مسرحية «صندوق العجايب» في مهرجان «الأمل»: وجع يتلاشى وسط إبداع طفولي


العنان لنفسه و يقف بصلابة وجرأة شديدين أمام القضبان الحديدية دفاعا عن إرادة الانعتاق و حب العيش.
المسرح مدافع شرس عن روح التحرر و الإبداع و بالتالي هو فرصة للتجدد و الإصلاح، تتواصل التجارب المسرحية التي يقدمها مهرجان مسرح الأمل في دورته الأولى وهي في المجمل 26 عرضا، شارك في أدائها 132 سجين من مختلف السجون التونسية سجينات كانوا أم سجناء.
كما لم تغب روح الطفولة المبدعة عن هذا المهرجان إذ قدم مركز إصلاح الفتيات القاصرات بالدغيرة عرضا بعنوان «صندوق العجايب» من إخراج هناء الوسلاتي.

صغيرات يبدعن على الركح
تنطلق المسرحية بموسيقى داكنة و نغمات مرعبة تلفت انتباه المتفرج وتنذره بالانطلاقة كأنها لحظات حبس للأنفاس، بتقنيات خيال الظل حيث تكون الظلال قاتمة و الديكور اسود قاتم وسط صوت صهيل الحصان وطلة مخيفة تخرج بها الشخصية في صورة فرجوية مختلفة .
ثم تتحول الأضواء من الأسود إلى الأحمر متوسطة المسرح، هالة من الألوان كأنها صفارة البداية لتقول «انتبه ها قد انطلقنا».
تبرز شخصيات المسرحية بإطلالات مختلفة مستوحاة من عوالم الخيال وتحمل الممثلين في رحلة بعيدا عن خشبة الركح الباهت،مجموعة من الشخصيات تتحادث وتتناقش ثم يحدث الصراع ليجد المتفرج نفسه أمام فتيات صغيرات يتقمصن أدوارالأبطال حكايات خرافية بنفس طفل حالم وجسد فنان مبدع.
الخوف و البأس و اليأس، حقل من المشاعر المتخبطة عاشها المتفرج و تشارك في خوضها مع صغار المسرح.
كان منطلق المسرحية مبنيا على الحكاية،وكانت الرواية منبثقة من ذوات الممثلات اللاتي اشتركن في القصص المتواترة على الركح ،هنّ روح النص وأسلوبه، فظهرت الأغاني كالصدى الذي يكسر الطوق و بدت الرقصات كألسنة اللهب التي تنطلق من أجسادهن نحو التحرر والانعتاق.

مناشدة لأشهر قصص الأطفال الخيالية:
بائعة الكبريت، سندرلا،ليلى والذئب أو حمراء حمراء،جميعها مخزون من الحكايات الوهمية والقصص الخيالية التي طالما انطوت عليها أبعاد أثرت مكون ثقافتنا و موروثنا. وهي محاور ارتكزت عليها مسرحية «صندوق العجايب» مستلهمة بذلك من لب فلكلورنا القصصي لأكثر حكايات لاقت رواجا هائلا في عالم الأطفال وأضفت على العمل طابعا من التشويق الخاص و روحا جمالية تتغنى بعالم الخيال المرح.

«تكسرون الخواطر وتملأون كؤوس اليأس بلا مبالاة ... كما تعملون ستجازون» كلمات نطقت بها شخصية أدت دورا من أكثر الأدوار تعقيدا هي،The Guardian Angel
الملاك الذي يراقب الناس ويحرسهم، يقاسمهم شغفهم وحزنهم وتذمّرهم ويشعر مثلهم بما يثقل كاهلهم ويحميهم.
قوية الشخصية، ثابتة الحضور، قليلة القول، لكن كلماتها منحوتة من ذهب وتحمل تأثيرا ايجابيا على باقي الشخصيات والأهم أنها ذات قدرة سيكولوجية عالية على فهم كل منهم من نظرة العينين.
شخصية لافتة،مثل كل ظهور لها عبارة عن عنصر تخلص للانتقال إلى باب جديد من المسرحية.
مشاعر مختلطة و متناقضة، حائرة بين الاستمتاع والانبهار بتجربة استثنائية في مجال المسرح وبين الإحساس بالوجع والحزن على أشخاص جفت أحلامهم على جدران السجون، كل هذه المشاعر ستواجهك وبقوة أثناء متابعة حركات الممثلات الصغيرات.
أداء اثبت و بقوة أن المسرح ولفن يتسرّبان من رحم المعاناة.

تمثيل طفولي متقن
للمسرح تأثير قوي قد يتجاوز أحيانا العقوبات السجنية،فقد أخذت هذه المسرحية بأيادي الأطفال بعيدا عن غربة السجن و سواده.
وكأن التمثيل هنا ،رغم قتامة الأحداث مال إلى الجانب الدرامي، وأظهر قدرات هؤلاء المبدعين الصغار، وفهمهم الجيد لطبيعة الشخصيات التي يقدمونها، وخاصة أن أغلبها كان من الفولكلور القصصي، لكنهم رغم ذلك طوعوا أجسادهم وأصواتهم لأدائها بشكل مقنع لاتكلف فيه، ولعب الماكياج دوراً مهماً في إبراز عنصر الزمن على وجوههم.
استغرق العرض ساعة بين التشويق والإثارة والأداء العالي للممثلين ولكن من دون إسراف أو تعجل، وبرزت قدرة المخرجة في السيطرة على فريق عملها وتسكين كل منهم في دوره بشكل جيد ومحسوب بدقة، وبدا الممثلون، رغم أعمارهم الصغيرة، واثقين في قدراتهم.
قدرة خارقة جعلت من المتفرج ينسى انه أمام مجموعة من الأرواح الطفولية و يقف لهن وقفة احترام لعمل فني محترف بكل ما للكلمة من معنى.
ظهرت على الركح خمس شخصيات لا نعرف هويتها الحقيقية، كن سيدات الركح الذي تحول إلى ارض عجائب تحتضن السرد والحوار والرقص والغناء، و تتوزّع على مشاهد تستوعب المكان و الزمان وتفجر طاقة الطفولة النسوية.
«صندوق العجايب» ليست مجرد عمل مسرحي بقدر ما أنها دعوة للحياة،صرخة ضد كل أشكال الظلم و الضيم،هي وسيلة للحلم ، مسرحية وفية لممثليها الصغار تكشف عن الوجع و الألم و تبحث عن الإنسان فينا و تدعوه ليحلم و يتخطى القيود، فليس للحلم حدود.

جيهان المكاحلي (متربصة)

تاريخ الخبر: 2021-04-01 12:16:27
المصدر: جريدة المغرب - تونس
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 60%

آخر الأخبار حول العالم

دياز يعدُ المغاربة بأن "القادم سيكون أفضل وهذه ما هي إلا البداية"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-28 18:26:23
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية