بقلم: ذ. عبد الغني الخنوس
التراويح راحة وملاذ من صخب الدنيا وكدح الحياة، وإطالة التبتل والسجود في حضرة بديع الوجود وخالقه.
ومن آيات الله عز وجل أن جعل الليل زمان القيام والتراويح بسكونه وسكينته وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا .
فالحظ من الليل نور لجوانب الإنسان المظلمة، وسراج هموم ورزايا نهاره المتعبة، وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ليلج أهل الليل نهارهم بروحانية تنير ظلمة دروب نهارهم، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل .
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق خلقه في ظلمة، وألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل» .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار، نور السموات من نور وجهه» .
وسئل الحسن البصري رحمه الله: ”ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوها؟ قال: “لأنهم خلوا بالرحمن، فألبسهم من نوره نورا“ .
يخلو المحبون العابدون بحبيبهم الرحمن الرحيم في هجعة الليل ودجى الأسحار، تهفو أرواحهم بأنس حضرته، وتطيب قلوبهم بلهج ذكره، لأنهم عرفوا وذاقوا أسرار الصلاة وروحانية المحراب فلزموا الباب؛ وإلى ذلك تُرغِّب حكمة ابن عطاء الله السكندري القائلة: ”الصلاة طهارة للقلوب، واستفتاح لباب الغيوب، الصلاة محل المناجاة، ومعدن المصافاة، تتسع فيها ميادين الأسرار، وتشرق فيها شوارق الأنوار، علم وجود الضعف منك فقلل أعدادها، وعلم احتياجك إلى فضله فكثر إمدادها“.
وأهل الليل ليسوا سواء، فمنهم الظالم لنفسه ومنهم المقتصد وأعلاهم درجة السابقون بالخيرات من خصوا بقوله تعالى: إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ، تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ؛ جزاء ومقام عظيم أعده الله عز وجل للمتقين القائمين لأنهم كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ .
عن سيد القائمين والعابدين صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد» .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغِّبُ في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».
نسأل الله عز وجل أن يتحقق فينا رجاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحرص على تلبية ترغيبه والعمل مخلصين بسنته في رمضان وفي غيره من أوقات أعمارنا لننال الشرف كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: «شرف المؤمن قيامه بالليل» .
فلا حرمنا الله وإياكم من ترويحة التراويح وشرف قيام الليل. اللهم آمين.
[2] سورة يس، الآية 37.
[3] سورة فاطر، الآية 13.
[4] صحيح الترمذي، الرقم: 2642.
[5] أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)، ص 345.
[6] أخرجه ابن أبي الدنيا في التهجد.
[7] سورة السجدة، الآيات 17،16،15.
[8] سورة الذاريات، الآية 17.
[9] رواه الترمذي والإمام أحمد، وصححه الألباني، صحيح الجامع، الرقم: 4079.
[10] أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء، 3/253.