مباشر من غزة.. ملاك «برج الجلاء» يروون لـ«الدستور » ملحمة إعادة البناء بأيد مصرية

لا يتوقف عطاؤك أبدًا يا مصر، مهما مرت عليك المحن والشدائد، وها هو عطاؤك يمتد خارج حدودك، ويلقى بذور الخير والنماء فى أراضى الأشقاء من حولك، بل فى كل مكان، حتى أصبح العالم كله يتحدث عن جهودك، خاصة فى قطاع غزة، وكيف طببتِ جراح أهاليه ومنحتهم الأمل من جديد.

وبعد مرور نحو شهر على بدء مصر إجراءات إعادة إعمار قطاع غزة، بدأت نتائج هذه الجهود فى الظهور، خاصة مع استمرار إزالة ركام «برج الجلاء»، أشهر وأكبر وأقدم الأبنية فى القطاع، الذى تعرض للقصف والتدمير بشكل كامل، حيث تم إنشاؤه عام ١٩٩٠، بارتفاع أكثر من ٥٠ مترًا، وكان يضم العديد من الشقق السكنية والمكاتب التجارية ووكالات الأنباء مثل «أسوشيتد برس» الأمريكية.

وفى السطور التالية، يتحدث عدد من ملاك وسكان برج الجلاء لـ«الدستور»، عن كواليس إعادة إعمار البناية على أيدى العمال المصريين، وكيف تعيد القاهرة لهم الأمل من جديد فى عيش حياة مستقرة، بعد رعايتها وقف إطلاق النيران، وبدئها إعادة إعمار القطاع، وإحداث عملية تنمية اقتصادية فى غزة، لتنهض بالواقع المعيشى للسكان، وغيرها من التفاصيل. 

حامد:وجود مصر معنا يطمئننا بسرعة الإعمار.. و«وقفة الإخوة» ليست جديدة عليها

كشف حامد جواد مهدى، نجل مالك برج «الجلاء»، عن أن البناية كانت تضم نحو ٣٠ مكتبًا و٣٠ شقة سكنية، وتتكون من ١١ طابقًا، بجانب الدور الأرضى والجراج، مقسمة إلى ٥ طوابق مكاتب تجارية، ومثلها شقق سكنية، والطابق الأخير كان به مكتب وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية.

وقال «حامد»، متزوج ولديه ٣ بنات، إن شقته، التى جهزها فى البرج قبل أشهر من العدوان، تعرضت للقصف، مضيفًا: «أسكن فى الشقة منذ ٥ شهور فقط، وانتهيت من تجهيزها على أكمل وجه، وكنت أحتفل بأننى تمكنت من تجهيزها مثلما كنت أحلم دائمًا، بأن تصبح لدىّ شقة واسعة وأثاث راقٍ أعيش فيه مع أسرتى، ويكون مناسبًا لأولادى» .

ونقل مشاعر السعادة التى عاشها أهالى منطقة الرملة فى غزة، خاصة سكان البرج، عند وصول العمال والمعدات المصرية لبدء عملية إزالة الركام، تمهيدًا لمرحلة إعادة إعماره، قائلًا: «الناس استقبلتهم بكل حب، والعمال والمهندسون المصريون إخوة لنا، وهم متعاونون جدًا معنا».

وأوضح: «الأهالى طلبوا من العمال المصريين أن يسمحوا لهم بالبحث عن أغراضهم بين الركام والأنقاض، وحقيقة المصريون تقبلوا ذلك بصدر رحب، حتى إنهم فى أثناء عملية الإزالة يقومون برفع الأنقاض وفردها على الأرض أولًا قبل وضعها بالشاحنة التى تنقلها بعيدًا، حتى نتمكن من البحث عن أغراضنا».

وقال: «هذه المرة الأولى بالنسبة لى التى أشاهد فيها الإخوة المصريين يساعدوننا فى إزالة الركام على الأرض، وهذا يطمئننا أكثر بأن إعادة الإعمار هذه المرة ستكون أسرع من سابقتها».

وأضاف: «بصراحة كل ما أنتظره الآن هو أن أجد شقتى من تحت الركام، حتى أستطيع إخراج أى شىء يبقى ذكرى لى منها، فجميع ألبومات الصور الخاصة بنا لم أستطع أخذها ولم يسمح الوقت حينها لى بذلك، وكذلك أشرطة الفيديو.. آمل أن أجدها لتبقى لنا ذكرى».

وأعرب عن أمنيته بأن تستمر مصر فى جهودها والضغوط التى تمارسها من أجل تثبيت وقف إطلاق النار، والعمل على استمرار الهدوء فى القطاع، متابعًا: «نتمنى من مصر أن تستمر فى ممارسة جهودها للبدء بإعادة الإعمار، خاصة أننى علمت أن إعادة إعمار البرج ستكون بإشراف مصرى».

وأكد أن مصر تقف مع غزة بشكل دائم، وأن العمال المصريين الموجودين هناك يعملون ويبذلون جهدًا كبيرًا، متابعًا: «الله يعطيهم العافية، منهمكون بالعمل منذ الصباح، وإزالة الركام تتم طابقًا تلو الآخر وليس بشكل عشوائى، ولذلك تأخذ وقتًا يمكن أن يمتد لأسبوعين وأكثر، نظرًا لأنه يتم فصل كل المواد عن بعضها البعض، وتقوم الشركات الخاصة فى غزة بإعادة تدويرها، على سبيل المثال هناك من يأخذ الألومنيوم، وآخر يأخذ الردم والحجارة، وآخر الأسلاك، وهكذا».

وأشار إلى أنه لا يزال ينتظر دوره للذهاب إلى عمليات الإزالة والبحث عن محتويات شقته، مضيفًا: «أتمنى من قلبى أن تبدأ عملية الإعمار بأسرع وقت ممكن، لأن هذا ما سيمنحنا الراحة والطمأنينة، وكذلك أتمنى أن تسهم الجهود المصرية بتثبيت وقف إطلاق النار، وأن تمارس ضغوطها على الاحتلال لإعادة فتح المعابر، لأن الوضع صعب بشكل عام فى غزة».

ووجه الشكر والتقدير لمصر وشعبها على دعمهم الدائم قطاع غزة والقضية الفلسطينية ككل، قائلًا: «أشكرهم على وقفتهم معنا، وهذا ليس بجديد عليهم فنحن إخوة».

واسترجع اللحظات القاسية التى عاشوها وقت تلقيهم أمر الإخلاء، وما تلاها من أيام صعبة، قبل نجاح الجهود المصرية فى وقف إطلاق النار، وكيف حاولوا التجمع مرة أخرى، موضحًا: «استقبلت نبأ تعليمات الإخلاء بعدما انتهيت من صلاة الظهر، فجاءت زوجة أخى مسرعة إلى الشقة، وتقول (إجا إنذار لإخلاء البرج، وضابط الجيش الإسرائيلى يتحدث الآن مع والدك)، فذهبت بسرعة إلى شقته لأتأكد من الأمر، ووجدته صحيحًا، وكان يتحدث معه عن مكان إسقاط البرج فى الأرض الخالية المجاورة له».

وواصل: «نزلت إلى شقتى مسرعًا لإخلاء ما أستطيع، وكانت زوجتى وبناتى الثلاث قد أخلين الشقة واستقبلهم بعض الجيران، وعند نزولى حاولت أن آخذ ما أستطيع حمله، وبالأحرى ما خف وزنه وغلا ثمنه، فكنت أعتقد بكل صدق فى البداية أنه لو تم قصف البرج ستُستهدف شقة بعينها، أو مكتبًا ما مثلًا، حتى إننى عندما أخليت أغلقت الباب بالمفتاح على أمل أن أعود إليها مرة أخرى، فنحن فى كل حرب أو تصعيد نجهز شنطة للأوراق المهمة والذهب وغيرها، ولكن هذه الحرب جهزنا شنطة أخرى لبعض الملابس».

وتابع: «طبعًا بعد الإخلاء ذهبت إلى الشارع، وانتظرت أمام البرج قليلًا حتى أطمئن على خروج والدى، الذى تأخر بسبب ذهابه لكل شقة والتأكد من إخلائها، خاصة أننا وإخوتى نعيش فى ٦ شقق داخله، وبعدها طلب الجيش الإسرائيلى الابتعاد عن المكان، وقصف البرج فى لحظات»، مشيرًا إلى أنه بعدها ذهبوا جميعًا «والداه، و٤ إخوة آخرين متزوجين ولديهم أسر»، بواقع ٣٠ شخصًا، للعيش فى منزل شقيقته إلى حين انتهاء الحرب.

وعن مرحلة بدء التهدئة وانتهاء معاناة القصف، قال إنهم تعرضوا لمعاناة أخرى فى البحث عن شقق، خاصة أنهم يريدون بناية تضمهم جميعًا كما كان فى السابق، على حد وصفه، مضيفًا: «بعد مرور أسبوع ونصف الأسبوع وجدنا عمارة، وسكنت بها أنا وأحد أشقائى فقط، إلى حين تشطيب باقى الشقق لتنتقل إليها باقى العائلة، وهو ما يحتاج إلى نحو شهرين، فشقتى الحالية لا شىء مجهزًا فيها سوى المطبخ، أما باقى الغرف فما زالت تحت التجهيز، وننام بفرش أغراضنا على الأرض».

واختتم: «رغم مرور أكثر من شهر على تدمير البرج، فإن زوجتى ما زالت تبكى يوميًا كلما تشاهد صورًا أو فيديو، نحن نسكن فى البرج من ٢٠٠٨، أى أن جميع الحروب التى عاصرتها غزة بدءًا من ذلك العام، مرورًا بحربـى ٢٠١٢ و٢٠١٤، والحرب الأخيرة، كنا داخله، ولكننا انتقلنا لشقة أكبر وجهزناها حديثًا قبل القصف».

حاتم: العمال استخرجوا مصوغات زوجتى من تحت الأنقاض بحرفية عالية.. وسعادتى لا توصف

أعرب حاتم مهدى، نجل مالك برج الجلاء، عن سعادته بالجهود التى يبذلها العمال المصريون بإعادة إعمار المكان الذى كان مسكنه فى يوم ما قبل القصف الإسرائيلى، مشيرًا إلى أنه حصل على ممتلكات مهمة تخصه كانت مدفونة تحت الأنقاض.

وقال «مهدى» إنه يحب مصر، وتخرج فى جامعة الإسكندرية، وأصبح جميع العمال المصريين أصدقاءه، يتحدث معهم ليتذكر أيامه الجميلة فى مصر، لافتًا إلى أنه متزوج وأنجب ولدًا وابنتين.

وأشار إلى أن المهندسين والعمال المصريين متعاونون جدًا، إذ يرفعون الركام برفق للحفاظ على الأغراض المدفونة، منوهًا بأن عمالًا من غزة يساعدون الأشقاء المصريين فى استخراج القطع المكونة من الألومنيوم والنحاس لإعادة تدويرها.

وأوضح: «يبدأ رفع الركام من أطراف البرج، وعادة تكون هناك مساحة فارغة بين كل طابقين، ٥٠ سم فقط، وعبر هذه الفتحات الضيقة يستخرج العمال المصريون الأغراض المهمة، وهذه الطريقة مجدية فيما يخص الغرف الخارجية، أما الغرف الداخلية فوضعها أكثر صعوبة، لأن هدم السقف يعنى تدمير ما يوجد تحته»، مؤكدًا: «الأشقاء المصريون أقوياء وينجزون المهام فى أسرع وقت».

وقال إن يوم وصول العمال المصريين إلى غزة كان يوم عيد، وإنه لم يكن يتخيل أنه سيصل إلى أنقاض شقته، مشيرًا إلى أن قدرة المصريين على العمل بدقة كانت السبب فى ذلك.

وأضاف: «وجدت مشغولات ذهبية تخص زوجتى، وعطورًا ونحو نصف ملابسنا، ووجدنا ثياب والد زوجتى الراحل، وهى أغراض نعتز بها جدًا»، وتابع: «شعرت بفرحة كبيرة وهاتفت زوجتى لتأتى إلى موقع العمل، وقدمت لها الشبكة أمام أنقاض البرج».

ولفت إلى أن ابنه «يزن» شعر بالفرحة حينما استخرج العمال المصريون جميع محتويات غرفته، التى تضم ملابسه وشهاداته، منوهًا بأن الوصول إلى غرفة البنتين لا يزال صعبًا، لأنها تدمرت بالكامل بعد سقوط السقف.

وقال إن الأمل عاد إلى قلوب أهل غزة من جديد حينما رأوا الأشقاء المصريين حولهم، مشيرًا إلى أنه حضر فى الماضى عمليات رفع أنقاض، ولم يكن متفائلًا لعلمه بأن استخراج الأغراض أمر شبه مستحيل، إذ يعمل المقاولون بسرعة دون الاهتمام بأغراض الأهالى، على عكس العمال المصريين، «تعاملوا مع بيوتنا كأنها بيوتهم».

وأضاف أنه لا يستطيع التعبير عن سعادته بما يفعله رجال مصر «راح أحليهم بكنافة عربية.. اليوم دا أحلى يوم يمر علينا منذ يوم المصيبة.. الأمل دق أبواب قلوب كل الجيران، وينتظرون وصول العمال المصريين إلى أنقاض شققهم حتى يعثروا على أغراضهم».

وعن الذكريات القاسية للحظات قصف برج الجلاء، يقول «مهدى»: «وقت القصف كنت فى البيت، ولم يكن هناك وقت سوى ٢٠ دقيقة لإخلاء المنزل وإخراج أفراد أسرتى، وحاولنا أن نأخذ معنا سريعًا أوراقنا المهمة والنقود وبعض الملابس، ولم نأخذ من كل ذلك سوى شنطتين فقط.. كل ما أقدر أقوله إن الموت أرحم مما حدث خلال القصف.. لكن عدت».

وأضاف: «بعد قصف البرج توجهنا للعيش فى منزل والدة زوجتى، وعانت ابنتى الصغيرة من صدمة عصبية بسبب أصوات القصف، وكانت لا تجلس أو تنام أو حتى تأكل إلا وهى تضع يديها على أذنيها خوفًا من أصوات الصواريخ».

ولفت إلى أنه لا يوجد تعويض حتى الآن من الجهات المعنية لمن تضرروا فى برج الجلاء، قائلًا: «شراء أثاث وأجهزة كهربائية جديدة سيكلفنى نحو ١٥ ألف دولار.. سجلنا بياناتنا فى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ولكن لم يجر تحديد أى تعويضات حتى الآن».

وذكر أن أساسات البرج سليمة، لذا سيعملون على إعادة بناء التصميم القديم نفسه، نظرًا لأن هناك ٧٠ مالكًا للشقق والمكاتب التجارية، لافتًا إلى أنهم لن يوافقوا مجددًا على تسكين وكالات الأنباء، لأن القصف كان يستهدفها لمنعها من نقل الأحداث.

تاريخ الخبر: 2021-06-20 22:22:51
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 56%
الأهمية: 67%

آخر الأخبار حول العالم

نصف مليار حصاد المساهمات في وقفي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-03-29 21:24:29
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 68%

الرياض تستضيف المهرجان السينمائي الخليجي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-03-29 21:24:28
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 67%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية