كتبتُ قبل عدة أشهر في صحيفة «الرياض»، عن موضوع القبول في الجامعات السعودية، والمشكلات التي يعاني منها الطلاب، في الحصول على فرصة الالتحاق بالتخصصات الأكاديمية التي يرغبون في دراستها، والمنافسة العالية، والمقاعد المحدودة، وتزايد أعداد الخريجين السعوديين من الثانويات العامة، تبعاً للنمو السكاني.

سابقاً، كانت أرقام خريجي الثانويات أقل، واشتراطات القبول في الجامعات ليست بالصعبة، إنما مع ارتفاع معدلات الطلاب في المدارس العُليا، والوعي الأسري والفردي بأهمية التعليم، جعلا المنافسة تنمو بين الخريجين. ورغم أن الحكومة افتتحت عدداً أكبر من الجامعات والكليات، إضافة لدخول القطاع الخاص كشريك في التعليم عبر عدد من المؤسسات الأهلية، إلا أن المقاعد المتاحة لا تزال غير قادرة على استيعاب أعداد الطلاب، خصوصاً في التخصصات الأكثر مرغوبية كالطب والهندسة مثلاً.

رؤية 2030، اهتمت بدورها بالتعليم، واعتبرته رافعة رئيسة لها، ودون تحقيق جودة في مخرجات المؤسسات الأكاديمية، تنافس مثيلاتها المرموقة في الدول المتقدمة، لن يكون هنالك سعوديون على قدرٍ كبير من المهنية والكفاءة، وبالتالي ستكون ضرورة مستمرة للاستعانة بالخبرات الأجنبية، وهي رغم أنها لن تنتفي الحاجة لها بشكل نهائي في يوم ما، وفي أي مجتمع، إلا أن المهم أن تكون الخبرات الأجنبية في حدودها الدُنيا، وفي القطاعات التي لم توطن بسبب افتقاد المتخصصين المحليين.

من هنا، ولتحقيق أهداف رؤية 2030، يجب أن يرتفع مستوى مخرجات الجامعات والمعاهد، وأن تتناسب هذه المخرجات مع الاحتياجات المستقبلية لسوق العمل، في تخصصات مثل: الذكاء الاصطناعي، وعلم الجينات، والبرمجيات الدقيقة.. وسواها.

كثيرٌ من الخريجين، مدفوعون بالرغبة الذاتية من جهة، وأمنيات العائلة من جهة أخرى، وطموح المشاركة في بناء الدولة المدنية الحديثة، وحيازة مستقبل آمن ومستقر ومزدهر.. في سبيل ذلك، بذلوا جهداً كبيراً، جسدياً وذهنياً ونفسياً وحتى مالياً. إلا أن المشكلة التي تتكرر كل عام، لدى قطاع منهم، هو عدم قدرتهم على الحصول على مقعد جامعي في التخصصات التي يريدونها، لعدة أسباب.. فكل حالة ولها وضعها الخاص.

الحديث هنا ليس عن أصحاب المعدلات الضعيفة، بل حتى المتفوقين، تجد بعضهم لا ينال فرصته التي أمضى سنوات وهو ينتظرها.

من بين هذه المشكلات، مسألة عدم قبول طلاب بعض المناطق في مناطق أخرى غير تلك التي هي مسقط رأسهم أو محل إقامتهم، بحجة أن بعض الجامعات أو الكليات تشترط أن يكون المنتسبون لها من أهالي المنطقة فقط، أو تكون الأولوية لأبناء المدينة التي تقع فيها المؤسسة الأكاديمية.

مشكلة هذه السياسات الإدارية في بعض الجامعات، أنها استوردت من تجارب خارجية، دون أن يتم التدقيق بشكل تام في مدى ملاءمتها البيئة المحلية السعودية، وهل تتوافق مع مخرجات التعليم وسوق العمل أم لا؟ هنالك مجتمع في طور النهوض الآن في المملكة، وهنالك وعي متزايد بأهمية التعليم، وفي ذات الوقت منافسة تشتد، ولذا من المهم أن يكون هنالك عمل بمبدأ «تكافؤ الفرص» بين الجميع، وأن تكون الجامعات في مختلف المناطق متاحة لجميع المواطنين، متى ما حققوا النسب الأكاديمية المطلوبة. لأنه ليس من المنطقي أن يجلس الطالب المتفوق في منزله، فيما المقعد الذي يريد الحصول عليها، لا يمكنه اقتناصه لأنه من مدينة أو محافظة أخرى!

بعض المناطق، التي تحتاج لتنمية علمية، وتشجيع قاطنيها على الالتحاق بالجامعات، يمكن أن تكون هنالك أولوية لسكانها، وفق نسبة محددة، دون أن تكون مقصورة على أبناء تلك المدينة أو المحافظة وحسب، وإلا تحولت هذه الكُليات إلى مؤسسات تفتقد التنوع الاجتماعي والثقافي، وتنعدم فيها المنافسة، ويطغى عليها نمط واحد رتيب أكاديمياً وفكرياً، وهذا على التضاد مما تهدف إليه رؤية 2030، التي تروم رفع مستوى التعليم وترسيخ التنوع الثقافي والتداخل بين أفراد المجتمع السعودي.