أمريكا والقمم الثلاث .. مساع لضبط إيقاع العالم


شهد العالم قبل أيام ثلاث قمم نوعية، فكانت البداية مع قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في منطقة كورنوال جنوب غرب بريطانيا، ثم قمة حلف الناتو في عاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسل، ختاما قمة ثنائية بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين في مدينة جنيف. لكل قمة طابع خاص وحسابات نوعية في مشهد عالمي، يسير على وقع الاستثنائية في كل شيء.
فالظاهر أن العالم، من أقصاه إلى أقصاه، لا يزال حتى اللحظة يبحث عن إيقاع جديد للعمل، بعد أربعة أعوام عجاف دوليا، أتت فيها جائحة كورونا التي حولت الأرض إلى سجن كبير لعدة أشهر، على ما تركه وباء الشعبوية الذي هز بموجه الهادر الفكرة الديمقراطية في معاقلها الأولى "بريطانيا، ألمانيا، والولايات المتحدة الأمريكية".
يراهن من أجل تحقيق هذا الهدف على عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الساحة الدولية، بعد أعوام من معركة تكسير العظام بين واشنطن وحلفائها الغربيين، نتيجة سياسة الانسحاب والانعزال التي تبناها الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترمب طيلة ولايته الرئاسية. وحرص بايدن على التذكير بالعودة الأمريكية في أكثر من مناسبة، وذلك كتأكيد من جانبه على أن الغياب "مؤقتا"، لا يعني مطلقا التنازل عن قيادة العالم.
قمة السبع الصناعية: 3 مواجهات كبرىتعد هذه أول القمم ذات الطابع الحضوري، مند نحو عامين، لقادة الدول الكبرى، بجدول أعمال يتضمن مواضيع "المناخ، الوباء، اللقاح، الديمقراطية..."، تكتسي طابع الاستعجال، قصد إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لضمان الإفلات من شبح أزمة عالمية تلوح في الأفق، خاصة أن أساس هذا التكتل الذي يضم أقوى الدول الصناعية، العمل على التعاون والتنسيق فيما بينها للحفاظ على مصالحه وهيمنته الاقتصادية عالميا، ويضم إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، كلا من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا واليابان وإيطاليا وكندا، وتملك 40 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
انتهت القمة بين زعماء السبع بالاتفاق على ثلاث جبهات للعمل، قصد استعادة التوازن العالمي المفقود. وكانت معركة اللقاح أول المواجهات، فقد تعهد المشاركون في القمة بتطويق الوباء، بنهاية عام 2022، بتوزيع أكثر من مليار جرعة لقاح مضادة لفيروس كورونا. وطرحت القمة خطة تعد العالم للتصدي للجائحة في غضون ثلاثة أشهر، مع الإصرار على توجيه مطلب التحقيق، إلى منظمة الصحة العالمية، في أصول فيروس كورونا.
وجاءت معركة المناخ ثانيا، بدءا باختيار مدنية "كورونوال" لاحتضان القمة، باعتبارها أبرز الأماكن التي تعمل في مجال الطاقة النظيفة، مع رهان بلوغ صفر انبعاث كربوني بحلول عام 2030، إضافة إلى تجديد التزامهم بخفض انبعاث الغازات الدفيئة إلى النصف، بعد عقد من الآن، مع التعهد بتوفير ملياري دولار لمؤازرة العملية الانتقالية نحو طاقة مراعية للبيئة في الدول الأكثر فقرا، ضمن خطة "صندوق البنى التحتية العالمي" كبديل بيئي، ينافس مشروع "طريق الحرير الجديد الصيني". وعدت الاتفاق مبدئيا على فرض ضريبة، نسبتها 15 في المائة، على الشركات متعددة الجنسيات، بما في ذلك عمالقة التكنولوجيا، إنجازا نوعيا للقمة، بعد قبول واشنطن التي كانت ترفض الضريبة.
وحضر التضامن بين "الحلفاء" في الغرب، بإعلان القمة رص الصفوف لمواجهة الثنائي الصيني والروسي، فقد طالبت المجموعة بكين باحترام "حقوق الإنسان" في إقليم شينجيانج، والتوقف عن استهداف النشطاء المدافعين عن الديمقراطية في هونج كونج. ودعت موسكو إلى التوقف عن "زعزعة الاستقرار" في مختلف مناطق العالم، متوعدة بمحاسبة المسؤولين عن تنفيذ هجمات إلكترونية انطلاقا من الأراضي الروسية.
قمة حلف الناتو: اصطفاف خلف واشنطنخطف الرئيس بايدن الأضواء في بروكسل، وسط زعماء الدول الـ30 الأعضاء في حلف الناتو، بقدومه للمشاركة في اللقاء بشكل مباشر، مبشرا بعودة الولايات المتحدة إلى المشهد الأورو ـ أطلسي، بعدما غادره سلفه دونالد ترمب، الذي أخضع علاقات واشنطن لقاعدة الدفع نظير الخدمة، لا فرق لديه بين الأصدقاء والأعداء، فهو صاحب شعار "الحماية مقابل المال".
صحيح أن عودة واشنطن إلى النادي الأطلسي تدشين لصفحة جديدة من علاقتها التاريخية المتميزة مع الحلف، وتصحيح لاعوجاج الإدارة السابقة، كما أنه في الوقت ذاته، تأكيد على حاجة الولايات المتحدة الأمريكية إلى توظيف الناتو لخدمة مصالحها المختلفة، وتجنيده في قلب أجندات الصراع الأمريكي عالميا، خاصة في إطار التوترات الراهنة مع روسيا والصين، كما جاء على لسانه، "أعتقد أنه خلال العامين الماضيين، أصبح هناك إدراك متزايد أن لدينا تحديات جديدة. لدينا روسيا التي لا تتصرف بالطريقة التي كنا نأملها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصين". ما دفعه إلى التذكير بمبدأ أساس من مبادئ الحلف، "إن الناتو شديد الأهمية للمصالح الأمريكية، ولو لم يكن موجودا لوجب علينا إيجاده".
لم يتردد الحلف في مسايرة إيقاع التصعيد بين الكبار، بإعلانه الوقوف خلف واشنطن في معاركها، فقد شدد الأمين العام للحلف على ضرورة تكاتف أوروبا مع أمريكا الشمالية، لمواجهة التحديات الأمنية التي تطرحها روسيا والصين. بذلك تكون أمريكا هي الفائزة، وليس الحلف، في هذه القمة التي جددت الوفاء للأجندات الأمريكية. يحدث هذا في تجاهل تام لاشتباك مصالح بعض الدول الأعضاء مع "الدول الأعداء"، فلدى ألمانيا مثلا خط أنابيب الغاز مع روسيا "نوردستريم"، وبين تركيا وروسيا صفقات سلاح تشكل مصدر إزعاج لواشنطن.
سقطت كل هذه المعطيات من جدول أشغال القمة الذي طرح رؤية "ناتو 2030" التي فصلت محاور خريطة طريق الحلف في الأعوام العشرة المقبلة، وحذرت من مخاطر الصعود الصيني، وما تمثله روسيا من تهديدات. وطرحت لأول مرة، في تاريخ الناتو، ضرورة الاهتمام بالتأثير الأمني للتغير المناخي، إذ سيقوم الحلف بإجراء تقييمات دورية لوقع هذا التغيرات المناخية على العمليات العسكرية للناتو وعلى منشآته وبعثاته، مع دمج التغير المناخي في مناورات الحلف ومشترياته، وعمله الدفاعي بصفة عامة.
بايدن - بوتين: قمة لم تخاطب العالمختم الرئيس الأمريكي جو بايدن جولته الخارجية بلقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، للمرة الأولى منذ تولي منصبه، في قمة جنيف التي أعادت إلى الذاكرة زمن 1985، مع قمم الحرب الباردة بين الرئيس الأمريكي رونالد ريجان والزعيم السوفياتي ميخائيل جورباتشوف. وإن كان البون شاسعا بين القمتين، ولا سيما على مستوى النتائج التي لا تهم كثيرا الطرفين، فعلى ما يبدو أن مجرد اللقاء في حد ذاته إنجاز بالنسبة إليهما.
وهذا ما تكشف عنه عبارات التهكم والنقد الحاد المتبادل في اللقاء بين الطرفين، فبعد أن حذر بايدن بوتين من "عواقب مدمرة"، إذا مات أليكسي نافالني زعيم المعارضة المسجون في السجن، رد بوتين متهكما بشأن حقوق الإنسان في الولايات المتحدة، وانتقد التعامل العنصري ضد السود، وأشار إلى حادثة اقتحام المتطرفين مبنى الكابيتول مطلع العام الجاري.
واتفق الرئيسان على استئناف محادثات الحد من التسلح، وإطلاق حوار شامل، وعودة سفيريهما إلى العمل. ومن الإنجازات البارزة الاتفاق على تشكيل لجنة من الخبراء، لبحث الأمن السيبراني "الإلكتروني"، وهي خطوة مهمة، فهذا النوع من الهجمات مصدر للخلاف وتبادل الاتهامات بين الطرفين، وأوضح بايدن أنه حدد 16 كيانا أمريكيا حساسا، حذر بوتين من التعرض لها، مع التمديد لمعاهدة ستارت الخاصة بالأسلحة النووية ثلاثة أعوام أخرى.
ما دون ذلك، لم تقدم القمة أي شيء لبقية العالم ما عدا إشارات إيجابية مفادها الانحياز للتهدئة، بشأن الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، خاصة أن القمة تأتي من دون لقاءات تمهيدية على مستوى الوزراء وكبار المسؤولين، وفي أجواء من ضعف الثقة المتبادلة، وحتى عدم التقبل الشخصي بينهما.
ثلاث قمم في غضون أسبوع تكشف عن مدى عزم الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس جو بايدن على إعادة واشنطن إلى صدارة المشهد العالمي، وقد يشكل تدبير مرحلة ما بعد جائحة كورونا فرصة مواتية لنسج خيوط قصة نجاح أمريكي جديد، بيد أن تعقد وتشابك معطيات الواقع العالمي الجديد يجعلان هذا الحلم عصيا على التحقق.

تاريخ الخبر: 2021-06-21 01:24:25
المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية
التصنيف: إقتصاد
مستوى الصحة: 43%
الأهمية: 40%

آخر الأخبار حول العالم

عودة الثلوج بأوكايمدن تدخل البهجة والسرور في النفوس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-29 15:26:45
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 54%

سلوكيات فردية خاطئة وراء اضطراب النوم في رمضان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-29 15:26:37
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 60%

سلوكيات فردية خاطئة وراء اضطراب النوم في رمضان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-29 15:26:31
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 61%

"البريمرليغ" تقرر منع "حاملي الكرات" من إعادة الكرات للاعبين

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-29 15:27:29
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

نقابة تستنكر التضييق على أطر التخطيط التربوي  في سيدي إفني 

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-29 15:26:24
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 53%

"البريمرليغ" تقرر منع "حاملي الكرات" من إعادة الكرات للاعبين

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-29 15:27:28
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 65%

عودة الثلوج بأوكايمدن تدخل البهجة والسرور في النفوس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-29 15:26:40
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية