كيف ساعدت جيهان السادات بنات «أنور» وزوجته الأولى؟

 

لم تكن سيدة عادية من مصر، ورغم ذلك حملت مذكراتها عنوان «سيدة من مصر». تبدأه- كأى سيدة فى قرية أو حارة مصرية حين تروى قصتها- بفصل عن موت زوجها.

كان «٦ أكتوبر ٨١» يومًا فاصلًا فى حياتها، يمكن أن ينقسم فيه العمر إلى «ما قبل» و«ما بعد»، فالذى مضى كانت فيه أول «سيدة أولى» ترافق الرئيس وتطلُّ على الحياة السياسية، وتمارس دورها على الطريقة الأمريكية.

كانت جيهان السادات سيدة حرب وسلام أيضًا، وملكة بالفطرة. تسير على كوبرى عباس بالجيزة مع أنور ليلة ثورة ١٩٥٢، ويحاول عرَّاف أن يقرأ كفها، أخرجت له القرش الباقى فى جيبها، وبدأ يقرأ.«تفرّس فى يدى بعناية ثم نظر إلى عينى، وقال: ستصبحين سيدة مصر الأولى، لم تكن تلك الصفة موجودة، وسألت العراف: هل سأكون الملكة؟»، فأجاب: «معرفش». ضحكت وضحك السادات، فهى لا تؤمن بالسحر، رغم أن عماتها وأختها كنّ يعتقدن بأهميته وسطوته، ويذهبن لقارئة الفنجان ويوشوشنَ الودع، لكن واقعة «العراف» كانت إشارة إلى انقلاب كبير فى حياتها، وحياة السادات وزوجته الأولى وفتياته.

لم تعد الفتاة الجميلة فقط، إنما سيدة الأقدار والمعارك. والأكثر من ذلك أن الزواج جعل منها «زوجة أب» أيضًا.

عاشت متقشفة: «لو عنده 14 عيل هتجوزه»

تخيَّلت جيهان السادات، وهى تؤلف مذكراتها، أنها ستكون كتابًا صغيرًا عن زوجها وحياتهما معًا، ودون أن تدرى تحوّل كتاب اليوميات الصغير إلى مذكرات تؤرِّخ لمصر فى عهد ثرى، بدأ بحرب وانتهى بأشهر حادث اغتيال، والرجل الذى دفع حياته ثمنًا للحرب والسلام والغارات على «طيور الظلام» من الجماعات الإسلامية، كان زوجها.. أنور. 

نحن الآن فى عام ١٩٤٨. خرج الضابط أنور السادات من السجن بعدما كان متهمًا بتدبير وقيادة هجمات على مسئولين موالين لبريطانيا، واغتيال أمين عثمان، وزير المالية المصرى، وكان سجلُ سوابقه حافلًا بسنوات الاعتقال والسجن والنضال من أجل الحرية، رغم أنه ضابط يعتقد فيه الجميع أن يلبى الأوامر العسكرية «دون نقاش»، لكن أنور كان مختلفًا، خرج من السجن وفى إحدى الإجازات التى قضاها بالسويس، قابل جيهان صفوت رءوف.

فتاة لا يتعدّى عمرها ١٥ عامًا، جميلة، وشقراء، ولها عِرق أجنبى يمتد لأمها البريطانية، غلاديس تشارلز كوتريل، التى قابلها والدها فى إنجلترا حين كان يدرس الطب بجامعة شيفلد، وتزوجها، وأنجب ٤ أبناء. يحكى الضابط طيار حسن عزت، الصديق المقرب من السادات وشريكه فى قضية اغتيال أمين عثمان، الذى وصفه فى مذكراته «البحث عن الذات» بـ«ضميرى»، أنه كان يستضيف جيهان ووالدها، الذى تربطه به صلة قرابة، فى السويس، وزاره السادات- بالصدفة- ليقابلها لأول مرة. 

ويقول لمجلة «اليمامة» المتوقفة عن الصدور «فى العدد ١٦٧٣»: «لم تكن جيهان مخطوبة لأحد، رغم أنها رائعة الجمال، ولكثرة حديثى عن بطولات أنور السادات وحياته فى السجون والمعتقلات، اهتمت الآنسة الصغيرة بتاريخ كفاحنا الطويل (أنا وهو)، وهكذا أقام الاثنان عندى عدة أشهر، وألف الله بين قلبيهما، واتفقا على الزواج وأنا لا أعلم شيئًا».

كان شقيق الطيار حسن عزت يطلب يد جيهان من والدها هو الآخر، وكان أخى يتقاضى (١٢٠ جنيهًا)، ويمتلك سيارة (كرايزلر)». لاحظ الطيار أن والد جيهان يميل إلى شقيقه «على» على حساب أنور السادات، فذهب حسن إلى جيهان وقال لها الحقيقة، التى خاف أن يكون أخفاها عنها: «أنور عنده ٣ بنات ولا يملك من الدنيا شيئًا ويكتب بعض المقالات فى مجلة (المصور) ويتقاضى ١٥ جنيهًا شهريًا لا تكفى للسجائر ومصروف بناته». تسمع جيهان، وتقول: والله العظيم يا أبيه حسن، حتى لو عنده ١٤ عيل هاتجوزه. وبدأت الترتيبات للقاء الأول بين «العريس المنتظر» والأسرة. السادات كان مفصولًا من وظيفته، وجيهان تعيش فى حى راق للطبقة الوسطى، وتعرف أن مستواه المادى والاجتماعى أقل من أسرتها بكثير. طلبت منه أن يكذب على أبيها، لكن «أنور رفض».

لم تمنع الرئيس من الإنفاق عليهن

الوجه الخفى فى حياة جيهان السادات هو وجه «زوجة الأب». القيود التى تفرضها الحياة السياسية على العائلات الحاكمة ألزمت الجميع بـ«صمت القصور» والامتناع عن رواية الحكايات والمواقف الشخصية، لكن معلومات وشائعات وقصصًا مفبركة كانت تتسرّب من وراء أبواب القصر الرئاسى لتكشف جانبًا إنسانيًا لدى «جيهان».

الأوضاعُ الصعبة التى مرّ بها «أنور» أجبرته على الانقطاع عن نفقة أطفاله، فلم يكن يرسل لزوجته أى أموال، حتى إنها لاحقته بدعوى «نفقة»، وحكمت لها المحكمة، وعندما علم بأنها ستقيم دعوى أخرى، طلب منها ألا تفعل، وبدأ يرسل لها أموالًا بانتظام، على أن يلبى احتياجات الأسرة كلها «حين تسمح الظروف».

ليس صحيحًا أن جيهان منعت الرئيس الراحل من زيارة إقبال وبناته: «كان يتردد من آن لآخر، ويصطحبهنّ لشراء بعض المستلزمات الضرورية، إلا أنه لم يكن يبدو عليه أى شىء يُنبئ بأن هناك شيئًا ما سوف يحدث قريبًا فيما يخصّ الثورة.. فقد كان كتومًا كعادته وطباعه، وعندما كن «البنات» يعاتبنه بسبب قلة تردده عليهنّ كان يقول لهنّ: «لدىّ بعض الظروف الصعبة الخاصة بالعمل»، كما يروى حسن عزت. كان الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل يضع نفسه فى صورة واحدة مع الرؤساء، إن لم يكن صديقًا، فليكن عدوًا، وما أفضل من أن تكونَ صديق الرجل الأول سوى أن تكون عدوه الوحيد، وادّعى فى كتاب «خريف الغضب» أنّ «عائلة السادات بأكملها كانت تعيش فى شقة واحدة، وأن الأولاد والبنات الأشقاء وغير الأشقاء كانوا يتكدّسون فوق بعضهم البعض ويعيشون حياة غير آدمية»، ولم يكن ما يقوله حقيقيًا. ويروى «عزت» أن «إقبال ماضى- مطلقة السادات- بقيت فى منزل والد أنور بحى القبة، ذلك المنزل المكوّن من طابقين، وتحوطه حديقة واسعة، أحد الدورين كان يقيمُ فيه والد أنور وأم أنور، والزوجة الثانية، والطابق الآخر تقيم فيه إقبال وبناتها، وكان المنزل كبيرًا حتى إنه تحول إلى مدرسة، وكانت ملحقة به مضيفة كبرى كانت مخصصة لضيوف السادات من الضباط الذين يشاركونه العمليات السرية ضد الإنجليز».

 

اشترت لابنته طلبات خطبتها.. حضرت للمستشفى حين مرضت.. وزارت زوجته الأولى

٧ سنوات مرّت على زفاف أنور وجيهان، وآن أوان خطبة رقية «ابنة السادات من زوجته الأولى». وفى عام ١٩٥٦، بدأت الاستعدادات لحفل الخطبة. 

ولأن أنور كان مشغولًا، طلب من جيهان أن تخرج رفقة ابنتيه، رقية وراوية، لشراء طلباتهما، وبعدما دارت معهما على المحال، وأبدت رأيها فى كثير مما جربتاه من أزياء وما يليق من ألوان وما لا يليق، اشترت لهما كل ما أرادتا، ثم أوصلتهما إلى منزلهما، الذى تقيم به السيدة إقبال، زوجة السادات الأولى. 

ألحّت البنتان عليها لتصعد إلى الشقة، وكانت مفاجأة لإقبال حين وجدت أمامها.. جيهان.

كان اللقاء الأول بين زوجة حالية وزوجة سابقة، تكرر ٣ مرات أخرى، وزارتها مرتين. فى إحدى المرات، نُقلت راوية السادات إلى المستشفى فى حالة سيئة للغاية، وفوجئت السيدة إقبال بـ«جيهان» مسرعة فى ممر الطوارئ، ووراءها أنور وشقيقه الطيار عاطف، الذى استشهد فى حرب أكتوبر ١٩٧٣.

كانت العلاقة بين جيهان والزوجة الأولى للسادات متوترة، وتحكى إقبال، فى حوار سابق مع مجلة «اليمامة»، أنها أجرت جراحة دقيقة و«حضر أنور إلى المستشفى طوال الجراحة، وعاد إلى بيته متأخرًا، وعرفت أن جيهان سألته عن سبب تأخره فسرد لها ما حدث، وحدثت بينهما مشاجرة كبيرة، حتى إنه ترك لها البيت، وبعد هذه الواقعة حاولت جيهان أن تجعل بناتى يقمن معه تجنبًا لتردده علىَّ أو سؤاله عنى، لكنها لم تستمر فى تلك الضغوط».

تاريخ الخبر: 2021-07-20 17:23:27
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 68%

آخر الأخبار حول العالم

الإبراهيم: إستراتيجياتنا تحدث نقلة اقتصادية هيكلية - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-25 03:23:44
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية