستخدمان تقنية RNA VIRUS والتي تتلخص في أن الحمض النووي الموجود داخل الخلية بحاجة الى رسالة ليقوم بردة فعل مناعية. وهذه الرسالة تأتي الى الخلية عبر الـ RNA وتتم ترجمتها من خلال البروتين.

وفي اللقاح يستخدم البروتين الموجود على غلاف الفيروس فيتعرف إليه الجسم وينتج أجساماً مضادة قادرة على مقاومته. وقد أثبت اللقاحان فاعلية تصل الى حدود 100 في المئة في حالات الأعراض الشديدة و 95 في المئة في أعراض العدوى كافة. ويتم اعطاؤهما بجرعتين.

ولكن في حين ان فايزر بدأ يُوزَّع عالمياً فإن لقاح موديرنا ما زال استعماله محصوراً بالولايات المتحدة نظراً الى بعض البطء في إنتاجه.

المخاوف:

لدحض المخاوف المتعلقة بتأثير اللقاح على الحمض النووي أو الـ DNA يجب التأكيد ان الـ RNA لا يبقى داخل الخلية إلا لساعات محددة وبعد 24 ساعة يختفي منها دون أن يحدث أي تغيير في الحمض النووي.

لقد حصل لقاح فايزر على موافقة منظمة الصحة العالمية وبدأ استخدامه عالمياً لكن الإشكالية المطروحة في شأنه هي ضرورة حفظه في درجة حرارة توازي 70oدرجة تحت الصفر وهذا ما يثير مخاوف اللبنانيين لا سيما في ظل الانقطاع المتواصل للكهرباء في بلادهم. لكن د. زلوعة يؤكد «أن طريقة حفظ اللقاح تدحض هذه المخاوف لأنه يأتي ضمن علب تضم الواحدة 5000 عبوة يمكن حفظها لمدة 35 يوماً واستخدام الثلج الجاف المتوافر بسهولة لإبقائها على درجة الحرارة المطلوبة. ويمكن حفظها في الثلاجة العادية في الأيام الخمس الأخيرة قبل الاستعمال».

لا تُعتبر تقنية RNAجديدة كلياً، إذ يتم العمل عليها منذ التسعينات من القرن الماضي. ويقول د. زلوعا: «لقد عملت عليها بنفسي منذ العام 1990 وهي لا تُستخدم فقط في مجال الأمراض الجرثومية بل حتى لعلاج السرطانات لأنها تتيح لنا إرسال الرسالة المطلوبة الى الخلية لجعلها تقوم برد الفعل المطلوب».



• لقاح Synopharm الذي تنتجه شركة تابعة للدولة الصينية. لا يزال تحت التجارب لكن القيّمين على دراسته وجدوا أنه فعال بنسبة عالية ولذا بدأ استعماله في بلدان عديدة مثل الإمارات، مصر و الأردن ولا سيما أن هذه البلدان قد شاركت الصين في المرحلة الثالثة من التجارب.

آلية عمل هذا اللقاح تقليدية تقوم على تعريض الفيروس لمواد كيميائية لقتله وبعدها يتم إدخاله الى الجسم الذي يتعرف إليه لأن بروتيناته لا تزال حية ويقوم بإنتاج أجسام مضادة له.

المخاوف يجب التأكيد هنا أن دخوله الى الجسم لا يؤدي الى حدوث أعراض عدوى ولا يتسبب مطلقاً في تكاثره داخل الجسم. وقد صرحت الدولة الصينية بنسبة نجاح ما بين 70 و 85 في المئة للعوارض الخفيفة ونسبة أعلى للعوارض القوية، ويعطى بجرعتين.

لقاح Sinovac الصيني: لم يظهر فاعليته وقد استخدم في البرازيل ولم يُعمَّم على دول أخرى.

• لقاح AstraZeneca: وتنتجه الشركة بالتعاون مع جامعة أوكسفورد وقد بدأ استخدامه في انكلترا. وهو لقاح يعتمد على الطريقة التقليدية للقاحات عامة اي ما يعرف باسم Vector Based Vaccine - حيث يتم أخذ جزء من فيروس الأنفلونزا البسيطة أو ما يعرف بفيروسات Adenovirus ويوضع معه جزء من فيروس كوفيد-19 ليتعرف عليه الجسم ويحدث ردة فعل مناعية. وهذه الآلية مستخدمة في العديد من أنواع اللقاحات المختلفة.

المخاوف:

هذا الفيروس يدخل الى الخلية مرة واحدة ولا يتكاثر فيها. وحين تم إعطاؤه بجرعتبن كاملتين ظهرت بعض المشاكل وأعطى نتيجة لا تتجاوز 70 في المئة، أما بإعطاء نصف جرعة بداية ثم جرعة كاملة بعد حين فقد وصلت النتائج الى نحو 90 في المئة.

• لقاح Johnson & Johnson يتم العمل عليه وهو شبيه شركة استرازينيكا لكنه يشهد بعض التأخير في إنتاجه.

الأعراض الجانبية للقاحات

بعد إعطاء ما يقارب 50 مليون لقاح فايزر لم تَظهر إلا أعراض جانبية خفيفة عند عدد قليل من الأشخاص لا سيما عند من يعاني أصلاً من حساسية شديدة تجاه عناصر ما. وهنا ينصح بأن يتناول هذا الشخص اللقاح في المستشفى لتتم معالجته بشكل سريع إذا ابدى أية ردة فعل تحسسية. ويقال، لكن لا شيء مؤكداً، أن بعض الحالات من كبار السن أبدوا ردة فعل قوية تجاه اللقاح وأنه حدثت حالات وفاة بعد تلقيه. لكن هذه المعلومات غير مؤكدة أو دقيقة. وسجلت حالة وفاة مؤكدة لطبيب في 57 من عمره حصل لديه مرض نادر جداً في الدم وتوفي بعد اللقاح لكن لم يتأكد إذا كان اللقاح هو المسبب المباشر للمرض.

لكن ما يجب التأكيد عليه أن نسبة الأعراض الجانبية تكاد لا تذكر قياساً لمنافع اللقاح الذي سيؤدي مع استمرار اعتماد إجراءات الوقاية مثل التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة للوصول الى مناعة مجتمعية. هذه المناعة التي تختلف نسبتها بين مجتمع وآخر ولكنها حتماً يجب ان تتخطى 40 في المئة لتصل الى نسبة ما بين 50 الى 80 في المئة من الشعب حتى يكون المجتمع محصناً فعلاً. ولذا كل بلد أو مجتمع عليه ان يقيس نسبة التلقيح التي يجب ان يعتمدها للوصول الى مناعة القطيع تبعاً لعوامل عديدة منها عمر السكان وعدد الإصابات وعدد الأطفال و غيرها...

هؤلاء يجب ان يتلقوا اللقاح

توصي منظمة الصحة العالمية بأن يتم تلقيح كل مَن تجاوز 55 من عمره ولا سيما مَن يعاني بين هذه الفئة من أمراض مزمنة مختلفة، ومن المستحب أن يتلقح ايضاً كل من تجاوز الـ 40 من العمر، وقبل هذا العمر يكون التلقيح اختيارياً. أما العاملون في القطاع الصحي على اختلاف وظائفهم فيشكلون أولوية في تلقي التلقيح وكذلك الكبار في السن اي ما فوق 70 الى 75 عاماً.

وحين نسأل د. زلوعة هل يحمي اللقاح من كل سلالات كوفيد؟

لقد تبيّن بعد الدراسات التي أُجْريت على اللقاحات أنها تحمي من عدة سلالات من فيروس كورونا وبينها السلالة البريطانية التي انتشرت أخيراًً (وهي سريعة الانتشار لكنها ليست أكثر خطراً من السلالة الأساسية)، إلا إن سلالة واحدة ظهرت في افريقيا الجنوبية وتُعرف باسم 501Y تبيّن أنها مُقاوِمة للأجسام المضادة التي يفرزها الجسم إثر اللقاح وهو ما يعرف باسم ANTI-GENIC SHIFT.

ولكن عموماً ليست الأجسام المضادة وحدها هي التي تقاوم الفيروس في الجسم بل ثمة ما يعرف ب TCells وهي خلايا تساعد في عملية المناعة، ومن هنا يمكن القول إنه حتى في حال تهرب الفيروس من الأجسام المضادة فإن خلايا أخرى تقوم بمقاومته ولذا يُعتقد ان اللقاحات تحمي من غالبية أنواع السلالات الحالية.

ولكن إذا ظهرت سلالة متحوّرة جديدة بعد عدة أشهر، فلا يمكننا التأكد أنها لن تهرب من اللقاح وتحتاج حينها الى لقاح آخر.

وما دام كوفيد-19 لا يزال متفلتاً وسريع الانتشار فقد يتطوّر «على ذوقه»، ولا يمكننا الجزم بما سيؤول إليه.

ومتى يبدأ اللقاح بإعطاء مفعوله بغد تلقيه؟

يحتاج اللقاح ما بين 10 الى 14 يوماً بعد الجرعة الأولى حتى يعطي مفعوله، ولكن لا تصبح المناعة كاملة إلا بعد الجرعة الثانية التي يتم أخذها بعد 21 يوماً من الأولى. وخلال الأيام الـ 14التي تلي اللقاح يمكن للشخص ان يصاب بالفيروس ولكن تكون أعراضه خفيفة.

ونبادر د. زلوعة: هل تعادل المناعة الذاتية المكتسبة بعد الإصابة مناعة اللقاح؟

المناعة الذاتية التي يكتسبها الشخص الذي أصيب بـ كوفيد- 19 حيث تكوّنت في جسمه أجسام مضادة، توازي مناعة اللقاح وقد تدوم لعدة أشهر.

وحالياً لا نعرف بشكل مؤكد كم تدوم فترة المناعة التي يؤمنها اللقاح.

ولذا يُنصح لكل شخص مصاب ألا يأخذ اللقاح حالياً ويترك الدور لسواه لأن المناعة التي تكوّنت عنده تكفيه لبضعة أشهر، على أن يأخذ اللقاح بعد هذه الفترة.

وحين نقول له: هل يمكن لشخص مصاب ان يتلقى اللقاح؟

لا يشكل اللقاح اي ضرر لشخص مصاب بـ كوفيد -19 ولا يساهم في تفاقم حالته.

وهل يمكن لشخص أن يصاب بالعدوى مرتين؟

حالات العدوى الثانية قليلة جداً لا بل نادرة.

وبحسب رأي العلم، فإن الشخص الذي يتخطى الفيروس من شبه المستحيل أن يصاب به ذاته مرة جديدة.

قد تحدث العدوى الثانية في حال وجود أعراض مزمنة chronic infections أي أن المريض لم يشف تماماً وما زال يعاني أعراض العدوى رغم كون فحص الـ PCR سلبياً وهذه الأعراض تعني ان الفيروس يهرب من المناعة وما زال موجوداً رغم عدم تقفي أثره ويمكن أن يعود إلى الظهور.

إنما بشكل عام 99،9 في المئة من المصابين لن يصابوا مرة أخرى.

وفي أي مرحلة من المرض يكون المصاب أكثر تسببا بالعدوى لسواه؟

في المرحلة التي تسبق ظهور العوارض المرَضيةpre-symptomatic يكون المصاب أشد عدوى لسواه بثلاث مرات من مصاب آخر ليست لديه أي عوارض asymptomatic.

ومن هنا يمكن يشكل هؤلاء الذين لا يعرفون أنهم مصابون بداية ولا يشعرون بعوارض خطراً على سواهم اكثر بكثير ممن عرفوا انهم مصابين ولا يشعرون بأي عوارض مطلقاً.

وهل يجب إجراء اختبار للأجسام المضادة بعد التعافي من كوفيد-19؟

لا يضر بالطبع إجراء هذا الفحص ولكن لا يمكن الاتكال عليه. ونسبة الأجسام المضادة تعتمد على نوع الفحص الذي تم إجراؤه والذي يجب أن يتم بعد أسبوعين إلى 3 اسابيع من التعافي.

وكلما كانت نسبة الأجسام المضادة التي تم إيجادها في الجسم مرتفعة كلما كانت المناعة المكتسبة عالية. ويربط البعض أحياناً ارتفاع هذه النسبة بوجود أعراض قوية عند الإصابة. ولكنه هذا ليس أمراً مؤكداً تماماً.

وما العلاقة بين كمية الحِمْل الفيروسي وحدة الأعراض؟

كلما كان الحِمْل الفيروسي الذي تعرّض له المريض عالياً كلما كانت الأعراض أقوى، وهذا ما تمت ملاحظته في بداية الجائحة عند أفراد الجسم الطبي والتمريضي.

لبنان واللقحات

يؤكد زلوعة ان لبنان لم يصل بعد الى مناعة القطيع التي يحكى عنها وما زال بعيداً جداً عنها ولا يمكن أن تَحدث إلا بعد تلقي أكبر عدد من شعبه اللقاحات.

لذا من الأهمية بمكان المسارعة الى البدء بعملية التلقيح التي بحسب كل الدراسات يجب ان تشمل نحو مليون شخص بين لبنانيين ولاجئين.

ويقول إن في لبنان عدد الأشخاص الذين يفوق عمرهم الـ 55 بين اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين والسوريين هو نحو مليون نسمة، لأن الشعب اللبناني يُعتبر فتياً كما في العديد من الدول العربية، ولذلك فإن عملية التلقيح سهلة نسبياً سواء بالنسبة إلى عدد اللقاحات أو الى استراتيجية التلقيح. ويمكن البدء بالمستشفيات ودور العجزة والصليب الأحمر وبعدها الى كل الفئات المحتاجة الى تلقيح.

ولو لم يكن لبنان شعباً فتياً، يؤكد زلوعة، لكنا شهدنا «مجازر» او ارتفاعاً كبيراً في عدد الوفيات أسوأ بكثير من السيناريو الإيطالي «واليوم وفي ظل الانتشار الكبير للجائحة في لبنان لم يعد ممكناً التأخير أكثر في البدء في عملية التلقيح مهما كان نوع اللقاح».

تاريخ الخبر: 2021-01-23 12:34:03
المصدر: الراي - الكويت
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 69%

آخر الأخبار حول العالم

حموشي يتباحث بالدوحة مع مدير جهاز “أمن الدولة” القطري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-23 12:25:47
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 67%

حموشي يتباحث بالدوحة مع مدير جهاز “أمن الدولة” القطري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-23 12:25:38
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية