نواف سلام... في الحرب والسلام


في خضم الضوضاء والهرطقات السياسية والقانونية التي يمر بها لبنان، صدر كتاب «لبنان بين الأمس والغد» عن دار «شرق الكتاب» للديبلوماسي ورجل القانون والأستاذ الجامعي اللبناني، نواف سلام، الذي يشغل حالياً منصب قاضٍ في محكمة العدل الدولية في لاهاي، ليعيد تصويب النقاش حول العملية السياسية الانتقالية المطلوبة لاسترجاع مفهوم الدولة غير الممكنة حسب سلام خارج اطار اتفاق الطائف ومن دون «تأمين الشروط اللازمة للانتقال إلى دولة حديثة ومدنية ترتكز على قيم المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية، بدلاً من الطائفية والمحاصصة والزبائنية.

دولة تجسد في جميع الحقول والمجالات من دون استثناء المبادئ العالمية لإعلان حقوق الإنسان، كما نصت عليه مقدمة الدستور المعدَّل بالاستناد إلى الطائف».

«طالبان» تدعو مترجمي التحالف الدولي إلى «التوبة» والبقاء في أفغانستان
بلينكن: سيتقلص وقت صنع السلاح إذا استمرت انتهاكات إيران النووية

للوهلة الأولى قد تبدو مقالات نواف سلام واقتراحاته حول الإصلاح السياسي المطلوب للانتقال الى الجمهورية الثالثة، ضرباً من الخيال إن لم نقل السفسطة، خصوصاً أن الطغمة السياسية والمالية الحاكمة استخدمت المقترحات نفسها بل واستهلكتها وأفرغتها من مضمونها وحولتها إلى شعارات رنانة وفارغة.

في الواقع مطالعة سلام السياسية والقانونية المترسخة في كتابه الأخير هي نقيض الشعبوية الطاغية على الثقافة اللبنانية. فهي تحمل في شقها التاريخي قراءة ناضجة وموضوعية للب الصراع السياسي الذي تمثل في الحرب الأهلية اللبنانية التي انتهت بإقرار اتفاق الطائف الذي يعتبره سلام «جسر الانتقال الى نظام سياسي جديد».

في القسم الثاني من الكتاب الذي يحمل عنوان «السلم والحرب» (عن جذور الحرب ومساراتها في لبنان 1975 - 1990 واتفاق الطائف أو السلام الهش) يعتمر سلام قبعة المؤرخ ويضع أطر الأزمة السياسية الحالية في سياق الصراعات السياسية والحروب الأهلية التي مرت على لبنان وعلى التسوية التي أنهت الاقتتال واسكتت المدافع، لكنها لم تفلح في تأمين الظروف الداخلية والخارجية للانتقال نحو النظام السياسي الجديد المرجو في روحية الطائف.

التشخيص الفعلي للحرب الأهلية من قِبل نواف سلام يركز على العلاقة التكافلية بين الظروف الداخلية والخارجية التي سمحت بتحويل لبنان الى ساحة للصراعات الإقليمية ضمن الصراع العربي - الإسرائيلي والحرب الباردة.

اللافت في تحليل سلام هو رفضه لتبني السردية الشعبية التي تعتبر الحرب الأهلية هي مجرد «حرب الآخرين على أرض لبنان» والتي تنفي المسؤولية عن النظام السياسي اللبناني وصيغة 1943 والميثاق الوطني الذي أدخل لبنان في دوامة من الصراعات المحلية بين المارونية السياسية واليسار والقوى الإسلامية التي طالبت بإصلاحات بنيوية للنظام وقوبلت بالرفض من قِبل الطغمة الحاكمة آنذاك، ما دفع بالأطراف المتصارعة إلى اللجوء إلى الخارج لقلب المعادلة لصالحهم، فكانت الحرب.

مرحلة الاقتتال التي دامت عشر سنوات بين اللبنانيين لم تخل من محاولات إقليمية ودولية لفرض تسوية داخلية لكنها اصطدمت جميعها بتعنت الأطراف اللبنانية والإقليمية احياناً وغياب الظروف الملائمة احياناً أخرى.

فالصيغ الإصلاحية المختلفة التي اقتُرحت خلال الحرب، ومن بينها الوثيقة الدستورية 1976 ومبادئ الوفاق 1980، وورقة لوزان 1984، والبيان الوزاري لحكومة الاتحاد الوطني 1984 والاتفاق الثلاثي 1985، كانت مجرد محاولات فاشلة مهدت الطريق لاتفاق الطائف سنة 1989 حيث تراصفت الظروف الدولية آنذاك فارضة الصيغة النهائية للتسوية السياسية.

فأتى اتفاق الطائف ليمون وفق سلام «صفقة شاملة».

الاتفاق أدخل تعديلات على النظام السياسي و«نجح في احتواء العنف الطائفي، لكنّه عزّز الطائفية» وترك النظام السياسي الهش عرضة للتجاذبات الداخلية والإقليمية التي كانت تدار من قِبل حافظ الأسد الذي عُين وصياً على اتفاق الطائف وأصبح الحاكم الفعلي للبنان بالتعاون مع امراء الطوائف اللبنانية.

عدم تطبيق وثيقة الوفاق الوطني - المعروفة باتفاق الطائف - أبقى لبنان معلقاً وأصاب نظامه الطائفي الزباني بالهشاشة ليصل عام 2019 إلى حافة الهاوية.

القراءة التاريخية والسياسية للحرب الأهلية اللبنانية والتسوية التي انهتها تؤكد على حقائق عدة لا سيما المسار المطلوب من كل الأطراف اللبنانية من أجل الانتقال نحو جمهورية ثالثة «قوية» بمعناها البنيوي وتحصينها بوجه أي هجمة إقليمية قد تحل بسبب قيام أي من الأطراف المحلية باستجلاب الدعم الخارجي لخدمة مشروع آني محلي.

مساهمات نواف سلام في الحركة الفكرية الإصلاحية في عالمنا العربي لا تحصى، لكن كتابه الجديد «لبنان بين الأمس والغد» يأتي ليعيد التذكير بأن رحلة الإصلاح وإنقاذ الكيان اللبناني واستعادة الدولة يجب أن تمر بعملية طويلة ودقيقة تبدأ بتطبيق روح وبنود الطائف، ومن بينها المادة 95، والانتقال نحو نظام سياسي جديد يحترم الانسان ويحصن لبنان من خطر العودة الى ماضيه العنيف.

تاريخ الخبر: 2021-06-07 20:35:05
المصدر: الراي - الكويت
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 56%

آخر الأخبار حول العالم

الولايات المتحدة.. أرباح “ميتا” تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-25 09:24:55
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 68%

توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-25 09:24:51
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 70%

الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة “شنتشو-18”

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-25 09:25:00
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 52%

بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-25 09:24:57
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 64%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية