قطاع الدواء اللبناني .. انفلات لجام السوق السوداء مع مسارعة التخزين وشح الدولار


من صيدلية إلى أخرى، يجول عباس بحثا عن الأسبيرين، بينما تحاول نادين عبثا إيجاد حليب لطفلتها. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، يسأل كثر عن سبل تأمين أدوية كوفيد - 19 في لبنان، الغارق في أسوأ أزماته الاقتصادية.
وانتعشت منذ نهاية العام سوق سوداء وصل فيها سعر بعض الأدوية إلى معدلات خيالية. وأدى ذلك - وفق ما يشرح عاملون في القطاع الصحي - إلى أزمة غير مسبوقة، باتت معها أدوية تستخدم في علاج فيروس كورونا غير متوافرة إلا بكميات قليلة، حتى في المستشفيات.
وانقطعت كذلك أجهزة الأكسجين التي تستخدم في المنازل بسبب تهافت الناس على تخزينها، ما حرم مرضى من الاستفادة منها، وانتشرت في الأسواق - وفق نقابة مستوردي المستلزمات الطبية - أجهزة مزيفة مجهولة المصدر بمبالغ خيالية.
ووفقا لـ"الفرنسية"، يقول عباس سليمان "37 عاما" فور خروجه مسرعا من إحدى أكبر الصيدليات في بيروت، "سألت عن دواءين.. ولم أجدهما"، موضحا أنه ما من حل أمامه سوى اللجوء إلى السوق السوداء على أمل العثور عليهما. ويضيف ساخرا "حتى شامبو الاستحمام لم أجده. الدولة تتجه إلى النهاية".
وتشهد البلاد منذ أشهر، على وقع الانهيار الاقتصادي والمالي المتمادي، نقصا كبيرا في الأدوية المستوردة بأغلبيتها من الخارج، سواء تلك التي تستخدم لعلاج مرضى كوفيد - 19 أو الأمراض المزمنة وصولا إلى مسكنات الألم العادية وحتى الفيتامينات.
إلا أنه خلال الأسابيع الأخيرة ومع ارتفاع عداد الإصابات بفيروس كورونا، ظهرت طوابير انتظار طويلة أمام الصيدليات.
وفي كل مرة تستضيف محطة تلفزيونية طبيبا أو تنتشر تقارير عن إمكانية استخدام دواء ما في علاج كوفيد - 19، يتهافت الناس على شرائه حتى لو لم يكونوا مصابين، وهو ما حدث أخيرا مع دواء ايفرمكتين، المضاد للطفيليات. وزعمت تقارير أن الدواء، الذي لم يكن لبنان يستورده أساسا، أنه علاج محتمل للفيروس، رغم تأكيد أعلى المراجع الطبية العالمية عدم وجود أدلة كافية للترويج له كعلاج.
وأدى التهافت - وفق ما يوضح كريم جبارة نقيب مستوردي الأدوية - إلى بروز سوق سوداء لم يتمكن أحد من لجمها، بعدما تمكنت جهات غير رسمية من استقدامه من الخارج.
ويوضح أن سعر بيعه في السوق السوداء وصل إلى 300 ألف ليرة، أي ما يعادل 35 دولارا وفق سعر الصرف غير الرسمي، فيما تباع العلبة حاليا، بعدما استورده أحد الوكلاء إثر نيله موافقة وزارة الصحة بنحو ثمانية آلاف ليرة.
وسلمت شركتان، إحداهما محلية، تنتجان نوعين من الأسبيرين، الأسواق أكثر من 500 ألف علبة خلال شهر كانون الثاني (يناير)، فيما حجم الطلب الطبيعي خلال عام 2020 كان مائتي ألف. ورغم ذلك، فالدواء ليس متوافرا حاليا".
ويعمل مستوردو الأدوية حاليا - بناء على تعليمات وزارة الصحة - على تسليم الصيدليات كميات محددة للحد من عمليات التخزين في المنازل ومن عمليات التهريب، خصوصا بعد توقيف مسافرين في مطار بيروت بحوزتهم كميات من الأدوية، والعثور على أحد الأدوية المدعومة يباع في الكونغو.
ويشرح جبارة "ثمة حالة هلع تغذي نفسها، لدينا تخزين في المنازل، وتهريب لا نعرف حجمه، خصوصا عبر المطار إلى دول إفريقية، إضافة إلى تأخير في التحويلات المالية إلى الخارج من مصرف لبنان".
وازدهر التهريب بشكل رئيس - وفق جبارة - جراء محافظة الأدوية على سعرها المدعوم، وهو ما جعل الدعم يذهب إلى غير مستحقيه.
أما فيما يتعلق بالتحويلات المالية إلى الخارج، فيوضح جبارة "إذا لم يتسلم مصنّع الدواء في الخارج مستحقاته في موعدها، فلن يسلم الدواء، وبالتالي سيؤخر إرسال الشحنة إلى لبنان".
ويواجه مصرف لبنان - مع نفاد احتياطيه من الدولار تدريجيا - ضغوطا متزايدة لتأمين الحاجيات الأساسية المدعومة منه وعلى رأسها الدواء. وأسهم تداول أنباء عن توجه لإزالة الدعم في رفع الطلب خشية من انقطاع الدواء أو ارتفاع ثمنه، على وقع تدهور سعر الليرة التي فقدت أكثر من 80 في المائة من قيمتها.
وفي صيدلية مازن في كورنيش المزرعة في بيروت، يستمع أحد الموظفين إلى طلبات الزبائن، ويحمل بعضهم وصفات طبية. ويكرر بين الحين والآخر عبارة "الدواء غير موجود" أو "مقطوع". ويغادر الزبائن الخائبون مع وجوم يخيم على ملامح وجوههم.
يوضح الصيدلاني مازن البساط، وهو مالك الصيدلية، أسبابا عدة خلف ازدياد الطلب، خصوصا على الأدوية والمستلزمات المتعلقة بكوفيد - 19، أبرزها أن "خوف الناس من انقطاع الدواء يدفعهم إلى التخزين في منازلهم لشهر وربما ستة أشهر، كل حسب قدرته، يضاف ذلك إلى شح في الدواء وتوقف الوكلاء عن تسليم الصيدليات الكميات التي تطلبها".
ويعطي مثالا بدواء مسكن للألم، يستخدمه اللبنانيون بكثرة من دون وصفة طبية. ويقول "يسلموننا 300 علبة فقط.. نعرض يوميا عشر علب منها لنتمكن من الصمود حتى نهاية الشهر، لأننا إذا عرضنا الكمية كلها فستنفد في غضون يومين أو ثلاثة".
وفي محاولة لتنظيم الطلب، أوصت وزارة الصحة بعدم بيع بعض الأدوية إلا بموجب وصفة طبية. وباتت صيدليات كثيرة تطلب الاحتفاظ بالوصفة خصوصا للأدوية الباهظة الثمن أو غير المتوافرة بكثرة، لضمان تأمين احتياجات عدد أكبر من المرضى.
بعد جولة على عدد من الصيدليات في بيروت وضواحيها، لم تعثر نادين "36 عاما" على حليب لطفلتها، رغم إعلان وزارة الاقتصاد تسطير محضر ضبط نهاية الشهر الماضي بحق مستورد، احتفظ بكميات كبيرة في مخزنه في انتظار ارتفاع الأسعار.
وتقول "باتوا يتاجرون بحليب الأطفال.. يمكن استبدال المسكن بدواء آخر، لكن الحليب أمر أساسي يحتاج إليه الطفل، ولا بديل عنه".
تاريخ الخبر: 2021-02-08 22:23:29
المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية
التصنيف: إقتصاد
مستوى الصحة: 41%
الأهمية: 37%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية