في ذكرى رحيل حلمي سالم.. الحوار الذي روى فيه سيرته مع المرض

حلمي سالم واحد من أبرز أيقونات جيل السبعينيات، وأكثرهم انقلابا وتمردًا عن القوالب النمطية، والقفز من خندق ما يسمى التجديد اللفظي لتدشين حالة خاصة للشعر ومعناه، ولد في 1951 بمحافظة المنوفية في مصر ورحل في 28 يوليو 2012. اقترن حلمي سالم بجماعة “إضاءة” الشعرية التي كانت برفقة جماعة “أصوات” من أشهر الكتل الشعرية في السبعينيات، ومن شعرائها حلمي سالم وحسن طلب وجمال القصاص ورفعت سلام وأمجد ريان ومحمود نسيم.

 قبل ثلاثة أسابيع من رحيلة أجرى الكاتب الصحفي والشاعر محمد حربي حوارًا مطولًا مع الشاعر الراحل حلمي سالم، تحدث فيه عن قناعاته وعن تصوراته ومواقفه، روى فيه تجربته مع  المرض بدء من إصابته  بجلطة بالمخ وصولا إلى إصابته بالسرطان، تبدو أنها سيرة قصيرة ومختصرة للشعر في مواجهة وحشية المرض.

وجاء سؤال الشاعر محمد حربي ليوثق ذلك عبر سؤاله: “كيف كانت تجربتك هذه المرة مع المرض بعد تجربة جلطة المخ في 2005؟” 

ليجيبه الشاعر الراحل سالم: “عشت تجربة المرض عندما أصبت بجلطة في المخ، و رصدتها في ديوان سميته مدائح جلطة المخ صدر عن دار الهلال في العام 2005، والواضح لي أن تجربة المرض مغرية بالكتابة، سواء كانت التجربة ذاتية مثلما حدث معي ومثلما حدث مع بدر شاكر السياب الذي صور مرضه، وأمل دنقل الذي كتب عن مرضه في ديوان أوراق الغرفة رقم 8، وهناك من يكتب عن المرض من دون أن يخوض التجربة، وقد كنت من هذا النمط من الشعراء، حيث كتبت عن مرض أمي وأبي، وعن مرض ابن عمي الذي مات بالسرطان.. المرض تجربة شعرية”.

وتابع حربي بسؤال آخر: “ما الشعري في المرض والوجع؟” ليرد سالم: “لا أقصد بالشعرية هنا المعنى الرومانتيكي في الكلمة بل اقصد المعنى الدرامي المأساوي الذي يكشف المفارقات الإنسانية في تحدي المرض. في المرض تسقط الأقنعة، ويظهر الإنسان بضعفه وربما بإنسانيته. هذا الإنسان الذي يتوحش ويهدم بلدانا ويشعل حربا ويتآمر على الجميع، يصبح أمام المرض عاجزًا كهربة بالية لا حيلة له في نفسه، وضعفه يكشفه أمام نفسه فيكشف نفسه ويتخلص من هيلمان الاستبداد، ومن أن يظن أنه كلي القدرة- إذا استعرنا تعبير الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور”.

وهذا الإحساس يقودك إلى خطوة أخرى أو سؤال آخر: “ماذا تفعل إذا كانت لديك عقائد دنيوية بحتة وواجهت المرض، هل تصر على عقائدك أم تبحث عن عقائد دينية أخروية تمنحك الأمان والطمأنينة فيما تبقى لك من عمر؟” وفيما أنت مقبل عليه من موت ومن حياة أخرى بعد الموت.. وهل ستجد في هذا الاختبار جسرا بين قناعاتك الدنيوية والقناعات الدينية؟“.

يعود حربي لسؤال سالم: “المقارنة بين جلطة المخ والسرطان؟ كيف عرفت بالمرض هذه المرة؟ أنا سعيد الحظ لأن اكتشاف السرطان تم مبكرا، أي في مراحله الأولى، واكتشافه بسرعة جعل من علاجه، و استئصاله سريعا، أو هكذا الأمر حتى الآن”.

ماذا تقصد بـ جملتك الأخيرة؟ تجربة الإصابة بالسرطان جعلتني قريبا من الموت أكثر من تجربة جلطة المخ. ففي التجربة الأولى كان لدي يقين أني سأتجاوز المحنة لأن الشفاء من الجلطة يرجع في جزء كبير منه إلى الإرادة والروح المعنوية التي يمكنها أن تخفف من آثارها. ولذلك كنت علي يقين من تجاوز الألم. لكن الإصابة هذه المرة بالسرطان لا تصلح معها مسالة الإرادة والروح المعنوية. ولكن إذا جاءتك صدفة جعلتك تكتشف المرض بسرعة وفي توقيت مثالي يجعلك استأثرت قبل أن يدخل في تحدٍ معك، لأنك لن تنجح في هذا التحدي، هنا تصبح المسالة إرادة ربنا.

“في جلطة المخ كتبت وأنا لا أزال تحت العلاج. وعندما حدث هذا عرفت أنني شفيت لأنني ارتفعت فوق الحالة، عندما تمرض وتدخل المستشفى للعلاج تصبح حالة، وصرت أنظر إليها باستقلال.. وأخذ ما فيها من شعر واكتب، لكن هذه المرة لم اكتب بعد، ولم يأتني وضع الاستقلال عن الحالة لترويضها شعرا وذلك على الرغم من أن الأطباء أكدوا لي أن الخطر زال، وأن الورم كان مثاليًا إن صح التعبير، فهو ورم صغير ومحدود وتم اكتشافه مبكرا, ومركزه على جنب في الرئة وتم استئصاله كليًا”.

وكان السؤال  الأخير عن المرض  الذي طرحه حربي علي سالم “ما الذي يخيفك يا حلمي؟”.

فأجاب: “لدي هاجس ميتافيزيقي أن السرطان ما أن يعرف طريقه إلى الجسد البشري فإنه يلبد فيه ولا يخرج أبدًا، وربما لو استطعت الكتابة لارتحت من هذا الهاجس”.

تاريخ الخبر: 2021-07-28 14:24:23
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

دياز يعدُ المغاربة بأن "القادم سيكون أفضل وهذه ما هي إلا البداية"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-28 18:26:23
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية