أمريكا اللاتينية بين سندان الصين ومطرقة الولايات المتحدة


في حين كانت تحظى الصين ذات يوم بمكانة ثانوية في أمريكا اللاتينية، أصبحت اليوم واحدة من أهم الشركاء في المنطقة، فقد توسع حجم التجارة الثنائية من 12 مليار دولار في عام 2000 إلى أكثر من 300 مليار دولار في عام 2020، الأمر الذي أدى إلى رفع حصة الصين من مجموع التجارة في المنطقة من 1.7 في المائة إلى 14.4 في المائة، كما أصبحت الصين أيضا على نحو متزايد مصدرا مهما للاستثمار الأجنبي المباشر في أمريكا اللاتينية، حيث مثلت ما يقرب من 10 في المائة من التدفقات في الأعوام الأخيرة، وفقا لما يرصده فيليب لارين، وزير المالية السابق في تشيلي "2010-14 و2018-1919" أستاذ الاقتصاد في جامعة كاتوليكا دي تشيلي، وبيب زانج المدير المساعد لمركز Adrienne Arsht Latin America التابع للمجلس الأطلسي، مؤلف مشارك لكتاب China-LAC Trade: أربعة سيناريوهات في عام 2035 وLAC 2025: ثلاثة سيناريوهات ما بعد COVID.
لم يمر النفوذ الصيني المتزايد في النصف الغربي من الكرة الأرضية دون أن تلاحظه الولايات المتحدة، وفي غياب إمكانية إعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، يستمر التنافس بين أكبر اقتصادين وأكبر دولتين تجاريتين في العالم في التصاعد على الصعيد العالمي وفي أمريكا اللاتينية.
وعلى المدى القصير، يمكن أن يصبح تسييس إمكانية الوصول إلى لقاحات كوفيد - 19 أحدث محفز لتجدد التوترات الصينية - الأمريكية، وعلى المديين المتوسط ​​والطويل - ربما بحلول عام 2035 - يمكن أن تحل الصين محل الولايات المتحدة باعتبارها الشريك التجاري الأكبر في المنطقة. تعد البلاد بالفعل أهم شريك تجاري للبرازيل وبيرو وتشيلي، حيث تتلقى ما بين 30 إلى 40 في المائة من صادرات هذه الدول.
وفي هذا السياق، يتلخص السؤال الرئيس بالنسبة إلى أمريكا اللاتينية، فيما إذا كانت المنطقة قادرة على التكيف بنجاح مع الديناميكيات التنافسية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، أو حتى الاستفادة منها. لكن الإجابة تظل متباينة وغير واضحة في أحسن الأحوال، ويرجع ذلك جزئيا إلى الاختلافات الكبيرة بين مختلف أنحاء المنطقة.
يجب النظر في الحرب التجارية القائمة بين الولايات المتحدة والصين، التي تصاعدت في آذار (مارس) 2018 في ظل الجولة الأولى من فرض الرسوم الجمركية الانتقامية المتبادلة. على الرغم من تحقيق مصدري فول الصويا في البرازيل مكاسب ضخمة على مدى الأعوام الثلاثة الماضية من خلال استبدال الصادرات الأمريكية إلى الصين، إلا أن دولا وقطاعات أخرى في أمريكا اللاتينية لم تستفد بالضرورة من تحويل التجارة بالقدر نفسه. وحتى في البرازيل، تسود حالة من عدم اليقين بشأن الاستدامة طويلة الأجل لازدهار الصادرات التي أحدثتها الحرب التجارية.
علاوة على ذلك، تعرف العلاقات التجارية بين شمال أمريكا اللاتينية "المكسيك وأمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي" والصين اختلافا ملحوظا مقارنة بجنوب المنطقة، الذي يعتمد على السلع الأساسية. وفي حين استحوذت المكسيك سابقا على فرص إعادة التوريد وتصدير السلع إلى الولايات المتحدة مع تحول بعض سلاسل التوريد خارج الصين، قضت جائحة فيروس كوفيد - 19 على معظم تلك المكاسب، على الأقل بصورة مؤقتة.
قد تكون اقتصادات أمريكا اللاتينية أيضا عرضة للآثار غير المباشرة للحروب التجارية. وعلى المستوى الكلي، تعد المنطقة من بين أشد المناطق تضررا من الجائحة من الناحيتين البشرية والاقتصادية. تمثل أمريكا اللاتينية 8 في المائة فقط من سكان العالم، ومع ذلك فهي تمثل باستمرار 30 في المائة من الوفيات المرتبطة بفيروس كورونا المستجد، وفي عام 2020 عانت أعمق انكماش اقتصادي في أي منطقة نامية. قد يشكل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين بشكل مستمر ضغطا نزوليا إضافيا على الانتعاش العالمي والإقليمي غير المؤكد بالفعل.
وعلى الصعيد الجزئي، تسببت التعريفات الانتقامية والنزعة الحمائية المتزايدة الناجمة عن الحرب التجارية في إلحاق أضرار جانبية بشركات أمريكا اللاتينية. ففي عام 2019، على سبيل المثال، فوجئ مصدرو المكسرات التشيليون إثر قرار الحكومة الهندية بزيادة التعريفات الجمركية للدولة الأولى بالرعاية على المكسرات، ردا على التعريفات الأمريكية الثنائية على واردات الصلب من الهند. أثر هذا القرار في شحنة تشيلية من المكسرات كانت بالفعل محملة على سفينة في طريقها إلى الهند.
ومع مواجهة أمريكا اللاتينية لبيئة دولية قد تكون غير داعمة، وذلك بسبب حالات الانتعاش المتباينة بعد نهاية الجائحة والخلافات التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، يجب على صناع السياسات السعي إلى تحقيق ثلاث أولويات.
أولا، يتعين على دول أمريكا اللاتينية أن تظل يقظة وأن تتعامل بحذر مع التوترات بين الولايات المتحدة والصين بشأن قضايا تراوح بين التجارة والاستثمار وبين تكنولوجيا الجيل الخامس ولقاحات فيروس كوفيد - 19. في الواقع، تعاني المنطقة انقساما شديدا، ولا سيما بين الشمال والجنوب، لذلك، فإن القاعدة الأساسية الوحيدة للاختيار بين الولايات المتحدة والصين "التي يعدها كثيرون انقساما زائفا" يجب أن تتماشى مع الأهداف والاستراتيجيات الإنمائية الوطنية.
ثانيا، تحتاج أمريكا اللاتينية إلى تنويع صادراتها، بدءا من المستوى القطري. إن تبني مزيد من الانفتاح التجاري على مستوى العالم وداخل المنطقة يقلل من الاعتماد على الأسواق الفردية، سواء كانت الولايات المتحدة أو الصين. وعلى الرغم من النزعة الحمائية الواسعة الانتشار "التي تفاقمت بفعل ضوابط التصدير الناجمة عن اندلاع الجائحة"، يمكن أن تلعب أمريكا اللاتينية دورا بناء في تعزيز التعاون التجاري الدولي. على سبيل المثال، تعد تشيلي، التي أبرمت 30 اتفاقية تجارية مع أكثر من 65 دولة، داعمة ومناصرة إقليمية وعالمية للتجارة الحرة.
وأخيرا، يجب أن تستكشف المنطقة طرقا فاعلة لتعزيز قدرتها التنافسية الطويلة الأجل في مجال التصدير. سيكون خفض الحواجز الجمركية وغير الجمركية "بما في ذلك من خلال البنية التحتية والتحسينات التنظيمية" واغتنام الفرص التي أتاحتها الثورة الصناعية الرابعة أمرا حاسما في خفض تكاليف التصدير. لن تساعد التدابير الفاعلة لتعزيز وتسهيل التجارة على التخفيف من آثار تداعيات الحرب التجارية فحسب، بل ستدعم أيضا تنويع الصادرات وتنميتها. يتعين على الحكومات إكمال هذه التدابير من خلال تنفيذ سياسات محلية داعمة لضمان الفوائد التوزيعية للتجارة.
من غير المرجح أن تتلاشى التوترات بين الولايات المتحدة والصين في أي وقت قريب، ولن تتمكن أمريكا اللاتينية من عزل نفسها تماما عن التداعيات. ومع ذلك، من خلال تبني الدروس المستفادة من الأعوام الثلاثة الماضية، يمكن للحكومات والشركات في المنطقة وضع نفسها بشكل أفضل للنجاح على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة وما بعدها.

تاريخ الخبر: 2021-06-21 01:24:21
المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية
التصنيف: إقتصاد
مستوى الصحة: 40%
الأهمية: 39%

آخر الأخبار حول العالم

ضرائب.. 30 أبريل آخر أجل لإيداع الدخول المهنية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-23 15:25:58
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 62%

الأمراض غير السارية تقتل 85 بالمائة من المتوفين المغاربة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-23 15:25:59
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 67%

الأمراض غير السارية تقتل 85 بالمائة من المتوفين المغاربة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-23 15:26:05
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 63%

ضرائب.. 30 أبريل آخر أجل لإيداع الدخول المهنية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-23 15:25:54
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية