طرق غير متوقعة لجعل الحيوانات الأليفة تتناول الأغذية المصنعة بشراهة

  • زاريا غورفيت
  • بي بي سي

صدر الصورة، Getty Images

تضيف شركات أغذية الحيوانات الأليفة مكونات غير متوقعة، بدءا من إضافات كريهة الرائحة بشدة، وصولا إلى مستخلصات من أحشاء الذبائح، وإلى أغذية الحيوانات الأليفة الجافة لتضفي عليها مذاقا شهيا.

لا يكاد المرء يضع يده في جيبه أو يفتح خزانة الطعام أو ينطق كلمة "العشاء" دون اكتراث، حتى يتعثر في حيوانه الأليف ينتظر بلهفة حفنة الكريات المجففة البنية الباهتة في طبقه. فما سر تلذّذ الحيوانات بهذه الحبوب الغامضة كما لو كانت دجاجا مشويا أو سلمون بريا أو أعشابا طازجة؟

ففي شقتي، يجلس حيواني الأليف، أرنب أسود صغير، معظم ساعات اليوم مترقبا واضعا مخالبه على طبق الطعام الفارغ، في انتظار الوجبة التالية من هذه الكريات الجافة، رغم شكلها المقزز الذي لا يختلف كثيرا عن شكل الروث ورائحتها المنفرة.

وقد كنت أستخدم في الماضي جهازا لوضع حصص من الكريات الجافة في الطبق في مواعيد محددة، لكن حيواني الأليف تعلم الوصول إلى الكريات المختزنة في الجهاز قبل الموعد المحدد. ومهما حاولت إغراءه بأطعمة شهية أخرى، مثل البقدونس الطازج أو الحشائش أو رؤوس الجزر الطازجة أو نبات الكيل العضوي، يختار دائما أغذية الحيوانات الأليفة الجافة.

ولا يبدو هذا الأمر غريبا، فقد حكى الكثيرون عن حيواناتهم الأليفة المولعة بأغذية الحيوانات الأليفة الجافة، فقد ذكر أحدهم أن قطته تصاب بالذعر يوميا عندما تكتشف أنها تناولت جميع الكريات في الطبق. وشاهد البعض أحد الكلاب من سلالة الراعي الألماني يحمل كيسا من أغذية الكلاب الجافة في شوارع هيوستن بعد إعصار هارفي.

تخطى مواضيع قد تهمك وواصل القراءة
مواضيع قد تهمك
لماذا يشمئز البعض من تناول الحشرات رغم أنها طعام غني بالبروتين؟

مواضيع قد تهمك نهاية

لكن عشق الحيوانات الأليفة لهذه الأغذية الجافة حد الإدمان لم يأت من فراغ، فقطاع أغذية الحيوانات الأليفة الذي يقدر بنحو مليارات الدولارات، يستثمر أموالا طائلة في الأبحاث عن معززات النكهة، أو المكونات التي تجتذب الحيوانات الأليفة. وقد تمخضت أبحاث تحضير أشهى الأغذية للحيوانات الأليفة عن نتائج غير متوقعة، بدءا من استخدام كيماويات كريهة الرائحة توجد عادة في اللحم المتعفن ووصولا إلى مواد تضاف إلى البطاطس للحفاظ على لونها.

ويقول دارين لوغان، رئيس الأبحاث بمعهد والتام لعلوم العناية بالحيوانات الأليفة: "إن شركات أغذية الحيوانات الأليفة الكبرى تضم أقساما شاسعة لتصنيع معززات النكهة. فكما نصنع معززات النكهات للبشر، نصنع مثلها للحيوانات الأليفة".

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

تأكل الأرانب الخضروات الطازجة في البرية، لكن الكثير من الأرانب التي يربيها الناس في المنازل تأكل الأغذية المصنعة

كلاب الطبقة الراقية

وفي عام 1860، اخترع جيمس سبرات، مندوب مبيعات موانع الصواعق من ولاية أوهايو الأمريكية، أول طعام خاص للحيوانات الأليفة. ويقال إنه سافر إلى إنجلترا للترويج لبضاعته، ولاحظ حينها في أحد الأيام على أرصفة ميناء ليفربول، أن الكلاب الضالة تبحث عن بقايا البسكويت اليابس.

واشتهر هذا النوع من البسكويت اليابس بأنه منفر، فهذه الألواح البسيطة من الدقيق والماء، التي كانت تتناولها أجيال من الجنود والبحارة، أكثر صلابة من الخشب، وأحيانا تكون صلبة إلى درجة أنها قد تكسر أسنانك، ولهذا أطلق عليها ألواح الحديد. وقد عثر على أقدم قطعة من هذا البسكويت عمرها 170 عاما، ولا تزال تبدو في حالة جيدة.

وقبل سبرات، لم يهتم أحد بالبحث عن الطعام الذي تحبه الحيوانات الأليفة، أو من التربح من هذا الطعام. فقد كانت الحيوانات المستأنسة تأكل نفس الطعام الذي يأكله البشر أو تبحث عن طعامها بنفسها.

فكلاب الهاسكي على سبيل المثال، كانت تتغذى في مواطنها الأصلية، جزيرة غرينلاند وكندا وولاية ألاسكا، على الفقمات التي يقدمها لها الصيادون وجامعو الثمار عادة. وعندما جلب المستكشفون البريطانيون كلاب الزلاجات إلى القارة القطبية الجنوبية لاستخدامها كوسيلة نقل في عام 1945، لاحظوا أن هذه الكلاب تجد صعوبة في هضم أطعمة الكلاب التجارية التي يقدمونها لها. واضطروا في النهاية لقتل عدة فقمات سنويا لإطعام الكلاب. ثم حلت محلها عربات الجليد في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.

وفي العصر الفيكتوري، كانت الكلاب في لندن، التي يحالفها الحظ لتجد من يرعاها، تتغذى على بقايا الطعام أو العصيدة. وكانت الحيوانات المستوردة من الخارج تتغذى على نفس الطعام الذي يأكله البشر. فقد كانت السلاحف المستوردة من المغرب، التي بلغ عددها نحو 20 ألف سلحفاة، تتغذى على خضروات الحدائق أو الخبز المبلل بالمياه. ونادرا ما كان أحد يقدم الطعام للقطط، لأنها كانت تعد من حيوانات الشوارع.

وفي الأشهر اللاحقة، طور سبرات، كعك الكلاب، وهو توليفة تشبه البسكويت مكونة من البنجر والخضروات والحبوب ولحم البقر (الذي لا يعلم أحد حتى الآن مصدره الحقيقي)، وكان يزعم أن هذا الكعك يلبي جميع الاحتياجات الغذائية للكلاب.

وتزامن ابتكار سبرات مع بداية تحول ثقافي في الطريقة التي ينظر بها الناس لحيواناتهم الأليفة، فقد أصبحت الأسر تعدها واحدة من أفرادها وتعتني بها وتحتضنها. ومن ثم، روج سبرات لكعك الكلاب تحت مسمى طعام فاخر للكلاب الأرستقراطية.

صدر الصورة، Ozge Elif Kizil/Anadolu Agency/Getty Images

التعليق على الصورة،

كانت كلاب الهاسكي التي رافقت المستكشفون في رحلاتهم إلى القارة القطبية الجنوبية تتغذى على الفقمات المقتولة حديثا

وأطلقت الحملات الإعلانية عليه اسم "الطعام الممتع للكلاب"، وذكرت الشركة أن كعك الكلاب الذي ابتكره سبرات اختارته بعثة الكابتن سكوت إلى القارة القطبية الجنوبية عام 1901 ليكون طعاما رئيسيا لكلاب الزلاجات، لكننا نعرف الآن أن كلاب الزلاجات كانت تفضل الفقمات.

وأسست الشركة فرعا لأغذية القطط، لكن أبحاث معززات النكهة لأغذية الحيوانات الأليفة قطعت شوطا طويلا منذ ذلك الحين.

روائح مقززة

واليوم أصبح من الممكن شراء الأغذية الجافة لجميع أنواع الحيوانات الأليفة تقريبا، من الضفادع وحتى السناجب الطائرة. ومعظمها تقريبا يحتوي على نفس المكونات، إذ تتكون من نوع من الكربوهيدات وبروتينات ودهون وسكريات ومصدر للألياف ومضادات أكسدة أو غيرها من المواد الحافظة ومستحلبات للحفاظ على الدهون ومنعها من الانفصال، وفيتامينات ومعادن وملونات.

وقد تحتوي بعض الأنواع الأكثر تعقيدا على البكتيريا المفيدة (البروبيوتيك) أو مواد تساعد على الهضم، مثل الهندباء، الذي يضاف إلى أطعمة الكلاب، وبعض الإنزيمات ومركبات مضادة للطفيليات ومعادن لمنع تراكم الجير على الأسنان.

وتخلط هذه المكونات حتى تصير عجينا ثم تسخن وتدفع عبر طبق مزود بثقوب لتصبح في صورة الكريات التي تماثل شكل الثقوب. وتستخدم نفس العملية أيضا لتصنيع المقرمشات المنتفخة، وتضاف المنكهات في الخطوة الأخيرة. وفي حالة أغذية الحيوانات الأليفة ترش المنكهات أو تضاف في صورة مسحوق.

لكن نكهة أغذية الحيوانات الأليفة لا علاقة لها بمدى فائدتها للجسم. ففي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبلدان أخرى حول العالم، يشترط أن يلبي الغذاء معايير غذائية معينة، حتى يوصف بأنه مكتمل العناصر الغذائية. وتحدد هذه المعايير الكميات المقبولة لكل عنصر من العناصر، ومن ثم تقيد حرية الصناع في إضافة السكريات والدهون التي تجعل الطعام شهي المذاق.

صدر الصورة، Kirn Vintage Stock/Corbis via Getty Images

التعليق على الصورة،

كانت الأغذية المصنعة للكلاب تعد من السلع الفاخرة، واستوحيت منها فكرة "الحيوان الأليف المدلل"

ولهذا لجأت الشركات إلى الكيمياء. وتستهدف الكثير من الشركات حاسة الشم عند الحيوانات، لأن الكثير من الحيوانات تعتمد على هذه الحاسة لاستكشاف العالم من حولها. وبينما يبلغ عدد مستقبلات الشم في أنوف البشر نحو 50 مليون مستقبل، فإن عددها في أنوف القطط يبلغ 67 مليون مستقبل، في حين أن أنوف الأرانب تحتوي على 100 مليون منها، أما أنوف الكلاب فتحتوي على نحو 220 مليون مستقبل شمي. لكن حاسة التذوق عند هذه الحيوانات أقل قدرة على التمييز مقارنة بالبشر.

غير أن العثور على رائحة تجتذب هذه الحيوانات، التي تعشق رائحة الحيوانات المقتولة على جانبي الطريق أو الجوارب المتسخة أو القيء، ليس بالأمر الهين. ويقول لوغان: "إن المفارقة أن الروائح التي تروق للكلاب والقطط أيضا كثيرا ما ينفر منها البشر".

وتقول ماريون نستلة، الأستاذة الفخرية في التغذية ودراسات الطعام والصحة العامة بجامعة نيويورك: "إن الحيوانات تأكل البراز. فهي تعشق روائح الحيوانات القوية، ولهذا يجد صناع أغذية الحيوانات الأليفة صعوبة بالغة في جعل رائحة الأغذية كريهة بما يكفي حتى تتناولها الحيوانات، لكن ليست مقززة بشدة حتى لا يمتنع أصحابها عن شرائها".

فالمركبان الكيميائيان، بوتريسين وكادافيرين، الذين ينتجان عن تحلل البروتينات، على سبيل المثال، هما المسؤولان عن الرائحة المقززة لتعفن أنسجة الحيوانات، وهذه الرائحة تعشقها القطط. ويضاف هذان المركبان عادة إلى أغذية القطط والكلاب إما في صورة مستخلصات من أحشاء الذبائح أو إضافات مصنوعة في المعامل.

أما في حالة الحيوانات العاشبة، كالأرانب وخنازير غينيا، فيضاف إلى الطعام رائحة النعناع والزعتر الجبلي التي لا تقاوم في صورة مركزات.

أطعمة مستوحاة من المطبخ الياباني

لكن المذاق مهم أيضا، وقد تفضل الحيوانات الآكلة للحوم الكثير من النكهات التي يفضلها البشر.

وثمة إضافات توجد عادة في أغذية البشر، أكثرها شيوعا، البروتين المتحلل بالماء، الذي ينتج عن تكسير البروتينات إلى أحماض أمينية، باستخدام إنزيمات أو حمض هيدروكلوريك. ويضفي هذا البروتين على الطعام مذاقا مشابها لمذاق مرقة اللحم أو الخضروات، وأحيانا يضاف إليه غلوتامات أحادية الصوديوم، التي تكسب الطماطم والجبن ولحم الخنازير الإيبيرية مذاقا مالحا.

ويُنتج البروتين المتحلل بالماء اصطناعيا عن طريق عملية مشابهة لطهي الطعام لمدة طويلة، ويقال إن هذا البروتين هو المسؤول عن الرائحة القوية للكثير من أنواع أغذية الحيوانات الأليفة الجافة.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

صُنّعت أغذية الحيوانات الأليفة الجافة الأولى لتحاكي البسكويت اليابس الذي كان كثيرا ما يأخذه البحارة والجنود في الرحلات البحرية الطويلة

وتقول لوغان: "إن فهم حاسة تذوق القطط يشبه تركيز المطاعم اليابانية أو الآسيوية على الأومامي وحاسة تذوق أخرى تسمى كوكومي (أو المذاق الغني باللغة اليابانية)".

إذ اكتشفت كوكومي في اليابان عام 1989، واقترح أن تكون المذاق السادس لدى البشر، بعد الحلو والحاذق والمر واللاذع والأومامي. وتوصف بأنها ليست نكهة في حد ذاتها، بل شعورا في الفم، أو قواما يمنح للطعام سمكا وثراء. وبعض الأطعمة قد تمنحك هذه التجربة الحسية، مثل المحار وصلصة الصويا ومعجون الروبيان والخميرة والبيرة.

ويقال إن الحيوانات الآكلة للحوم تستشعر المذاق السادس بالمستقبلات في فمها التي تطورت للكشف عن الكالسيوم. وقد شرعت الشركات المصنعة لأغذية الحيوانات الأليفة في استهداف المذاق السادس بتوليفة من الكيماويات المعززة للنكهة.

لكن ثمة نكهات قد لا تجدها في بعض أغذية الحيوانات الأليفة، مثل السكر أو الكربوهيدات، لأن معظم آكلات اللحوم تفتقد للمستقبلات التي تمكنها من تذوقها. فعلى عكس الكلاب، التي تعيش مع البشر وتتناول بقايا أطعمتهم منذ ما يصل إلى 40 ألف عام، فإن القطط المستأنسة تعيش مع البشر منذ نحو 4,300 عام فقط، وكانت تعد لمعظم الوقت نوعا من مبيدات الآفات المجانية التي تبحث عن غذائها بنفسها.

وبينما قد تجد أن الطعام الياباني، الغني باللحوم والأسماك، يجتذب القطط، فنادرا ما ترى قطة تسرق المثلجات أو الفطائر المحلاة، لأنها لم تتطور لديها القدرة على تذوق السكريات.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

الحيوانات الأليفة التي تستهلك كميات كبيرة من الأطعمة المصنعة الغنية بالسعرات الحرارية قد تصاب بالسمنة مثل البشر

وفي المقابل، تفضل الحيوانات العاشبة، التي لا تأكل سوى الخضروات الغنية بالألياف والكربوهيدرات، أغذية الحيوانات الأليفة حلوة المذاق.

وأخيرا، لا تكتمل قائمة معززات النكهة من دون البيروفوسفات، الذي يؤدي عادة أدوار عديدة في أغذية البشر، مثل الحفاظ على لون البطاطس بعد طهيها، لكن هذه الاستخدامات ليس من بينها تحسين المذاق. لكن القطط تعشق هذه المادة، ربما لأنها تعزز نكهة الأحماض الأمينية.

غير أن أغذية الحيوانات الأليفة المصنعة أصبحت شهية إلى حد لا يقاوم. ويقول أندرو نايت، أستاذ الأخلاقيات ورعاية الحيوانات بجامعة وينشستر: "إن القطط والكلاب اليوم تواجه نفس الخطر الذي يواجهه البشر وهو الإفراط في تناول الطعام".

وأشار استطلاع للرأي شمل العاملين بالطب البيطري في لندن إلى أن نحو 51 في المئة من الكلاب و44 في المئة من القطط و29 في المئة من الثدييات الصغيرة تعاني من السمنة. ويقول لوغان: "إن الشركات تحاول أن تجعل أغذية الحيوانات الأليفة مستساغة حتى تتناول هذه الحيوانات الكميات الكافية منها لتحصل على جميع العناصر الغذائية التي تحتاجها. لكن المشكلة أن أصحابها يضعون لها كميات أكبر من اللازم، فهذه الحيوانات لا يمكنها فتح هذه العبوات بنفسها".

وأشار عالمان نيوزيلنديان في عام 2009، إلى أن الآثار البيئية للاحتفاظ بكلب قد تعادل ضعف الآثار البيئية لامتلاك سيارة رياضية متعددة الأغراض متوسطة الحجم.

وقد تسهم معززات النكهة في جعل أغذية الحيوانات الأليفة أقل إيذاء للبيئة. وذلك لأن هذه المنكهات تجعل أغذية الحيوانات الأليفة المصنوعة من عناصر أقل إهدارا للموارد الطبيعية، مثل الحشرات وفول الصويا، مستساغة الطعم للحيوانات الأليفة آكلة اللحوم كما لو كانت تحتوي على اللحم والأسماك.

ويقول لوغان: "أدركت الكثير من الشركات أن تصنيع أغذية أقل إهدارا للموارد الطبيعية سيكون له تأثير كبير على قطاع أغذية الحيوانات الأليفة"، مشيرا إلى أن الشركة التي يعمل لحسابها دشنت نوعا من أغذية الحيوانات الأليفة مصنوعا من الحشرات.

لكن لماذا تعشق حيواناتنا الأليفة هذه الأغذية المصنّعة حد الإدمان؟ ربما لأن حيواناتنا الأليفة، كشأن البشر، تتملكها رغبة لا تقاوم في تناول أطعمة صنعت خصيصا لتكون شهية.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Future