«كناف أبو نعامة» ومحلج كساب.. استرداد ما دمره «نظام الإخوان»


يقف مشروع «كناف أبو نعامة» ومحلج كساب بولاية سنار، شاهدان على الفساد الذي ساد في عهد نظام الإخوان المسلمين البائد في السودان وسطوة النافذين في السيطرة على أراضي البلاد. ورصدت «التغيير» تفاصيل كثيرة ومثيرة من أرض الواقع هناك.

التغيير- تحقيق: علاء الدين موسى

لم يترك نظام الإخوان المسلمين في السودان، واحداً من المشاريع الزراعية الناجحة إلا وعمل على تدميره، باتّباع سياسة الخصخصة، وتحويله من مشروع دولة لمشروع الحزب الواحد.

النظام البائد عمل منذ الاستيلاء على الحكم في 30 يونيو 1989م على اغتصاب أراضي البلاد وتحويلها للمنفعة الذاتية، والتي كشفت عنها لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال، التي استردت عدداً كبيراً من تلك الأراضي من قيادات النظام الفاسد.

والي سنار الأسبق أحمد عباس، باع جميع أصول مشروع كناف أبو نعامة في العام 2009م

كناف أبو نعامة

«إزالة التمكين» استردت مشروع «كناف أبو نعامة» بولاية سنار، الذي أنشئ في العام 1975م على مساحة «35.000» فدان في عهد الرئيس الأسبق الراحل جعفر نميري، كمشروع استراتيجي يغطي حاجة البلاد ومن ثم تصدير ما تبقى من محاصيل خاصة القطن والذرة، بجانب مصنع كناف أبو نعامة كأول مصنع لصناعة جوالات الخيش في أفريقيا.

وتم تصميم المشروع على طراز المشاريع العالمية من خلال جلب أحدث قنوات الري التي تم نصبها على ضفاف النيل الأزرق لتروي المحاصيل بأربع طلمبات إنجليزية الصنع، وتصاحب المشروع مدن سكنية.

إحدى ماكينات المشروع

لكن، هذا المشروع العملاق تم تدميره بعد الخصخصة التي تمت في عهد الإنقاذ، بعد تأسيس شركة أبو نعامة من مجموعة مساهمين العام 2008م، قبل أن يطلق عليه الوالي الأسبق لسنار أحمد عباس، رصاصة الرحمة، ببيع جميع أصوله في 2009م لرئيس الغرف التجارية بالسودان حينها يوسف أحمد يوسف، ومعاوية البرير الذي استغل رئاسته لاتحاد أصحاب العمل للاستحواذ على المشروع وتحويل اسمه لـ«شركة أبو نعامة للإنتاج الحيواني» في لافتة ضخمة يظهر عليها اسم المالك المغتصب من البعد، ليمحو تاريخ المشروع بريشة رسام،  بمساعدة  شريكه أحمد عباس الذي لم يكتف ببيع المشروع له، بل باع حتى الأصول التي لم تستخدم.

لجنة إزالة التمكين توعّدت بملاحقة كل من خرب المشروع منذ 1989م وحتى قرار الاسترداد

تعويض كامل

ما إن تم تكوين لجنة «إزالة التمكين» بالولاية حتى أصدرت قراراً في 24 ديسمبر الماضي، بالحجز على كل الأصول الثابتة والمنقولة المملوكة لشركة «أبو نعامة للإنتاج الغذائي المحدودة» المملوكة لرجل الأعمال معاوية البرير، وعدم التصرف في أصولها.

وطالبت اللجنة بتعويض كامل عن المشروع من أول يوم توقف فيه وحتى تاريخ استرداده.

وتوّعد مقرِّر اللجنة علي طارق العرش في حديث لـ«التغيير»، بملاحقة كل من خرب المشروع منذ 1989م وحتى قرار الاسترداد.

واتهم النظام السابق بتدمير المشروع باتّباع سياسات التمكين والفساد.

نافذون باعوا المصنع للسيطرة على سوق الخيش بالبلاد لتحقيق مكاسب ذاتية

دمار وخراب

ووقفت «التغيير» خلال زيارة للمشروع الذي يقع جنوب «سنجة» حاضرة ولاية سنار، على حجم الدمار والخراب الذي خلفته إدارة المشروع السابقة، بزراعة جزء قليل وترك باقي المشروع «أرض بور».

ودخل المالك السابق في خلافات كبيرة مع المواطنين الذين يقطنون قرب المشروع مما أدى لحرقه الموسم قبل الماضي، ولا زالت آثاره باقية، وتكبد خسائر بملايين الدولارات.

إحدى ترع ري المشروع

المشروع من الداخل يبدو كأطلال بعد تدميره وبيع أصوله، إذ ظلت البنايات شامخة، لكنها خاوية على عروشها، إثر بيع جميع ما بداخلها بثمن بخس، ولم يتوقع الفاعلون أن تطالهم يد العدالة، ولو بعد حين.

ولم يتحرك ضمير الفاسدين، وهم يبيعون ماكينات مصنع جوالات كناف أبو نعامة ذات الجودة الإنجليزية والتي لم تطحن امشاطها محصول الكناف من الأرض البكر، «خردة» إلى شركة «دال»، لكن لجنة إزالة التمكين بسنار كشفتهم، وأكدت وجود معلومات كافية تثبت تورط نافذين بالولاية في بيع المصنع الذي كان مكتملاً من جميع الآليات حتى لحظة إيقافه.

وقال العرش إن النافذين باعوا المصنع للسيطرة على سوق الخيش بالبلاد لتحقيق مكاسب ذاتية، عبر استيراده من الخارج لتدمير المشاريع الاستراتيجية.

«التغيير» داخل المشروع

استرداد المشروع

«التغيير» تجولت داخل «مشروع كناف أبو نعامة» بعد استرداده من قبل لجنة إزالة التمكين، حيث أن اهمال المالك السابق أدى لتلف اثنتين من ماكينات الري، وأصبح المشروع يعمل بنصف طاقة الري، بجانب ثلاثة مبانٍ سكنية واستراحات وحظائر ومباني المصنع، ومركز صحي داخل المشروع.

وفتحت اللجنة تحرياً كاملاً للوصول إلى أي يدٍ تورطت في تخريب المشروع، ووصل عدد الذين دونت بلاغات جنائية في مواجهتهم «41» من قيادات النظام البائد، الذين باعوا وخصخصوا المشروع ودمرّوه لصالح أفراد وشركات.

وألقت لجنة إزالة التمكين بالولاية القبض على الوالي السابق أحمد عباس وعدد من وزراء حكومته، في بلاغات متعلقة بالفساد وتجري محاكمتهم برئاسة السلطة القضائية بالولاية.

الإدارة السابقة رفضت التعاون وتعمّدت إيقاف المشروع بإخفاء المستندات المهمة

عدم التعاون

بعد استرداد المشروع من المالك السابق معاوية البرير، لم تبدِ الإدارة السابقة تعاونها مع الإدارة التي كونتها اللجنة والمبتعثة من وزارة الزراعة لمباشرة العمل خوفاً من فشل المشروع، خاصة وأن عملية حصاد محصول القطن لم تنته بعد.

وقال المدير العام للمشروع منصور عبد الرحمن محمد سليمان، إن الإدارة السابقة تعمّدت إيقاف المشروع، بإخفاء المستندات المهمة التي تساعد في تسيير دولاب العمل بعد علمها بمصادرة المشروع من المالك لصالح الحكومة السودانية، ورفضت عملية التسليم والتسلم، ولم تكتفِ بذلك بل عملت على تحريض العمال لرفض المساعدة في العمل.

جوالات الكناف

خطة إسعافية

رغم ذلك استطاعت الإدارة الجديدة المكلفة، أن تضع خطة إسعافية مكنتها  من الخروج بالمشروع لبر الأمان.

وأوضح مدير المشروع أن أولى خطوات إدارته كانت إلغاء توقيعات الإدارة السابقة، ورصد ميزانية من ايرادات المشروع الذاتية لتسيير العمل، واستطاعت إفشال مخطط المالك السابق.

الإدارة الجديدة عملت على توفيق أوضاع جميع العاملين والموظفين بالمشروع

أوضاع العاملين

الإدارة الجديدة للمشروع لم تقم بفصل أي من الموظفين الموجودين في المشروع- كما ذكر مدير الشؤون الإدارية والمالية عبد العزيز النور اللخمي.

وأوضح اللخمي لـ«التغيير» أن إدارته عملت على توفيق أوضاع جميع العاملين والموظفين بالمشروع والبالغ عددهم «150» عمالة ثابتة، و«600» عمالة موسمية، و«250» عمالة محلية، و«1225» عمالة مستجلبة.

وأشار إلى أن الإدارة لم تعمل بالتشفي وتعاملت مع الجميع بشكل متساوٍ، وقامت بصرف المرتبات، كما كان يدفعها المالك السابق.

تخوُّف

كان البعض يتخوف من فصل موظفي المشروع أو أن يصيبه تلف أو فشل كما حدث لمشاريع استردتها لجنة إزالة التمكين في عدة ولايات، والتي تعاني من التدهور خاصة المشاريع المنتجة للدواجن والألبان والبيض.

لكن إدارة مشروع كناف أبو نعامة استطاعت إنجاح المشروع بالدخل الذاتي، حيث تسلمت «1300» رأس من الضان، وصلت في أقل من أربعة أشهر إلى «1554» رأس.

ووضعت إدارة المشروع خطة لتأهيل وتطوير المشروع باستهداف برنامج لتسمين العجول بالتنسيق مع كلية البيطرة جامعة سنار.

وقال مدير المشروع إن إدارته تخطط لزراعة «10» آلاف فدان قطن، و«10» آلاف فدان ذرة، وألف فدان تجريبي من محصول  القوار.

تحديات

وأقر مدير المشروع بأن كثيراً من التحديات واجهتهم في مقدمتها حماية المحاصيل من الهجمات المتكررة من الحيوانات التي أدت لتلف بعض المساحات المزروعة بسبب عدم الحماية، خاصةً وأن أغلب نشاط أهل المنطقة رعوى.

وأوضح انهم تغلبوا على ذلك بمعاونة لجان الخدمات والتغيير من جيران المشروع.

وطالب بسن قوانين وتشريعات لحماية المشروع من التعديات مستقبلاً.

جانب من الأراضي البور

مشاكل الوقود

وبحسب مسؤول المستودع بالمشروع حامد البشير عيسى، هناك مشكلة في الوقود الذي يساعد في انجاح الموسم الزراعي.

وقال عيسى لـ«التغيير»، إن حاجة المشروع في الموسم تقدر بحوالي «120» ألف جالون، والموجود في المستودع الآن «1500» جالون.

لكن مدير المشروع منصور عبد الرحمن سليمان أزال التخوف، وأكد قدرتهم على حل جميع الإشكاليات التي تواجه المشروع قبل بدء الموسم الزراعي.

وقال سليمان إن وزارة المالية الاتحادية صدقت للمشروع بـ«900» جالون، وتم جدولتها بشكل جيد حتى لا يتأثر المشروع في الموسم الجديد.

وأضاف بأن ولاية سنار تولي المشروع اهتماماً خاصاً، ومنحت الإدارة تفويضاً كاملاً لإنجاح الموسم الزراعي حتى يساعد في رفد الولاية والسودان بالمحاصيل النقدية التي تساعد في انتعاش الاقتصاد الذي دمره النظام السابق.

وتعهد بإعادة المشروع لسابق عهده ليكون الأول بأفريقيا في زراعة الكناف.

وذكر أن ادارة المشروع تعمل جاهدة لإعادة المصنع في أقرب فرصة، ليغطي حاجة البلاد من الخيش، والتصدير لدول الجوار.

وحقّق المشروع بعض الإنجازات الفنية من خلال حصر المساحات التي حصدت وتصنيفها من حيث زراعتها وريها ومعالجة مشاكلها الأخرى وترحيل القطن بحوالي «4900» جوال إلى محلج كساب الذي تم استرداده من معاوية البرير.

والي سنار الأسبق باع «محلج كساب» لسعود البرير بأقل من قيمته الحقيقية بعشرة أضعاف

محلج كساب

ولم يقتصر فساد والي سنار السابق أحمد عباس، على بيع مشروع «كناف أبو نعامة» وحده بل امتد لبيع «محلج كساب» لسعود البرير بـ«3» مليارات جنيه في العام 2012م، بأقل من قيمته الحقيقية بعشرة أضعاف.

وقال مدير المحلج شاذلي بابكر المحبوب، إن القيمة الحقيقة للمحلج تقدر بأكثر من «13» مليار جنيه.

وأضاف بأن عباس استغل قرار المستشار القانوني للولاية بمصادرة أسهم  أي شخص لم يقم بتسديد قيمة السهم كذريعة لبيع المحلج.

واتهم الوالي الأسبق ببيع الماكينات الإنجليزية ذات الجودة العالية بإنتاج يتجاوز الـ«45%» من سعة المحلج الحالية، واستجلاب ماكينات صينية أقل جودة.

وكشف المحبوب، عن بيع الوالي الأسبق لمحلج إنجليزي آخر اسطواني، بحجة تسديد حقوق العمال.

ونوه لوجود محلج برازيلي أمريكي بحالة جيدة فقط يحتاج لمواكبة وصيانة.

بدوره، أوضح رئيس العمال بالمحلج طه السماني يوسف سالم، أن دخل المحلج يقدر بـ«20» مليار جنيه في الشهر.

وأشار إلى صرف حقوق العمال البالغة «4» مليارات جنيه من دخل المصنع، وتوفيق أوضاع العاملين وتبعيتهم لوزارة المالية بعد استرداد المحلج من البرير.

ولفت إلى أن الادارة الجديدة تعكف على عمل ملفات جديدة للعاملين وفقاً للشروط التي كانت تتبعها الإدارة السابقة.

ونفى وجود أي مشاكل مالية، وقال إن وزارة المالية سدّدت كل متأخرات العاملين.

وأوضح أن المحلج يعمل بطاقته القصوى ولا يحتاج إلى تدخل، وباستطاعته توفير أموال طائلة تعود بالنفع على الولاية والسودان.

وذكر أن قيمة بالة القطن تبلغ «600» ألف جنيه، وشكا من تدني إنتاج القطن في الموسم الحالي، وقال إن المساحات المزروعة أقل من السابق.

«إزالة التمكين» تُطالب بتعويض عن مشروع «كناف أبو نعامة» من رموز النظام المُباد

تاريخ الخبر: 2021-04-18 01:25:07
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 56%

آخر الأخبار حول العالم

متى تفيد الثقة المتداول في سوق الأسهم؟ ومتى تؤذيه؟

المصدر: أرقام - الإمارات التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-03-29 09:25:04
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 48%

88% من القراء يطالبون بتشديد الرقابة على مراكز العلاج من الإدمان

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-29 09:22:34
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 36%

6 نصائح سحرية للحفاظ على جهازك التنفسى من العدوى فى رمضان

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-29 09:22:40
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 37%

الحكومة: رفع نسبة الاكتفاء الذاتى من القمح لـ45% عام 2026/2025

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-29 09:22:38
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 42%

سنن يوم الجمعة.. الاغتسال والتطيب وقراءة سورة الكهف ولبس أحسن الثياب

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-29 09:22:36
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 39%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية