الملوخية والتغيير


شعوب العالم تهتم بتراثها، ومفرداتها الثقافية التي تأتي عبر العصور، وترسخ في الوجدان الجمعي وفي الأطر الثقافية لتكون معالم تراثية، وفلكلورية، تفهمها الأجيال، وتحتفي باستخدامها واستحضارها. والعرب كما يقول أهل الأدب أمة شعر، وأمة ذاتية عكس بعض الأمم الأخرى، الذين تميز إنتاجهم الخطابي الثقافي بالموضوعية بعيدا عن الذاتية، وهذه من سمات الآداب الحديثة، والمعاصرة، ومن مميزات بعض الأجناس الأدبية مثل القصة، والرواية، والفنون السردية الأخرى. لدينا في المملكة العربية السعودية أشعار تشتهر ويتناقلها الناس، وتأتي في بعض الأحيان عميقة ومركزة، وبعيدة الدلالة، من ذلك بيت شعر استوقفني في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي غير معروف لي أنا على الأقل قائله، ولم أبحث بصورة جدية لمعرفة مَنْ قاله، وما المناسبة، لأنني ببساطة تلمست كل الصور والمعاني والرسائل التي حملها هذا البيت. وودت أن أتفاعل معه بحسب ما لدي من أدوات متواضعة. البيت باللهجة الشعبية ومفهوم لكل السعوديين، والسعوديات في ظني. ويقول:

يرزقني اللي رزق مرزوق...ددسن عرواي ومصرية


من أول يأكل المرقوق... واليوم يأكل ملوخية

هذان البيتان على قصرهما، وتركيزهما يخبآن خلفهما حكاية طويلة، هي في الأصل حكاية مواطن على باب الله، يتضح من سياق البيت أنه ضعيف الحال، قليل الحيلة. بدليل أن الشاعر يقول: إن مَنْ رزق هذا الفقير المعدم لا شك سيرزقني، وأنا ربما أفضل حال، وحيلة منه. البعد الآخر في صدر البيت الأول يحيلنا على الأسماء واستخدامها في الثقافة الشعبية العربية السعودية، فبعض الأسماء تطلق على مَنْ لا يحملونها، بل مَنْ يحملون صفات حميدة، ونبيلة، مثل أن ينادى شخص اسمه أحمد على سبيل المثال باسم مطلق، أو مشبب، أو مفلح وهذ الاستخدام الرمزي يشير إلى أن مَنْ تطلق عليهم هذه الأسماء الوصفية مباركون، أو بارون بأهلهم في الغالب. وننتقل إلى جزئية أخرى في هذا النص القصير، المركز هذه الجزئية تكشف بساطة الناس، ومحدودية تطلعاتهم من حيث بساطة الأمور، التي يتوقون إلى تحقيقها في حياتهم، فما حصل عليه مرزوق ذلك الإنسان البسيط المبارك، والبار بأهله غالباً، مجرد سيارة بيك آب من نوع داتسون، المعروفة في المملكة بوارد عراوي. وهذه الجزئية في النص الشعري تحيله إلى نص سردي حكائي بامتياز، حيث تبرز فيه الشخصيات، خاصة شخصية مرزوق، الذي يحق لنا عند مقاربة النص أن نقول إنه بطل النص، ثم نتلمس بوضوح الزمن، أو الحقبة الزمنية في موضوعين الأول فترة السبعينيات من القرن الماضي، التي انتشرت فيها ماركة سيارات الداتسون العراوي، كما أن هناك تلمسا للزمن أيضاً في الإشارة إلى أن الرجل الضعيف الحال، الكبير الحظ بطل النص الشعري، وبطل الحكاية المختبئة وراء النص، تزوج من خارج المحيط المجتمعي، وكان نصيبه في سيدة مصرية من بلد شقيق، وهنا بروز لخصية جديدة، وملمح من ملامح النص السردي المتواري خلف أبيات معدودة من الشعر. وبالمناسبة هذه الإشارة تحمل دلالة زمنية تحيلنا إلى نفس الفترة، التي عرفت فيها سيارات الداتسون، أي مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وهي ذات الفترة التي شهد فيها المجتمع السعودي، حالة تغير اجتماعي أصبح من المألوف أن يتزوج السعوديون من مواطنات عربيات، وأجنبيات. الشطر الثاني من البيت مركز بجليته على حالة التغير، التي طرأت على حياة البطل مرزوق، وبطبيعة الحال هي حالة عامة من التغير شهدها المجتمع السعودي بأسره، في المناطق النائية، وفي المناطق الحضرية، والمدن وهو دخول بعض الأكلات والعادات الغذائية الجديدة على المجتمع، وهذا من قبيل رصد للتغيير، الذي مر به المجتمع، ولكنه في هذا البيت تركز على مرزوق، الذي كان لا يعرف سوى أكلة المرقوق، وهي عبارة عن لحم يطبخ في المرق، ويوضع عليه عجين ويترك لينضج في المرق ليؤكل وهو ما بين السائل والمتماسك. بعدها أصبح مرزوق يأكل الملوخية ولعل ذكر الملوخية هنا إشارة لأكلات، وربما لعادات جديدة دخلت لحياة السعوديين والسعوديات مع التطور، الذي مرت به بلادهم.

@salemalyami
تاريخ الخبر: 2021-07-18 14:38:36
المصدر: اليوم - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 45%
الأهمية: 64%

آخر الأخبار حول العالم

صباح الخير يا مصر

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-04-23 09:21:32
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 55%

"طق الأبهر" إجراء غير طبي يؤدي لكسور في العظام وتمزق في العضلات السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-23 09:23:32
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 70%

توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-23 09:24:42
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 53%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية