الحواضن السياسية للانتقال والمصلحة في إكمال السلام «2-2»


خالد فضل

خلصنا في الجزء الأول من هذا المقال إلى النظر في شأن موقف المكون العسكري في السلطة الانتقالية الحالية من موضوع إكمال عملية السلام الشامل في البلاد، ولعل العبارة الفجة المنسوبة للفريق الكباشي عضو المجلس السيادي على قائمة العسكريين، قد كشفت عن صميم موقف مكونه، فعنده، أن د. حمدوك رئيس الوزراء لا يملك الحق في إبرام تفاهمات تفضي لإنجاز اتفاق سلام مع القائد الحلو، كما أنّ الأخير لا يستحق أن يُبرم معه هذا الإتفاق .

ننظر الآن في موقف قو إعلان الحرية والتغيير، وقد عبّر الفريق الحلو نفسه عن عتابه الشديد ونقده لهذه القوى، بسبب عجزها عن إعلان موقف محدد تجاه مقترحاته المتعلقة بطبيعة تكوين الدولة السودانية، أي الدولة العلمانية التي يتم فيها الفصل الواضح بين إدارة الدولة والمؤسسات الدينية، بحيث تصبح الدولة محايدة تماما تجاه معتقدات مواطنيها، ولا تبني سياساتها وخططها ومواردها وانفاقها، على أسس دين معيّن بزعم أنّه دين الأغلبية، وقد وعد الأستاذ إبراهيم الشيخ ممثل (ق. ح. ت) في إحتفالات توقيع سلام جوبا يومها، بأن يتم التواصل مع الحركة الشعبية شمال / الحلو وتحديد موقفها خلال إسبوع، بيد أنّ الشهور مضت، ولم تعلن هذه القوى حتى الآن عن مواقفها، ولعل حزب الأمّة يعتبر الأوضح طرحا فيما يتعلق بأطروحة الحلو حول علمانية الدولة ؛ فهو يرفض مسألة العلمانية، ويستعيض عنها بمصطلح فضفاض هو(الدولة المدنية) وقد صار حزب ال/ة الآن هو القائد الفعلي ل (ق. ح. ت) بعد انسحاب الحزب الشيوعي ؛ والذي كان ينافسه في النفوذ السياسي والخبرة الطويلة، وهما الصفتان اللتان تعوزان بقية مكونات التحالف من فصائل الإتحاديين والمجتمع المدني وتجمع المهنيين، وإن كان المؤتمر السوداني وتجمع الإتحاديين يتمتعان ببعض النفوذ خاصة في ولايات الوسط، بيد أنّ موقفهما من علمانية الدولة ليس واضحا بما يضمن دعم هذه الأطروحة، وعليه فإنّه وفي لحظة الإختيار الفعلي والإختبار العملي ربما نجد أنّ موقف (ق. ح. ت) لا يختلف كثيرا عن موقف حزب الأمّة، ويتناغم ضمنيا مع موقف المكون العسكري، فهناك حسابات الربح السياسي وسط المكونات الحزبية للتحالف، وبروز منافسين أقوياء عبر تسوية سياسية شاملة تعيد ترتيب البيت السوداني والعودة إلى طبيعته التعددية، وعودة شكل الدولة إلى ما قبل سطوة وهيمنة الآيدولوجيا الإسلاموية، ربما أفقدت حزب الأمّة تحديدا نفوذه وهو المستند على طائفة الأنصار الإسلامية، وهو كما أسلفنا الحزب المسيّر للتحالف، ورغم أنّ كثير من فصائل التحالف لديها مصالح حقيقية في انجاز السلام الشامل، وبناء الدولة العلمانية الديمقراطية، على الأقل في المدى الإستراتيجي والطويل، إلاّ أنّها لا تقوى حاليا على صد النفوذ المتزايد للحزب القائد لها الآن .

الرفاق في الجبهتين الثوريتين، شأنهما ربما كان مرتبطا بتكوين فصائلهم نفسه، فمن المعلوم أنّ حركتا مناوي وعبد الواحد وما تولّد عنهما من فصائل أخرى، كانتا في الأصل حركة واحدة، اندق بينها عطر منشم، كما في المثل العربي القديم، وكذا الحال في الحركة الشعبية قيادة عقار /عرمان، هناك تاريخ من الرفقة النضالية إبتداءا ثمّ تاريخ من المرارات والإنقسامات البينية، فليس من المتصور أن يرحب هولاء فعليا بتسوية تسحب منهم النفوذ لمصلحة رفاق الأمس غرماء اليوم، وبالطبع لا يخفى على مراقب ما يتمتع به القائد عبدالواحد من نفوذ سياسي كبير وسط مجتمعات النازحين، والمتضررين الفعليين من الحرب في دارفور، مثلما يتمتع الحلو بالنفوذ والوجود العسكري في مناطق جبال النوبة والنيل الأزرق، فأي حسابات عملية قد تطيح بما تحق لفصائل الجبهة الثورية بموجب اتفاق جوبا، لأنّ الأمر يتعلق باقتسام جديد للسلطة والثروة، مع رفاق يعرفون قوتهم ونفوذهم، فهل هناك حرص حقيقي على اتفاق السلام الشامل، وانضمام الفصيلين القويين؟ أمّا حركة العدل والمساواة /د. جبريل، فيبدو أنّ موقفها من مسألة مقايضة السلام بعلمانية الدولة، ليس وارادا في فكرها، المستند على مرجعية الحركة الإسلامية السودانية، بآيدولوجيتها المعروفة .

المكون الرابع هو سيادة رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك، وو صاحب المبادرة الجادة والعملية تجاه اتمام عملية السلام ، وهو الملف الذي اُختطف من صلاحياته دون مبرر في الأصل، وربما ساعد في ذلك تواطؤ الجبهة الثورية مع المكون العسكري بصورة أساسية، وبزعم واه، مفاده أنّ التفاهم مع العسكريين وبينهم أسهل !! كما كان لوهن تحالف (ق. ح.ت) وتفلته وعدم انسجامه التام حول قضية السلام دور في اضعاف دور رئيس الوزراء، ولا أدلّ على ذلك من أنّ إعلان المبادئ الموقع بينه والحلو لم يجد الدعم والسند السياسي القوي من التحالف، رئيس الوزراء يبدو الآن وكأنّه أضعف الحلقات من ناحية الحاضنة السياسية، ومع اتجاه كل مكونات الشراكة لتقوية مراكزها، تبدو وكأنّ هناك حالة انفضاض من حول د.

حمدوك، مما يدفعه للسير في ركاب المكون العسكري مكرها أخاك وليس بطلا !! ولعل لجان المقاومة، والقوى الشبابية الثورية، وبعض القوى السياسية الثورية، قد تناءت خطاها عن دعم وتأييد رئيس الوزراء، مما أدى عمليا لرضوخه لإبتزازات خصوم الثورة، كما حدث في معركة تغيير المناهج الدراسية للمرحلة الإبتدائية، وهي الخطوة التي خصمت كثيرا من رصيد رئيس الوزراء وسط فئات ثورية مثقفة ومتعلمة، والربكة الحادثة الآن في مجال التربية والتعليم تبرهن على خطأ ما فعله رئيس الوزراء بانسياقه وراء حملات الإبتزاز والضغط، وبالتالي فإنّ سيره قدما في انجاز ملف السلام، أو الوفاء بإعلان المبادئ الذي وقعه مع الحلو ربما لم يعد ممكنا الآن، ومع استمرار تغييب تأسيس المفوضيات وعلى رأسها مفوضية السلام، والمجلس التشريعي ؛ الذي ربما برزت فيه مواقف وأشخاص ينافحون عن خطوات السلام الشامل والمستدام، وبناء الدولة العلمانية الديمقراطية، هذا التغييب المتعمد يضعف أكثر من دور رئيس الوزراء .

هذه قراءة لواقع يعيشه الناس الآن، ولكن كما هي حال الشعوب التي لا تخضع لتوصيف ساكن، خاصة الشعوب الحية مثل الشعب السوداني، فهو صاحب الحق الأول والأصلي في تحديد مسار دولته، والفاعلين السياسيين الآن إنّما يفترض فيهم أن يكونوا خداما لمصالح هذا الشعب، ولا مصلحة في تقديري تعلو على إكمال عملية السلام، فليس من المتصور أصلا أن يحدث الانتقال الكامل لرحاب البناء الجديد للوطن دون شمول واستدامة السلام، ولن يتحقق السلام إلاّ بإرادة حقيقية وتغليب المصلحة الوطنية العليا على المكاسب الذاتية .

تاريخ الخبر: 2021-03-21 21:24:55
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 59%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية