في عام 1982، وبعد تخرجي من الثانوية العامة قررت أن أبدأ حياتي المهنية من خلال التقدم للعمل كمشغل حقل (مصفاة) في شركة البترول الكويتية الوطنية.

وبعد اجتيازي للمقابلة الشخصية تم قبولي للانخراط في دورة تدريبية مدتها 12 شهراً، نصفها نظري في مركز التدريب البترولي التابع لمصفاة ميناء عبدالله، إذ درسنا المواد العلمية واللغة الإنكليزية وتكنولوجيا التكرير، وكنا نزور المصافي للتعرف عن قرب على الوحدات والمعدات والأجواء.

وفي الجزء العملي، تم توزيعنا على المصافي للتدريب من خلال العمل وبنظام النوبات، ومن يلتزم ويجتاز المرحلتين يتم تثبيته في الشركة كمشغل حقل (مصفاة) رسمياً.

ويعتبر العمل في المصفاة كمشغل حقل من أصعب الوظائف وأخطرها، ويعد نظام العمل الذي يتبع 3 النوبات فيها مرهقاً جسدياً واجتماعياً ونفسياً، ويتطلب نوعية خاصة من العمالة.

ولك أن تتخيل حجم المشقة على العامل وعائلته من الناحية الاجتماعية، عندما لا يلتقي مع زوجته وأبنائه وعائلته لساعات طويلة بسبب نظام النوبات، ولا يستطيع الالتزام بالمناسبات الاجتماعية مثل الأعياد ورمضان، وبدون تخفيض لساعات العمل ووسط إزعاج المعدات وتحيط فيها الغازات السامة المميتة مثل كبريتيد الهيدروجين، ووسط معدات تصل فيها الحرارة بداخلها إلى 500 درجة سيليزية، مع ضغوط قد تفوق 150 باراً، وعليه أن يعمل في أماكن شاهقة تفوق بارتفاعها 70 متراً.

ولأهمية هذه الوظيفة دأبت «البترول» على تطوير البرنامج لتأهيل مشغلي الحقل، وتوجته سابقاً بتنظيم تخصص تكنولوجيا تشغيل المصافي من خلال كلية الدراسات التكنولوجية، إذ تقوم الشركة برعاية البرنامج ويحصل من يجتاز البرنامج الأكاديمي والميداني على شهادة دبلوم تكنولوجيا تشغيل المصافي.

وعلى الرغم من التطور الأكاديمي الهائل، إلا أنني أرى من تجاربي السابقة أنه يجب تدعيم البرنامج من الناحية العملية ليستمر القلب النابض للمصفاة بالعمل بكفاءة.

وأقترح أن يتخلل برنامج الدبلوم بعض المحاضرات لشرح عمل وواجبات مشغلي الحقل من المختصين بالشركة، من فنيين ومهندسين ومشاركتهم الطلبة ببعض تجاربهم الشخصية لربط التحصيل الأكاديمي النظري بالميداني الحقيقي.

ويأتي ذلك لأنه لا يمكن للطالب أن يتخيل حجم المعاناة وضخامة المسؤولية، إلى أن يراها بنفسه أو يستقيها من الذين سبقوه، والأهم من ذلك كله هو عدم قبول المتقدمين للشركة بعد حصولهم على الدبلوم، إلا بعد اجتياز برنامج ميداني في المصافي، وتوزيعهم من بعدها للعمل بالمصافي بنظام النوبات لمدة لا تقل عن 6 أشهر، لضمان انتقاء الأفضل بعد التعايش بجدية مع الوضع الشاق ونظام العمل والأجواء مقارنة بالفصل.

وأخيرا فإنني شاهد على كفاءة وتميز وتفاني وصمود العنصر الوطني الكويتي من مشغلي الحقل في هذه المهنة الشاقة على مر السنين وخلال أزمة فيروس كورونا المستجد، فلهم مني جزيل الشكر والثناء.

* نائب الرئيس التنفيذي السابق لشركه البترول الكويتية العالمية (KPI)