المغربي الأكثر دفاعا عن “الكيف”..هاجم البصري وحاول التواصل مع الملك (حوار)


من كان يتوقع أن حزب العدالة والتنمية الذي كان يعارض بشدة تشريع استعمالات نبتة “الكيف” ويتهم معارضيه بالاستفادة من تجارته، أنه اليوم برئاسة سعد الدين العثماني سيُناقش مشروع قانون يتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، وعودة هذا الملف إلى سطح النقاش العمومي المتحرك هذه الأيام، دفعنا للعودة إلى أرشيف أسبوعية “الأيام” ونشر حوارنا مع عبد اللطيف أظبيب الذي يمثل مزارعي هذه النبتة في العالم.

 

عندما نُشر هذا الحوار كان عبد اللطيف اضبيب في طريقه للأمم المتحدة، ليلقي كلمة باسم فلاحي  القنب الهندي في العالم بمناسبة انعقاد الدورة الاستثنائية المعنية بسياسة المخدرات.

 

وربما ما قاله رئيس رؤساء جمعيات صنهاجة السراير في قلب نيويورك عن زراعة الكيف بالمغرب، ومن داخل الأمم المتحدة، لن يكون أكثر أهمية مما ستقرؤونه في هذا الحوار المثير حول القنب الهندي وزراعة الكيف بالشمال.

 

إليكم الجزء الأول من الحوار…

 

 أطلقت تصريحات مثيرة تفيد بأنه يتم ابتزاز الساكنة لكي تخرج لاستقبال الملك عنوة في بعض مناطق الشمال، ومنها الحسيمة؟

> هذا الكلام لم أقله أنا، وهو غير صحيح، فمنطقتنا معروفة بولائها للملكية، وهذه هي الحقيقة، وعندما يحل الملك بإقليم الحسيمة، نحن أبناء قبيلة صنهاجة نتطوع ونخرج حبا في استقبال الملك، ونقوم بكراء سيارات النقل المزدوج، ونذهب للقائه على أساس أن نستقبله، ونذهب إليه طواعية لأن “العرش الملكي عندنا عزيز”.

 ولكن قلت إن الساكنة يتم تهديدها بالمتابعة من أجل أن تخرج للقاء الملك؟

> مشكل الفلاحين أنهم صغار، يعيشون على محصول لا يتعدى في بعض الأحيان 3 ملايين سنتيم، وما يقع أن هؤلاء يتم ابتزازهم من طرف بعض سماسرة تجارة الكيف، الذين قد يكونون من المجالس المنتخبة، وحتى في الأحزاب، ويقولون للفلاحين الصغار “إذا لم تصوت على هذا الحزب أو ذاك، فلن أشتري من عندك الغلة”، ويبقى الفلاح رهين هذه العشبة، والآن أظن أن هذا الأمر تراجع، وفي العهد الجديد تغيرت الكثير من الأشياء، ولكن التغيير شمل للأسف السطح، أما في العمق فالأزمة استفحلت أكثر فأكثر، والبطالة استفحلت، وتراجع الاقتصاد، والمشاكل تعددت، وهذا الذي أقول لك يمكن مشاهدته بالعين المجردة.

 قبل أن نواصل هذا الحوار هل لك أن تعرف نفسك للقراء؟

> أنا عبد اللطيف اظبيب، ابن الحاج حمادي اظبيب، رجل من كبار المقاومين المغاربة أيام المستعمر، والبيت الذي ازددت به كان مقراً لجيش التحرير والمقاومة، وهناك كان يقطن المقاوم حسن اليعقوبي متزعم الفرقة الثالثة، وهو المندوب السامي لجيش التحرير والمقاومة عند انطلاقتها الأولى، وعبد القادر ناذر بوزار، الذي هو من كبار المقاومين، أصله جزائري، وأحمد جندار وحتى المرحوم الدكتور عبد الكريم الخطيب لما هرب من مدينة تطوان ووالدي هو الذي أتى به وبقي معنا في البيت، حيث كان والدي يعمل نائب اتصال منطقة الشمال والأطلس في المقاومة، وهرب ساعتها في بداية المعارك الأولى للمقاومة من تطوان إلى الجبل، في إطار ما كان يسمى بالفرقة الثالثة في جيش التحرير التي كان مقرها بمنزل الحاج حمادي أظبيب بمنطقة صنهاجة.

إذن أنا لست شخصا لا تاريخ له، بل أنتمي لبيت كان مقرا للمقاومة، وهناك كنا نستقبل المقاومين الفارين من المستعمر وخصوصا من الجنوب، ووالدي هو الذي كان يحمل السلاح إلى الجبل ويوصله حتى الحدود، ولذلك فأنا تربيت في بيئة مقاومة.

ازددت في سنة 1954، في دوار ما يعرف بـ”فرت أكوت” في جماعة ايساغن بمنطقة صنهاجة السراير التي تتواجد بالريف الأوسط الأعلى والتي تشمل مجموعة من القبائل، ونحن ننتمي لقبيلة ايت سدات من مجموعة صنهاجة السراير، وهذه المنطقة كان الكيف يتواجد بها منذ قرون، وله تاريخ.

نحن للإشارة ننتسب للمرابطين، بحكم أننا صنهاجة، وتاريخهم معروف، بقينا في تلك المنطقة نتحدث باللهجة الأمازيغية الصنهاجية، التي كان يتكلم بها يوسف بن تاشفين، نعيش جنبا الى جنب مع إخواننا زناتة، وفي الجهة الغربية إخواننا غمارة مصمودة، وهي كلها مناطق لها تاريخ يمتد لأيام المقاومة التي كان يتزعمها المناضل الكبير عبد الكريم الخطابي رحمه الله، وفي نفس الوقت كانت قبائلنا كلها مجموعة حوله، والجميع قدم تضحيات كبيرة، وجاءت المرحلة الثانية مع الملك الراحل محمد الخامس، لما تم نفيه، وقبيلتنا قاومت ساعتها هذا الأمر.

منذ نعومة أظافري، كان يزرع الكيف بالمنطقة، وأهل منطقتنا هناك كانوا فلاحين كبارا، ولهم ثقافة عالية جدا في جميع الميادين، ويعتمدون على ذاتهم دائما.

 أين كان يزرع الكيف بالتحديد في هذه الفترة؟

> الكيف كان يزرع في ثلاث قبائل بالتحديد، والتي تكون قبائل صنهاجة، وهي قبيلة أيت سدات، وإيكوتامن، أي “كتامة”، والربع من قبيلة غمارة والتي هي “بني خالد”.

فأيت سدات وكتامة باعتبارهما فرعين من منطقة صنهاجة السراير، وجزء من قبيلة بني خالد بغمارة بمنطقة باب برد، وسكان هذه المناطق هم الذين كانوا يزرعون الكيف منذ التاريخ القديم، ومرخص لهم بظهير، الحسن الأول، ولما استولى الإسبانيون على مناطق الشمال، رخصوا للناس بزراعة الكيف، بل إن فلاحي المناطق التاريخية كانوا يؤدون الضرائب، ومنها ضريبة تسمى “الترتيب” على الكيف الذي كانوا يبيعونه في الأسواق، كانت استعمالاته تنحصر فقط في “السبسي”، لم يكن ما يسمى بالحشيش، ولم نعرف هذه الظاهرة، وحتى أبناء المنطقة التاريخية في القبائل التي ذكرت لك لم يكونوا يدخنون السجائر أو حتى الكيف، والفنانون هم الذين كانوا يدخنون، وأعني بهم “الغياطة” الذين كانوا ينتشون بتدخين “السبسي”، من باب الترفيه، وأبناء الطبقة البورجوازية في فاس الذين كانوا يستعملون الكيف في “معجون” و”يتنغمو مع روسهم”.. (ضاحكا).

أما فلاحو المناطق التاريخية فكانوا أناسا عاديين، ولا يدخنون، جلهم كان معنيا فقط بالمقاومة والتحرير.

 ما هي استعمالات الكيف في هذه الفترة من غير تدخينه؟

> هذا الأمر يحيلنا على أمر مهم يعود بنا إلى ما قبل الثورة الصناعية، فالكيف كنبتة طبيعية موجود في كل بقعة من بقاع العالم، وكل دولة تسميه باسم معين، من قبيل “البيس” و”ماريوانا”، ونحن بالمغرب نسيمه الكيف، وهي نبتة موجودة من عهد سيدنا نوح عليه السلام، كنبتة طبيعية لها فوائد جمة على الإنسانية، لأنها كانت تعتبر إلى حدود الثورة الصناعية، “بترول الإنسانية”، والمعروف أن جميع البواخر التي كانت تجول محيطات العالم، في تلك الفترة من الزمن، لم تكن تتحرك بالبترول، حيث كانت تتحرك بالريح، وكانوا يحتاجون للقلاع الشراعية، وكلها كانت مصنوعة من القنب الهندي، وجميع أحبال السفن كانت هي الأخرى تصنع من هذا القنب الهندي الذي في أصله هو نبتة الكيف الطبيعية، كما كانت تستعمل للمواد الطبية، ويتم مزجها ببعض الزيوت كزيت الزيتون وأركان، والتي كانت تستعمل لبعض أمراض المعدة والجهاز الهضمي، وتستعمل لأمراض الجلد، ولصناعة الورق، ولحد الآن أحسن ورق هو المستخرج من نبتة القنب الهندي، فمثلا وثيقة إعلان استقلال أمريكا كتبت على ورق مصنوع من القنب الهندي، و”إنجيل كوتنبر” مكتوب على القنب الهندي، وجميع الوثاق القديمة كانت تكتب عليه.

ولكن من حارب هذه النبتة؟ مباشرة بعد ظهور الثورة الصناعية، ظهرت بواخر تتحرك بالبخار والبترول في ما بعد، عندها بدأت محاربة هذه النبتة، ومالكي الشركات المتعددة الجنسيات لفائدة أصحاب البترول، وأصبح البترول نواة لصناعة البلاستيك، وتم استخراج كل ما يستعمل وما يباع، وتمت محاربة هذه النبتة الطبيعية التي كانت استعمالاتها وكذا منتوجها أفضل بكثير.

فمن الناحية المنفعية هذه النبتة رحمة وليست نقمة، لو عرف الناس كيف يستعملونها.

 ولكن بالنسبة للمغرب هل كان يستعملها لهذه الأغراض التي تحدثت عنها؟

> بالنسبة  لنا بقيت هذه النبتة الطبيعية تزرع في المغرب، وبدأت تتراجع شيئا فشيئا، وأخذت هذه النبتة في الانقراض، لأنه بعد خروج المسلمين من الأندلس فقدوا تلك المعرفة التقنية والعلمية، وانشغلوا بالدفاع عن أراضيهم وتأمين قوت يومهم، ولكن استمرت هذه الاستعمالات في منطقتنا.

أنا مثلا اسمي أظبيب، وهذا الاسم أمازيغي، ومعناه الطبيب، وجدي كان طبيبا ويستعمل هذه النبتة لأغراض طبية، وكانت لديه دراية بها ويستخرج منها زيوتا يداوي بها العديد من الأمراض، ومنها أمراض الشعر والأمراض الداخلية، ولكن عندما توفي انقرضت هذه المعرفة، فالتقنيات كانت موجودة، إلا أنه مع الأسف الشديد المغرب مر بمرحلة صعبة، منها الاستعمار، فالجميع كان شغله الشاغل الحفاظ على الوطن، وعلى حياتهم، ولكن عندما تم الاستقلال، جاء عندنا المرحوم محمد الخامس، والمرحوم الحسن الثاني والمرحوم بن بركة، لإقليم الحسمية وبالضبط بجماعة ايساكن بقبيلة أيت سدات، وتفقدوا حال الساكنة وشكروها على المجهود الجبار الذي بذلته، عند تدشين طريق الوحدة الذي يربط الشمال بالجنوب، والذي شارك في حفره أكثر من 11 ألف متطوع من بينهم أبناء المنطقة، بمن فيهم المرحوم الحسن الثاني الذي كان ساعتها وليا للعهد، وللإشارة هذه الطريق مازالت صامدة إلا أننا نطالب بتحويلها لطريق سيار.

في تلك اللحظة، المرحوم محمد الخامس، في نقاشه المفتوح مع أعيان المنطقة وساكنتها، أراد أن يتعرف على الوضعية، فشرحوا له الوضعية التي يعيشون فيها، وقالوا له نحن لا نملك أراضي خصبة، عندنا فقط جبال شاهقة ومنطقة وعرة جدا، ويمر علينا فصل شتاء قاس جدا ولنا كثافة سكانية جد عالية بمنطقة صنهاجة السراير، لأن السكان كانوا لا يهاجرون، ومرتبطين بالأرض ارتباطا قويا، ويتزوجون صغارا.

بعد أن استمع محمد الخامس لمعاناة الساكنة، كون لجنة وطنية، من الشركة المغربية للتبغ، ووزارة الداخلية، للوقوف على مشاكل السكان في المنطقة التاريخية التي تزرع هذه النبتة، وفعلا حلت اللجنة بالمنطقة، واتفقت مع السكان على أنه عندما يصبح منتوج الكيف جاهزا سوف تحضر السلطات، وتشتري منهم المنتوج بثمن السوق، ويقومون بحرق هذه المحاصيل، وفعلا تمت تلك العملية لسنوات ما بين 1956 إلى سنة 1961، إلى حين وفاة الراحل محمد الخامس، ولكن هذه العملية كانت مقتصرة على المنطقة التاريخية.

بعد وفاة الراحل محمد الخامس، جاء عهد آخر، وانتظرت المنطقة والساكنة أن يتم إقلاع المنطقة ببرامج تنموية، فلا شيء تحقق على أرض الواقع والسكان لم يلمسوا أي تغيير، وبقيت المنطقة على حالها.

 أنت تريد أن تقول إنه مع عهد الملك الراحل الحسن الثاني ازدادت معاناة المنطقة؟

> سأقول لك ما الذي جرى بالضبط، عندما لم يحصل أي شيء ملموس يحد من معاناة السكان هناك، ظهر ما يسمى بالحركة “الهيبية” العالمية والتي بدأ أصحابها ما بين 1963 و1964 يدخلون لمنطقة كتامة التي هي جزء من صنهاجة، حيث كانوا يقومون بزيارة المنطقة، وقاموا بنقل تقنية استخراج الحشيش من نبتة الكيف، وهم الذين أتوا بها من الخارج، ومن باكستان والهند ولبنان، وأغلب “الهيبيين” كانوا أجانب، ويستقرون لشهور بالمنطقة، وهمهم الوحيد تدخين الحشيش الذي كانوا يستخرجونه من الكيف، ويستمتعون بأغاني الهيب، فهم من كانوا يشترون من الفلاحة الكيف، وساعتها بدأت هذه الصناعة تكبر، لأن المستهلك كان في أوربا، وأقلية من المغاربة كانوا يدخنون “السبسي” أو الكيف، وأغلب المستهلكين أجانب وكانوا بالملايين، فكانوا يقصدون المغرب لتدخينها ومن أراد أن يهربها للخارج فكان يقوم بذلك، ساعتها ظهر جيل من تجار الكيف الصغار والمتوسطين والكبار، وخصوصا من الأوربيين والأمريكيين، لأنهم كانوا يستحوذون على أسواقها، والطلب كان في أوربا وأمريكا، أما بالمغرب فلم يكن إلا الفلاحون الصغار، الذين ينتجون النبتة فقط، ولا يمتلكون القدرات التقنية لتحويل النبتة إلى حشيش، وحتى الدولة أو السلطة أو الحكومات لم تهتم بهم، وتركت الأمور تستفحل وعلى حالها وتملصت منهم ولم تعد تتحمل مسؤوليتهم، ولم تفكر في برنامج تنموي ومخطط حقيقي لكي تدعم الناس هناك، أو تقوم بتكوينهم، تركتهم لحال سبيلهم، “واش الناس غادين ياكلوا لحجر، ويشربوا لهوا”، ماذا سيفعلون؟ هل يرمون بأنفسهم في البحر، فأغلب المنتجين فلاحون صغار، أصبح يأتي عندهم تجار المخدرات “البزناسة” وأغلبهم كانوا من الأجانب، كانوا يبيعون لهم كيلوغراما أو كيلوغرامين، أو حتى نصف كيلو، وهناك الفلاحون الكبار كذلك، يبيعون بكميات أكبر، وقع الرواج، ومن اغتنى فقد اغتنى، ومن دخل السجن دخل.

والمشكل الكبير الذي أتحدث عنه هو أن منطقة صنهاجة السراير، المنطقة التاريخية التي أسلفت لك، لم تستفد، نظرا للقوانين الزجرية المفروضة من الأمم المتحدة، والتي وقع عليها المغرب سنة 1961، ولابد له من تطبيقها، وإذا تم اعتقالك متلبسا بزراعة الكيف أو تبيع القنب الهندي فستتم محاكمتك، فوقع مشكل، الساكنة التي بلغت مليون نسمة بماذا سوف تضمن قوت عيشها إذا لم تقدم لها الدولة الحل، ولم تأت ببرامج تنموية؟

 أنت من الذين هاجموا ادريس البصري، وزير الداخلية القوي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، ما هو السبب في ذلك؟

> الذي جرى هو في علم كل الساكنة، سنتحدث عن فترة أواخر الستينيات والسبعينيات، كانت هناك حركة اقتصادية نشيطة بالمنطقة التاريخية التي هي كتامة وأيت سدات وباب برد، دون الحديث عن مناطق أخرى، في فترة من الفترات وقعت حملة كبيرة قام بها ادريس البصري، وجمع فيها أبناء المنطقة وزج بهم في السجو أكثر من 100 عائلة تقريباً تم اعتقالها والذهاب بها للسجن، بدون حجج، وتمت محاكمتهم بدون حجة، فقط اتهامات منقولة، قال فلان عن فلان، وكانت حملة مدبرة وظلمت فيها عائلاتنا بالمنطقة، واقتيدت للسجون.

 من كان وراء هذه الحملة المدبرة؟

> كانت هناك العديد من اللوبيات، وهذا سوف نفصح عنه في الوقت المناسب، نتوفر على ملفات بهذا الخصوص، أمي ذهبت ضحية هذه الحملة الشعواء، وتوفيت رحمها بسكتة قلبية بسبب الظلم الذي وقع على قبيلتي، وهي متأثرة بالزج بالعديد من عائلاتنا في السجون ودون حجة، والعديد من أبناء المنطقة التاريخية أصبحوا عرضة للابتزاز، وبدأت بعض العناصر المندسة في السلطة ومن جهات أخرى كنا نجهلها تقوم بالتحريض ضد الفلاحين عن طريق رسائل مجهولة وكيدية، تشي بالفلاحين ظلما وعدوانا على أنهم يتاجرون في الحشيش، ويتم التحقيق معهم بناء على ذلك، وبدأت الساكنة تشتكي من هذا الوضع في بداية الثمانينيات، والتسعينيات، ولا أحد استمع إلينا، وفعلا ابتزوا العائلات، وفعلا بقيت السجون مملوءة بأبناء المنطقة، والآلاف من العائلات هي الأخرى كانت متابعة بزراعة الكيف، عن طريق المندوبية السامية للمياه والغابات، كما تعلم ليست هناك عقود مليكة للفلاحين في منطقتنا، والملكية هناك على الشياع، ومن أراد تحفيظ أرضه أو تسجيلها، تتم متابعته من طرف هذه الجهة، بتهمة أنه تسلط على الغابة ويقوم بزراعة الكيف، ولذلك هناك عدد كبير من الفلاحين المتابعين من طرف السلطة على أساس أنهم يغرسون الكيف، والمهددون بمحاضر متابعة.

الآن المشكل أكبر، فقد تعدى المنطقة التاريخية، ليشمل مناطق أخرى.

 كيف ذلك؟

> في الثمانينيات توسعت مساحة زراعة الكيف وخصوصا في عهد البصري، وهذا التاريخ يشهد على ذلك، وادريس البصري بالنسبة لي هو الذي ساهم مباشرة في توسيع رقعة زراعة الكيف، وهو الذي كان وزيرا للداخلية، وبحسب العرف والظهير، المنطقة التاريخية المكونة من ثلاث قبائل هي التي كانت تزرع الكيف، وانتهى الأمر، ولكن بمجرد ما قام البصري بالحملة الأولى وزجوا بأبناء المنطقة في السجون و”غبروهم”، انطلاقا من هنا، عوض أن تتراجع المساحات فإنها ازدادت، وتعدت المنطقة التاريخية لتشمل منطقة غمارة بأكملها، ودخلت منطقة لخماس، ووصلت تطوان والشاون ووزان وتاونات والحسمية، والمناطق والمساحات توسعت، وحتى في هذه المناطق التي لا يعيش فيها إلا الفقراء، الذين لا يجدون ما يسدون به رمقهم، فكانت زراعة الكيف حلا مناسبا لهم، وهذا بالنسبة لتلك الفترة، أما الآن فلم يعد أحد يبيع الكيف لا المزارعون في الجبال ولا غيرهم.

 ما هي أسباب ذلك؟

> لأن أوربا بدأت تقنن هذه الزراعة، والمستهلك لم يعد مضطرا أن يشتري من الفلاح المغربي، لأن القانون يسمح لكل واحد هناك بأن يغرس النبتة في منزله، ويستهلكونه ويبيعونه هناك، والمستهلك الأجنبي لم يعد يأتي للمغرب خوفا من المتابعة أو السجن، وبالتالي هذه الزراعة سوف تنقرض لوحدها.

 ولكن لماذا انتشرت زراعة الكيف؟

> السؤال ينبغي أن يطرح على أصحاب القرار، لماذا سمحتم باتساع رقعة زراعة الكيف، والانتشار بسرعة كبيرة في مناطق أخرى.

 المعروف أن ادريس البصري كان الرجل القوي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، ماذا تريد أن تقصد باتهامك له؟

> لا يمكن أن أخلط الأمور، ما بين ما فعله البصري أو غيره، لأن الراحل الحسن الثاني لا علاقة له بالموضوع، لأننا نعرفه ملك المغرب، ونحترمه ومنطقتنا دائما شعارها: “الله، الوطن، الملك”، لأننا أبناء المقاومة ونعرف من هم الشرفاء.

 لكن المعروف عنكم العصيان للنظام، فـ”جبالة” معروفون بطبعهم الحاد؟

> لا، على العكس، منطقتنا في جبال الريف صنهاجة السراير كانت تساند الشرفاء، لماذا، لأن لنا جذورا تاريخية تمتد إلى عهد المرابطين، وأحفاد يوسف بن تاشفين، ونعرف خطورة تنازع الإخوة الأمازيغ الموحدين والمرابطين إذاً في المغرب كنا نبحث عن شخصية تقيم لنا التوازن، وهو ما كان ساعتها.

 هل الساكنة توجهت إلى الملك الحسن الثاني بعد اضطهادها من طرف البصري كما تقول؟

> طبعا كنا نتوجه للملك الحسن الثاني، وكنا نحاول أن نتواصل معه مباشرة، وكنا نشتكي من وضعيتنا، فمن كان سيسمع لنا سواه.

بعد حملة البصري التي ذهب ضحيتها المئات من أبناء المنطقة، قررنا كيف ينبغي لنا أن نواجه هذا الوضع، وندخل في إطار حوار بشكل قانوني، بعد وفاة والدتي أسسنا جمعية، أسميتها جمعية الريف الأوسط، وفي نفس الوقت، كان المرحوم الحسن الثاني قد أحدث وكالة تنمية أقاليم الشمال، التي أحدثها من أجل نقطتين أساسيتين، وهما البحث عن البدائل لزارعة الكيف، حيث كانت السوق الأوربية تضغط على المغرب ساعتها، والحد من مشكل الهجرة، وقد عين على رأسها السيد حسن العمراني رحمه الله، أنا شخصيا استشرت والدي وأعيان المنطقة، وأسسنا جمعية للحوار مع السلطة، وفعلا قمنا بالتوقيع على أول اتفاقية شراكة مع الوكالة، على أساس البحث عن البدائل والتنمية المستدامة، وإلى غير ذلك، وقمنا بأول دراسة ميدانية علمية، شاركت فيها جميع المؤسسات والوزارات المعنية بالأمر في المنطقة، وقمنا بأخذ جماعة ايساغن كنموذج، نستهدفها بمشاريع تنموية مستدامة ومضبوطة، بشراكة مع الساكنة، وبمشاركة 3 آلاف فلاح كانوا معي في الجمعية كلهم يريدون إحداث زراعات بديلة، فقمنا بغرس 18 ألف شجرة، وإنجاز مشاريع تستهدف إعادة هيكلة المنطقة، ومنها إحداث مدينة إيكولوجية جديدة بإيساغن، لكي نخلق ديناميكية، وسياحة جبلية، ونغير نمطية الساكنة، حتى تصبح على شاكلة مدينة إفران أو أحسن منها، ولكن وجدنا عدة عراقيل من طرف العديد من الجهات من المنتخبين المحليين، وبعض العناصر من السلطة، وكانوا يحرضون الساكنة ويقولون لهم “ردوا بالكم راهم غادين يحيدوا ليكم زراعة الكيف”، ويخلقون ضجة كبيرة، وكانت هناك جيوب للمقاومة تقف سدا منيعا حتى لا تعرف المنطقة تنمية حقيقية، وكانوا يريدون أن يتركوا الساكنة فقيرة ويقوموا بابتزازها، وهذه هي الحقيقة، فأقصى ما يجنيه الفلاح الصغير من أرباح الكيف لا يتعدى 5 ملايين سنتيم في السنة، وله أسرة مكونة من 10 أفراد، فهل يكفيه هذا المبلغ طوال السنة، في غياب التجهيزات الأساسية، من المستشفيات والطرق، وجلهم يشتغلون فترة لا تتعدى 6 أشهر، وما تبقى من السنة فالفلاحون الصغار في عطالة تامة، رغم أن المنطقة تضم نموا ديمغرافيا شبابيا مطردا، إلا أنها في هذه الأيام تعيش أزمة خانقة، وتحت رحمة الديون، وحتى الكيف لم يعودوا يزرعونه، لأن المنطقة التاريخية التي تقع في أعلى قمة في سلسلة جبال الريف 2465 متر على سطح البحر، وهي منطقة صعبة، لم تعد لها القدرة على منافسة مناطق أخرى تحرث بآليات متطورة تقنيا، فالآن حوالي مليون نسمة تقطن بالمنطقة معرضة للجوع والبطالة، وهذا يمثل خطرا بالإضافة للمناطق الأخرى التي إذا منعتها من زراعة الكيف سوف تنضاف إلى مجموعات أخرى، وباختصار أجهض مشروعنا من طرف السلطة والمنتخبين في ذلك الوقت، واعتبروا البرنامج التنموي خطرا على مصالحهم.

 

تاريخ الخبر: 2021-02-24 14:15:38
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 66%
الأهمية: 72%

آخر الأخبار حول العالم

الخنوس ينافس على جائزة أفضل لاعب إفريقي بالدوري البلجيكي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-25 21:25:58
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 50%

الخنوس ينافس على جائزة أفضل لاعب إفريقي بالدوري البلجيكي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-25 21:26:04
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية