عبد الهادي بوطالب: هكذا عشت شرارة اندلاع حرب الرمال بسبب الحدود الشرقية


عبد الهادي بوطالب من أكثر الشخصيات المغربية التي اشتغلت إلى جوار الملك الراحل الحسن الثاني، فقد تقلد مجموعة من المناصب الوزارية على غرار حقيبة الخارجية والإعلام والشباب والرياضة، وختم مساره السياسي ككبير مستشاري الملك، ما يجعله خبيرا في ما يتعلق بمشكل الحدود بين المغرب والجزائر، حيث كانا شاهدا على مجموعة من محطات محاولات ترسيم الحدود بين الجارين، والتي وصل فيها النقاش أحيانا إلى حدّ حمل السلاح.

إليكم جزءا من حوار عبد الهادي بوطالب الذي نشرته “الشرق الأوسط” والمتضمن في كتابه “نصف قرن من السياسة” والذي تحدث فيه عن أزمة الحدود ما بين المغرب والجزائر، علما أن هذا الحوار أجراه الزميل حاتم بطيوي في دجنبر من العام 2000.

 ما هو الهدف الأساسي لزيارة الملك الحسن الثاني إلى الجزائر يوم 13 مارس 1963؟

> لقد جاء الملك الحسن الثاني على رأس وفد يحمل هما واحدا: هو مشكلة الحدود المغربية-الجزائرية التي ترتبت عن إلحاق فرنسا لأجزاء من تراب المغرب بالجزائر، في عملية حسابية سياسية استعمارية عندما كانت تراهن على إدامة احتلالها للجزائر كجزء لا يتجزأ من التراب الفرنسي، فتقتطع من المغرب أرض الحماية المؤقتة وتضيف إلى التراب الفرنسي الدائم مناطق لا جدال في مغربيتها.

وفي الاجتماع الذي جرى على انفراد بين الملك الحسن الثاني والرئيس أحمد بن بلة أثناء الزيارة طلب هذا الأخير من الملك أن يؤخر بحث موضوع الحدود إلى حين استكمال الجزائر إقامة المؤسسات الدستورية، وتسلمه مقاليد السلطة بوصفه رئيس الدولة الجزائرية المنتخب، مخاطبا بالأخص الملك بعبارة حافلة بالدلالات: «ثقوا أن الجزائريين لن يكونوا بطبيعة الحال مجرد وارثين للتركة الاستعمارية في موضوع الحدود المغربية. ومباشرة بعد نهاية زيارة الحسن الثاني شنت الصحافة الجزائرية حملة إعلامية على المغرب تتهم فيها المخزن المغربي بالوقوف وراء الإضرابات التي شهدتها منطقة القبائل.

 وما هي أسباب تلك الحملة ضد المغرب؟

> (…) استيقظنا على دوي أنباء عن مهاجمة الجيش الجزائري غدرا لمركزي «حاسي بيضا» و»تينجوب» على الحدود المغربية الجزائرية ولم يكن حولها نزاع، بل كانا أثناء الهجوم خاضعين للسلطة المغربية وتحت الحراسة المغربية.

وقد شرح الحسن الثاني نفسه في مؤتمر صحافي عقده بمراكش ظروف هذا الهجوم فقال: «لم يترك المهاجمون الجزائريون للمغاربة الموجودين بالمركزين المعتدى عليهما أي حظ للخروج منهما قبل قصفهما واحتلالهما. وفعلوا ذلك بدون إشعار مسبق، ولا إلفات لنظر السلطة المغربية إلى أن للجزائر مطلبا ما في الأرض، وأن على من فيها أن يغادروها». وأضاف ملك المغرب: «أمام هذا الهجوم الغادر لم يكن لدي سوى خيارين: أن يتسم رد فعلي بالقلق والانفعال، أو بالتعقل والاتزان. ووضعت رأسي بين يدي متسائلا: من المستفيد من هذه الجريمة؟ هل يعقل أن يعمد الرئيس بن بلة إلى القيام بمبادرة الهجوم على المغرب ويخلق لنفسه مشاكل خطيرة وهو الذي يعاني من مشاكل داخلية من كل نوع؟

 متى قرر المغرب هجومه المضاد للهجوم الجزائري؟

تلاحقت الأحداث بسلوك الجزائر سبيل التصعيد. فلم يمر إلا يوم واحد على لقاء وزيري خارجية المغرب والجزائر بوجدة وصدور بلاغ الوفاق، حتى عرف إقليم وجدة الممتد شرقا إلى التراب الجزائري هجوما مباغتا قام به الجيش الجزائري، هذه المرة بكيفية سافرة على مركز «إيش» العسكري الواقع على بعد 50 كيلومتر شمال شرق مدينة فيكيك بإقليم وجدة. كانت تحرسه قوات مغربية لم تكن تتوفر إلا على سلاح خفيف، بينما كان المهاجمون الجزائريون يشكلون قوات نظامية مجهزة بالأسلحة الثقيلة. والأدهى من ذلك أن الطيران العسكري الجزائري شارك بدوره في الهجوم على منطقة «تندرارا»، وجميع هذه المناطق لم تكن موضوع نزاع بين الدولتين، لأنها تقع في التراب المغربي الذي ظل تحت سلطة المغرب طيلة الحماية الفرنسية وإلى حين إعلان الاستقلال، ولم تقتطعه فرنسا من المغرب أبدا. كما أن هذه المناطق تبعد بألف كيلومتر عن مركز «حسي بيضا» و«تينجوب» فلا يمكن اعتبار الهجوم عليها مجرد حادث حدود. وبعث الحسن الثاني ببرقية احتجاج للرئيس بن بلة يدين فيها الهجوم الجزائري ويستفسر عن الأسباب.

 وماذا كان رد فعل الرئيس بن بلة؟

> بعد هذه البرقية التي أصر الرئيس بن بلة على تجاهلها فلم يرد عليها ولم يكلف نفسه على إثرها عناء إرسال مبعوث إلى الملك لشرح موقف الجزائر، استمر الحسن الثاني متمسكا بالحوار، ومستنفدا وسائل التفاهم بالحسنى، فبعث إلى الرئيس بن بلة وفدا يتكون من الحاج أحمد بلافريج وعبد الهادي بوطالب، ولم نجد من الرئيس استعدادا لحوار بناء. وعدنا لنخبر الحسن الثاني بفشل مسعانا فالرئيس كان يعتبر المغرب المسؤول وحده عن تطور أحداث الحدود، ثم عاد الملك فأرسلني مرة أخرى إلى الرئيس بن بلة وبرفقتي مدير ديوانه العسكري الكومندان محمد المذبوح، في مهمة تستهدف تحسيس الرئيس الجزائري بخطورة الموقف، وحمله على إيقاف مسلسل الاعتداءات والتحديات.

وعن ذلك قال الحسن الثاني في مؤتمره الصحافي: «استدعيت وزيري في الإعلام السيد عبد الهادي بوطالب ومدير ديواني العسكري وقلت لهما: اذهبا للتحدث باسمي لدى الرئيس بن بلة وأطلعاه على الخريطة. قولا له إن حاسي بيضا وتينجوب كانتا دائما ترابين مغربيين لا نزاع عليهما.

وقسَّم الملك الحسن الثاني الأدوار بيننا، فكان دور المذبوح الحديث لدى الرئيس الجزائري عن ظروف العدوان والسلاح المستعمل فيه، وتجهيزات الفرقة العسكرية الجزائرية المداهِمة، وحدد دوري في ما أعلن عنه في المؤتمر الصحافي وجاء فيه: «كلفت السيد بوطالب أن يشرح للرئيس ما جرى، وأن يقول له بالنيابة عني إنني لا أملك أن أتصور لحظة واحدة أنه قد أعطى الأمر بمهاجمة المغاربة، وأنني أعتقد أن العدوان مدبَّر من لدن عناصر لا تراقبها حكومة الجزائر، وأن الرئيس وُضِع لا محالة أمام الأمر الواقع، وإنني أناشده أن يقتصَّ بالعدل من مرتكبي العدوان».

وابتدأ الحديث مع الرئيس بن بلة في جو متشنِّج، وكنت أحاول أن أُلطِّف حدَّته شكلا دون تساهل في العمق. «فالمغرب متشبث بترابه المدمَج من فرنسا في التراب الجزائري وبالمطالبة بإرجاعه طبقا للحجج المؤيدة له، ولكن عن طريق التفاوض والحوار. والمغرب يعتقد أن حوادث العدوان مُفتـعَلة من عناصر جزائرية، ويأمل أن لا يكون العدوان من عمل الحكومة الجزائرية وبإرادتها. والمغرب يعتبر أن ما وقع خطير، ولكن قد توفر خطورتُه الجو الملائم للإسراع بالدخول في المفاوضات، إذ تَرْك الحال على ما هو عليه مؤذن بتفجير أحداث أخرى قد لا يسهل احتواؤها».

وانتظرت وأنا أحاول أن أفتح أقفال الرئيس أن يسلك من أحدها إلى تجاوز الأحداث بإعطاء تطمينات عن نوايا الجزائر والوعد باحترام التزاماتها في المستقبل، فلم يُسعِفني الرئيس ببارقة مهدئة لجو التشنج الذي كانت تبدو ملامحه فوق وجهه، واندفع يطلق لسانه بما يفضح طوايا صدره.

 لكن ما هي القشة التي قصمت ظهر البعير؟

> لم يقدم الرئيس اعتذارا عما حصل، ولم يقل كلمة واحدة عن ضحايا العدوان المغاربة، ولم يطلب مني أن أنقل لجلالة الملك أية عبارة للمواساة والعزاء في الضحايا، بل في انفعال مثير قال: «إن مشكلة الحدود مشكلة وهمية ويجب السكوت عنها في الوقت الحاضر لتجاوزها فيما يستقبل». وأضاف يقول: «على النظام الملكي المغربي أن يواجه مشاكله الداخلية، وأن يعلم أن النظام الجزائري حصين منيع، ولا يملك النظام الملكي المغربي النيل منه».

وكانت هذه الفقرة من الحديث خاتمة الجدل، تعطلت معها لغة الكلام، مما صحَّ معه قول الشاعر العربي القديم:

وإن النار بالعُودَيْـــن تُذْكَــــــى 

وإن الحرب أولـهـــــا الكــــــــــلامُ 

ووجدتُني مضطرا لأن أدخل مع الرئيس في ملاسنة حفظتُ فيها كرامة المغرب ووضعت حدا للحوار العقيم.

 وماذا بعد ذلك؟

> عدت إلى مراكش لإطلاع جلالة الملك على وقائع المهمة التي وكَلَها إليَّ رفقة مدير ديوانه العسكري الذي لم يعلق الرئيس الجزائري على تدخله أثناء استقبالنا عندما كان يفتح أمامه الخرائط ويشرح له مواقع العدوان ومنطلقاته. ولم يعد شرح الكومندان مدبوح في حاجة إلى تعليق بعدما نطق الرئيس بن بلة بما أقفل به حديثنا.

تاريخ الخبر: 2021-04-03 12:14:59
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 75%
الأهمية: 85%

آخر الأخبار حول العالم

أبراج تنتظر الصيف للاستمتاع بالحفلات والسهر.. اعرف أنت منهم ولا لأ

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-29 06:22:17
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 42%

جنون السوشيال ميديا – صحيفة التغيير السودانية , اخبار السودان

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-29 06:23:17
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 70%

موعد الإفطار وعدد ساعات الصيام فى اليوم الـ19 من شهر رمضان 2024

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-29 06:22:13
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 41%

عبدالله في منزل "حسنين" - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-03-29 06:24:06
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 70%

وزارة الأوقاف تفتتح اليوم 29 بيتًا من بيوت الله منها 22 مسجدًا جديدًا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-29 06:22:15
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 45%

البحوث الفلكية: كسوف الشمس الكلى المرتقب 8 أبريل لن يُرى فى مصر

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-29 06:22:19
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 38%

دعاء اليوم التاسع عشر من رمضان.. اللهم اجعلنى متمسكا بسنة أنبيائك

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-29 06:22:21
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 37%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية