بوستة: هكذا نجوت من الاغتيال من طرف عصابة اليد الحمراء


امحمد بوستة واحد من كبار السياسيين في المغرب المعاصر. ولد قبل ميلاده، كما كتب عنه صديقه العربي المساري، ففي أوراقه الرسمية ولد في دجنبر 1925، لكن تاريخ ميلاده الحقيقي هو غشت 1922، ليغادرنا إلى دار البقاء في فبراير 2017 ويدفن معه في قبره العديد من الأسرار.

 

وبما أن المناسبة شرط، فمناسبة عودتنا إلى حياة ومسار الراحل امحمد بوستة، هو صدور مذكراته بعد أربع سنوات من وفاته، والتي تحمل عنوان “امحمد بوستة .. الوطن أولاً”، التي كتبها الصحفي محمد الضو السراج، الذي قضى سنوات عديدة في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. المذكرات الصادرة عن “المركز الثقافي للكتاب”، سطر تقديمها الوزير السابق محمد العربي المساري، الذي غادرنا إلى دار البقاء يوم 25 يوليوز 2015، أي قبل أزيد من سنة ونصف من وفاة بوستة، بمعنى أن هذه المذكرات التي ننشر مقتطفات منها، كان يراد لها أن تنشر قبل سنوات، غير أن الأقدار لم تكتب لها ذلك إلا بعدما غيب الموت صاحبها وكاتب تقديمها.

 

الكاتب والصحفي محمد الضو السراج، اختار أن تسرد مذكرات امحمد بوستة على لسان الراحل، ليحكي فيها بنفسه تجاربه في السياسة والحياة، وهي التي كانت حافلة بالأحداث.

 

في هذا الملف الذي ننشره على شكل مقتطفات من الكتاب المذكور، الذي نزل إلى المكتبات شهر فبراير 2021، نقرأ على لسان امحمد بوستة كيف كان رفيقا لعلال الفاسي لا يفارقه كظله، وكيف كان شاهدا على وفاة زعيم حزب الاستقلال في حضرة الرئيس الروماني تشاوشيسكو، وكيف عرف الحزب قبل ذلك انشقاقا أفرز لنا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. ولماذا رفض بوستة مقترح الحسن الثاني لتولي منصب الوزير الأول في العام 1993 والأسباب التي جعلته يعترض على تولي إدريس البصري منصب وزير الداخلية، وكيف استسلم لإلحاح الملك محمد السادس بتولي مهمة ترؤس لجنة إعداد مدونة الأسرة في بداية العهد الجديد.

قراءة ممتعة.

 

محاولة اغتيالي من طرف عصابة اليد الحمراء

 

بعد نفي محمد الخامس، احتدم الصراع بين المقاومين المغاربة والمستعمرين الفرنسيين، وخاصة الغلاة منهم والمتطرفين. وتوالت الاغتيالات والاقتتال بين الطرفين، وشكل الفرنسيون جماعة أطلقوا عليها «اليد الحمراء»، وهي عصابة إجرامية قتلت كلا من عبد الكريم الديوري والطاهر السبتي بالإضافة إلى أشخاص آخرين، كما قاموا باختطاف مناضلين منهم بنسالم جسوس. وهم الذين اغتالوا المحامي عمر السلاوي، وأنا أتحدث هنا عما وقع في مدينة الدار البيضاء فقط، بحكم إقامتي بها، ناهيك عما كان يحدث يوميا في مختلف المدن المغربية.

 

فقد كانت لدينا أوامر حزبية بمواصلة التفاوض والتحاور مع هؤلاء المتطرفين لثنيهم عن الاستمرار في هذه الأعمال الشنيعة. وفي هذا الإطار قررنا عقد اجتماع بمنزل عبد الرحمان السلاوي في الثانية بعد الظهر في أحد الأيام، حضره ممثلون من مجموعة «الحضور الفرنسي» التي كانت تقف وراء عصابة «اليد الحمراء». وحين كنت أهم بتحريك سيارتي للانطلاق نحو مكان الاجتماع، تفاجأت بأن محركها لا يعمل، وبينما كنت أحاول تشغيله مرة أخرى، مر بي على متن سيارته عمر السلاوي فطلب مني أن أصحبه في سيارته حتى لا نتأخر عن موعد الاجتماع. وفي نفس الوقت كان هناك أفراد من عصابة «اليد الحمراء» يترصدوننا وقام مخبروها بتسجيل رقم السيارة التي كنت على متنها رفقة زميلي عمر السلاوي.

 

شاركنا في الاجتماع المقرر الذي شهد تضاربا في وجهات النظر بيننا وبين الفرنسيين استمر حتى بداية الليل، وغادرنا مقر الاجتماع، وعندما توجه عمر السلاوي نحو سيارته سمع من يقول بالفرنسية (Voici Boucette) ها هو بوستة، معتقدين أنها سيارتي، فأطلقوا عليه عيارات نارية متتالية وفروا بعد أن رأوه يسقط على الأرض مضرجا بدمائه. لم يمت في الحين بل تم إسعافه وحمله إلى عيادة «لو بالميي»، وحوالي الساعة العاشرة صباحا من اليوم الموالي وبينما كانوا يحملونه نحو غرفة العمليات من أجل استخراج رصاصة من عنقه، وهو في كامل وعيه، نظر إلي وقال: «ها أنا أذهب مكانك ولكن كن حذرا»… وفارق الحياة في غرفة العمليات رحمة الله عليه، مازالت صورته تحضرني بين الحين والآخر.

 

الانشقاق داخل حزب الاستقلال سببه التهور

 

أعود مرة أخرى إلى ما عرفه الحزب غداة الاستقلال من اضطرابات، ذلك أن بعض قادة الحزب الذين تأثروا بما كان يدور آنذاك في العالم من أفكار وآراء ومذاهب حول السلطة ومصير الشعوب، وعاشوا أحداث التغييرات في بعض الدول العربية ودول العالم الثالث، التي شهدت انقلابات عسكرية ضد الحكومات والأنظمة، كمصر وتونس والعراق، وآمنوا بأن التغيير في المغرب هو أيضا حتمية سياسية وتاريخية. فأرادوا القيام بنفس الشيء، جاهلين أو متجاهلين خصوصية الملكية المغربية والنظام المغربي وارتباط الشعب بالعرش، فبدأوا يروجون داخل الحزب أفكارا من هذا القبيل.

 

ومن الأسباب الأخرى بروز بعض الانتقادات الداخلية ضد القيادة التاريخية لحزب الاستقلال، فأخذ البعض من داخل الحزب ينعت القيادات بالعجز، فمن هي هذه القيادات العاجزة؟ محمد اليزيدي؟ أم أحمد بلافريج؟ أم المهدي بن بركة؟ أم عمر بن عبد الجليل؟ أم أبو بكر القادري؟ هل هؤلاء كلهم قادة عاجزون؟ وعن أي شيء هم عاجزون؟

 

كل هذا نتيجة للتهور وسوء التقدير، وأرى وأؤكد أن ما قام به بعض قادة الحزب من اتهام الآخرين بالعجز وتدبيرهم لانتفاضة بداخله، كان انحرافا خطيرا وخطأ فادحا. والأحداث التي شهدتها سنة 1959 كانت كارثة كبرى أصابت الحركة الوطنية في الصميم وشتتت شملها وفتحت المجال أمام كل من هب ودب ليعيث فسادا في الساحة السياسية الوطنية.

 

وجاءت هذه الأحداث بعد أن كان الحزب يعيش في انسجام تام بين عناصره وتنظيماته، ومع الملك، وهو وضع كان وليد سنوات من النضال المشترك المؤسس على قواعد متينة.

 

كما شهد المغرب في هذه الفترة قلاقل وتطاحنات كان في غنى عنها، فضاعت فرصة إتمام المبادرات الرامية إلى وضع الأسس الدستورية للبلاد، وانقسم حزب الاستقلال، والذين انفصلوا عنه شكلوا حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي التحق به أعضاء من حزب الشورى والاستقلال، ليغادروه في ما بعد.

 

 

تاريخ الخبر: 2021-03-24 12:14:47
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 73%
الأهمية: 80%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية