مما ذكرته سابقاً حول الاهتمام بالهيكلة، أن القيادات تولي عنايتها بها باعتبارها الأداة الأبرز للتغيير. فمن الأيام الأولى لتولي قيادة جديدة، تكون الهيكلة أُولى الأدوات التي تساعد في فك شيفرة المؤسسة.

ومع أن الهيكلة لديها ما تقوله عن المؤسسة، إنما هي تسكت عن أشياء خارج نطاقها، إذا أغفلت، تكونت لدى القيادة صورة منقوصة. فبالنظر إلى الهيكلة، يُعتقد عادة أن خريطة القوى المؤسسية مستودعة فيها، والأمر ليس كذلك.

من الأمور التي يهتم بها القائد الجديد هو وضع يده على مواطن القوة والضعف في مؤسسته الجديدة. ولأن القيادة الجديدة عادة مهتمة بالتغيير، فإن عليها أن تفهم الخريطة السياسية للمؤسسة قبل البدء في التنفيذ. فإذا كانت المؤسسة مليئة بمتنفذين يفضلون الحفاظ على الوضع القائم لاعتقادهم أنه يخدم مصالحهم الشخصية، فسيواجه القائد الجديد مقاومة للتغيير على أكثر من مستوى. لذلك يبحث القائد في المئة يوم الأولى عن ملامح المؤسسة التي تعينه على التغيير، ومنها بالتأكيد معرفة السلطة ومن يملكونها.

إذا اختزل القائد السلطة المؤسسية في الهيكلة، فيكون قد بدأ بخطئه الأول الذي قد يكلفه كثيراً. بالاتكال على الهيكلة وحدها يكون قد أغفل عنصرين آخرين لا يقلان أهمية، وهما: الصلاحيات الرسمية والسيطرة على الموارد. بمجرد النظر إلى الهيكلة وما يتعلق بها من أنظمة ولوائح، يصعب استنتاج الصلاحيات أو السيطرة على الموارد. فقد تعطى إدارة ما موارد دون صلاحيات أو صلاحيات بغير موارد، أو تخلو إدارة في الهيكلة من كليهما.

إنما لو تبينت له الصورة كاملة كما يجب بناء على توزيع الموارد ومن يسيطر عليها والصلاحيات ومن يمنحها، فإنه سيواجه تحديين مهمين إذا أراد أن يبدأ بعملية التغيير. التحدي الأول هو الموازنة بين متطلبات التغيير ومتطلبات العمل اليومي. إذا كان العمل جارياً على نمط معين وكان هذا العمل هو عصب المؤسسة فالحذر في تغييره يستوجب عدم تعطيل العمل اليومي أو الإخلال به، بحيث لا تعترض عمليات التغيير ما يجب إنجازه يومياً. التحدي الآخر متعلق بالأول، وهو مواءمة أولويات العمل مع أولويات التغيير. ولإدارة هذه الأولويات، على الإدارة الجديدة أن تضع يدها على مواضع الخلل لإصلاحه باعتباره أولوية خصوصاً إذا كان الخلل في عمل المؤسسة الرئيس.

سيكون على القائد أن يتأكد من أمرين لإنجاح التغيير الذي يسعى إليه، أولاً اختيار الوقت المناسب للتغيير بعد تحقيق التوازن المنشود بين الأولويات؛ ثانياً التأكد أن التغيير لا يضر بالأعمال المنفذة من حيث الجودة أو سرعة الإنجاز. ولتحقيق الأمرين، على القائد أن يستعين بمن لديهم الكفاءة والرغبة في التغيير، فإذا كانت المؤسسة تفتقد من لديه هذه الخصائص فإن عليه أن يوجدهم.