يوم الجمعة الماضي، تبنّت الجمعية الوطنية في فرنسا، بشكل نهائي، قانون "مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية" المثير للجدل، والذي اشتهر باسم قانون "مكافحة الإسلام الانفصالي".
يواجه ذلك القانون عاصفة من الانتقادات، كونه حسب حقوقيين يستهدف المسلمين في البلاد، ويفرض قيوداً على مناحي حياتهم كافة، كما يفرض رقابة على المساجد والجمعيات المسؤولة عن إدارتها أو أي منظمات مدنية تابعة للمسلمين.
ومن أحد بنوده، فرض قيود على حرية تعليم أطفال المسلمين في المنازل، وحظر اتداء الحجاب في مؤسسات التعليم ما قبل الجامعي.
وتعد إحدى أكثر البنود المثيرة للجدل، البند المتعلّق بالحجاب، فعدد مسلمي فرنسا يقدر بأكثر من 6 ملايين، إذ تعتبر الجالية المسلمة في فرنسا هي الأكبر في أوروبا.
وفيما تحاول السلطات الفرنسية التهوين من تداعيات ذلك البند، إلا أن التضييق الذي تتعرض له المسلمات في فرنسا بسبب حظر الحجاب، يهدد مناحي حياتهن كافة وحقوقهن الأساسية في التعليم والعمل، فضلاً عن ممارسة حياتهن دون تمييز.
إليكم حكايتان، لمسلمات فرنسيات واجهن مشاكل حقيقية بسبب التضييق على الحجاب، قبل حتى أن يجري إقرار التشريع ومنحه صبغة قانونية.
عائشة
تروي عائشة حكايتها، في حديثها لصحيفة الغارديان البريطانية، تقول: "قبل سنوات من أن يتحول إلى قانون، وتحديداً في عام 1994 حينما كنت في الرابعة عشرة من عمري، فرض مرسوم حكومي حظر ارتداء الرموز الدينية في المدرسة".
تقول عائشة، التي عاشت في حي "مانت لا جولي" للطبقة العاملة خارج باريس، إنها كانت طالبة نموذجية حتى اللحظة التي رفضت فيها خلع حجابها، وحينما أصرّت على ارتدائه، أُجبرت على المثول أمام لجنة تأديبية.
"أتذكر أنهم حاولوا ترهيبي، وأخبروني بحدة أننا لسنا في إيران، لم يكن لدي أية فكرة عما يعني ذلك".
تقول عائشة إن المدرسة منعتها من حضور دروسها، ولم يسمح لها بالخروج للعب والاختلاط بالطلاب الآخرين، ولمدة شهور لم تمنح أكثر من 5 دقائق للراحة خلال اليوم الدراسي.
استدعيت عائشة إلي مجلس تأديبي جديد، وجرى استبعادها من التعليم نهائياً، في مخالفة للقانون الفرنسي الذي يجعل من التعليم إلزامياً على جميع المواطنين حتى سن 16 عاماً.
"طلب مني المسجد والجمعيات الإسلامية أن أخلع حجابي كي أستمر في دراستي، لكني رفضت، لقد شعرت بانتهاك مماثل لأن يطلب مني أحدهم أن أخلع ملابسي".
لم تتمكن عائشة من إكمال تعليمها رغم تفوقها قبل استبعادها من التعليم، ونتيجة لذلك لم تتمكن من الحصول على وظيفة جيدة، وتغير مسار حياتها بأكملها، من الانطلاق والامتلاء بأحلام كبرى، إلي الانعزالية والمعاناة من أجل الحصول على أبسط متطلبات الحياة.
تقول عائشة: "يقال إن القانون الجديد يهدف إلى حماية العلمانية، لكنه في الحقيقة تعدٍّ على حقوقنا الأساسية، الأسوأ لم يأت بعد، فما مررت به في حياتي حدث قبل وجود قانون يشرعن سلوكيات تسيء إلى المسلمين وتجعل وجودهم بحد ذاته مشكلة للدولة"، وفق حديثها لصحيفة الغارديان.
نورا
تحكي نورا ما تعرضت له، وهي أم لثلاثة أطفال وباحثة جامعية في أحد أحياء الطبقة الوسطى في باريس.
حينما كان ابنها في الثامنة من عمره، تطوعت لتكون مرافقة للأطفال في إحدى الرحلات المدرسية، عام 2019، وحينما وصلت في الصباح، شعرت بارتباك في المكان.
شاهدت نورا مديرة المدرسة تشير نحوها وتتحدث بغضب إلى أحد المعلمين، ثم جاء المعلم وطلب منها في خجل أن تغادر، مختلقاً عذراً وهمياً بأن الأماكن في الحافلة محدودة.
رفضت نورا وطلبت منه معرفة السبب الحقيقي، فجاءت المديرة وأخبرتها في حدة: "يجب أن تفهمي مبادئ العلمانية، وإذا لم يعجبك، يمكنك العودة إلى المنزل".
احتدت نورا وأخبرتها أنها أكاديمية وتعرف أن القانون لا يمنعها من ارتداء الحجاب، فاتصلت المديرة بالشرطة!
وأمام ابنها وزملائه الطلاب. وجميع المعلمين، جاء طالب وقال لها بصوت مرتفع: "هذا بلد علماني وعليك المغادرة الآن".
تقول نورا: "في هذه اللحظة شعرت بالإذلال الشديد، وبكيت أمام الجميع، وابني يشاهد وأخبرتهم أن ما يفعلونه ليس سوى عنصرية مؤسسية".
وتابعت نورا، أن إحدى الأمهات جاءت وعرضت عليها ارتداء قبعة بدلاً من الحجاب، واضطرت لذلك بعدما شاهدت ابنها متوتراً للغاية، ولاحقاً، رفض ابنها العودة إلى المدرسة.
وأضافت نورا: "مع هذا القانون الجديد أنا حقاً متشائمة، لم أعد أرى أي مستقبل لنا في هذا البلد، نحن غير مرغوب فينا ببساطة، ويتسبب ذلك العنف الرمزي الذي نعيشه في جروح نفسية خطيرة".
وختمت قائلة: "يقولون إن فرنسا تعاني مشكلة اندماج، لكن الحقيقة أنها تعاني عنصرية حقيقية".