لطالما مثَّلت الانقلابات لحظات مفصلية في تاريخ البلدان المغاربية وساهمت ناجحة كانت أم فاشلة في إعادة تشكيل وجه السياسة داخل تلك البلدان.

واستخدم السلاح في الاستحواذ على الحكم وتحريك آلات القتل المسلَّحة التي من المفترض أن مكانها لا يتعدى حدود الثكنات أو جبهات الدفاع عن الأرض من هجوم العدو الخارجي، نحو آلات لتثبيت كراسي السلطة والاستحواذ على مؤسسات الدولة، إذ عانت المنطقة المغاربية من هذا الأمر الأمرَّين، في هذا المقال نستعرض أبرز الانقلابات التي عرفتها تلك البلاد.

المغرب.. عن انقلاب الصخيرات الفاشل!

عرف المغرب محاولتين انقلابيتين فشلتا بأعجوبة، وحتى اليوم لا تزال تكتنفهما الكثير من الأسرار والألغاز التي لم تفكَّ بجواب إلى اليوم. بداية بتلك التي حصلت سنة 1971 بمدينة الصخيرات الساحلية، حيث هاجم فصيل من الطلبة العسكريين الإقامة الملكية تزامناً مع يوم عيد ميلاد الملك الحسن الثاني. قائدا الانقلاب كانا أحد أكثر الرجال الموثوقين لدى الملك، أولهما كان الجنرال المذبوح الذي سبق وقلَّده رئاسة حرس الديوان الملكي.

كان المذبوح مقرباً جداً من الحسن الثاني، هذا ما تذكره لنا الكتابات عن تلك الحقبة، لكن فكرة التآمر عليه "أتت بعد فترة تردد طويلة، لأنه استاء من بعض سلوكياته تجاه محاربة الفساد"، يقول المحجوب الطوبجي مؤلف كتاب "ضباط صاحب الجلالة". فيما كان يحتاج إلى قوة كاسحة لتنفيذ تلك الخطة، هكذا أشرك الكولونيل اعبابو، رئيس مدرسة أهرمومو العسكرية، في المؤامرة، لما يجمعهما من نفس الانتماءات القبلية.

في 9 يوليويوليو/تموز 1971، أخبر الكولونيل اعبابو ضباط الثكنة العسكرية أنه ستُجرى مناورة عسكرية في منطقة ابن سليمان (غرب البلاد) لمدة 48 ساعة، وستُشكَّل 25 فرقة كومندو من مجندي المدرسة، وفصيل مقدمة أطلق عليها "الفرقة الخاصة". في اليوم التالي انطلقت المناورة المزعومة صوب العاصمة من دون تكتيك مُسبق، إذ غادر ما يزيد على أربعين شاحنة الثكنة العسكرية في حدود الساعة الرابعة صباحاً، تُقل أزيد من ألف مقاتل عسكري مدججين بالسلاح.

وصولًا إلى القصر الملكي بالصخيرات أعطيت الأوامر للضباط الصغار باحتلاله بعد أن جُرِّد رجال الدرك المرابطين به من سلاحهم وأُغلق جميع المنافذ، لكن الضباط ارتكبوا مجزرة دموية أسفرت عن مئات القتلى والجرحى، ما تسبب في غضب الجنرال المذبوح، الذي وجه العتاب واللوم إلى الكولونيل اعبابو، مؤكداً أنه يريد "انقلاباً أبيض لا حمام دم". الأمر الذي أحدث شقاقاً بين قائدي الانقلاب، وصل إلى حد اتهام كل منهما الآخر بالخيانة ورمي اعبابو المذبوح بالرصاص، ليسقط الجنرال صريعاً في لحظته.

في نفس الوقت كانت فرقة انقلابية وصلت إلى مبنى الإذاعة وشرعت في بث الإعلان عمّا دعوه "الجمهورية المغربية"، الأمر الذي لن يطول، قبل أن تهم وحدات موالية للملك إلى موقع المواجهة، مستغلة تخبط القيادة الانقلابية حيدوا خطر المهاجمين، وقبضوا عليهم، قبل أن ينقذوا الملك الذي كان مختبئاً طوال ذلك الوقت.

الانقلاب الطبي بتونس

"انقلاب طبي" هو ذاك الذي أزاح به زين العابدين بن علي، الوزير الأول التونسي وقتها، رئيسه الحبيب بورقيبة سنة 1987. مستنداً لا على سلاح وقوة، بل على تقرير طبي يؤكد عجز الرئيس عن أداء المسؤوليات المنوطة به، وعلى الفصل 57 من الدستور التونسي الذي ينص على أن "يتولى الوزير الأول رئاسة الجمهورية في حالة عجز أو رئيس الجمهورية وفاته".

فيما يؤكد شاهدون على تلك المرحلة، منهم عمر الشاذلي الطبيب الخاص للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، أن بن علي تآمر على بورقيبة الذي لم يكن عاجزاً عن أداء مهامه عشية الإطاحة به، بداعي المرض والشيخوخة. مضيفاً أن "بن علي حاول إضفاء طابع قانوني على ما فعله، بتقديم شهادة طبية وقعها سبعة أطباء تم تسخيرهم ليلاً من قبل النائب العام الهاشمي الزمال".

موريتانيا.. انقلاب لكل سنة

الحالة الموريتانية هي الأكثر غرابة داخل النطاق المغاربي، حيث تعد الدولة التي عرف تاريخها أكثر عدد من الانقلابات من بين دوله الخمس. بداية من 1978، وبعد 18 سنة من الحكم المدني بالبلاد تحت قيادة الرئيس المختار ولد داداه، ساد التوتر بين عناصر القوات المسلحة الموريتانية، فقرر العقيد المصطفى ولد السالك بلورة هذا الغضب في تحرك عسكري، وأتم ذلك صباح 10 يوليو/تموز من السنة ذاتها.

فيما لم تمرَّ سنة على انقلاب ولد السالك، حتى قاد العقيد محمد ولد لولي ورئيس وزرائه القوي أحمد ولد بوسيف انقلاباً أزاح من خلاله ولد السالك عن الحكم عام 1979. وكسالفه تماماً، لم يهنأ ولد لولي هو الآخر بكرسي الرئاسة لأكثر من عام واحد، إذ سرعان ما قام المقدم محمد خونا ولد هيدالة بالانقلاب عليه وأصبح الحاكم الفعلي للبلاد من 1980 حتى نهاية 1984.

الرئيس خونا ولد هيدالة ، مع استمراره في الحكم أربع سنوات، ما إن لبى دعوة للرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران وقتها إلى قمة إفريقية ببوروندي، حتى انسحب البساط من تحت أقدامه في انقلاب جديد قاده معاوية ولد سيدي أحمد الطايع الذي سيسكّن حمى الانقلابات بموريتانيا عقدين من الزمن.

وصولاً إلى سنة 2003 حيث شهدت محاولة فاشلة قام بها العقيد صالح ولد حننا. وبعد عامين، في 2005، نجح أعلي ولد محمد فال بدعم من المؤسسة العسكرية في انقلابه ضد نظام معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، ثم سلم السلطة إلى رئيس منتخب هو سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في 2007. وفي 6 أغسطس/آب 2008 قام قائد أركان الحرس الرئاسي محمد ولد عبد العزيز وقائد أركان الجيش محمد ولد الغزواني بانقلاب اعتقلا خلاله الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ورئيس الوزراء يحيى ولد أحمد الوقف.

عسكر الجزائر ضد الصناديق

في أول انتخابات تشريعية جزائرية، تجري بتعددية حزبية وفقاً للتعديل الدستوري الذي قام به الرئيس الشاذلي بن جديد سنة 1989. فاز حزب جبهة الإنقاذ الإسلامية بأغلب المقاعد البرلمانية في دورتها الأولى، أواخر 1991، رغم كلِّ التضييقات التي تعرَّض لها والاعتقالات التي طالت قيادتيه، ما دفع النظام العسكري الجزائري إلى الانقلاب على الصناديق والخيار الديمقراطي الذي سعى في تأسيسه الرئيس بن جديد.

وبقيادة الجنرال خالد نزار، وزير الدفاع وقتها، تم تأسيس المجلس الأعلى للدولة برئاسة محمد بوضياف، حيث تمَّ إرغام الرئيس شاذلي بن جديد على الاستقالة بعد تشبثه بالشرعية الانتخابية، وإلغاء نتائج الانتخابات، كما تم إلغاء ترخيص حزب جبهة الإنقاذ وإطلاق حملة مطاردة ضد مناضليه. الأمر الذي سيتحول في ما بعد إلى نزاع أهلي مسلح، ستتحمل الجزائر مآسيه طوال عشريتها الدمويَّة.

TRT عربي