شهدت السنوات الأخيرة انتشارا واسعا في توجه الشباب والشابات لافتتاح مشاريع المقاهي التي أصبحت تملأ شوارعنا ومدننا مندفعين بالحماس في الاستقلال، والرغبة بالانضمام إلى رياديي الأعمال الذين حقق بعضهم نجاحات كبيرة، فأصبح إنشاء المقاهي فكرة مغرية لكثيرين، اندفع إليها كثيرون من قليلي الخبرة بالمجال، ممن آمنوا بثقافة «افتح وقلّد»، متناسين أنه من بين بعض عشرات المشاريع من هذا النوع تنجح قلة جاءت بأفكار مبدعة، فيما يغرق البقية بالديون بعد أن يخفت بريقهم، وينتهون إلى إعلان إفلاس مشاريعهم.

وبدأت موجة إغلاق المقاهي تزداد بشكل أسبوعي مكبدة روادها من الشباب خسارات كبيرة، ما وصفه البعض بثمن «هوس المقاهي» أو «موضة وانتهت»، فيما رآه آخرون وضع طبيعي لأي «هبة» دخل فيها من يفهمها ومن لا يفهمها، مبينين أنها تجارة يخسر فيها من لا يستطيع الصمود، ومشددين على أن التقليد الأعمى نهايته مؤلمة، فيما حمل آخرون عدة جهات المسؤولية، وعلى رأسها ريادة والبلديات لعدم وضع تنظيمات تحد من هذا الهوس.

ارتفاع إجمالي

كشفت وزارة التجارة والاستثمار لـ«الوطن» عن أن إجمالي عدد السجلات التجارية المصدرة لنشاط (كوفي شوب) خلال خمس السنوات الماضية بلغ 15,653 سجلا، وذلك بمعدل نمو سنوي بلغ 27.56 % سنويا، فيما سجلت السجلات التجارية لنشاط الكوفي شوب خلال خمسة الأعوام الماضية نسبة زيادة 237,7 %.

10 % نسبة النجاح

أكد محمد الحميزي المتخصص في المطاعم والمقاهي، المدرب في مجال الأغذية أن «قطاع المقاهي يعد من أهم القطاعات وأكثرها انتشاراً، وبين أن نجاحها من عدمه يحدده مالك المشروع من خلال التخطيط الصحيح والسعي وراء تقليل المخاطر والدراسة الفعلية للسوق».

بينما كشف الدكتور خالد الأحمري (باحث دكتوراه في محاسبة التكاليف وسلاسل الإمداد ومهتم بالتجارة الإلكترونية، ومحاضر في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) أن نسبة نجاح المشاريع الصغيرة عموماً لا تتجاوز 10 % للأسف حسب كثير من الدراسات والإحصائيات، وقال إن «المقاهي ليست استثناء، بل ربما تصل احتمالية النجاح إلى نسبة أقل لعدة أسباب أبرزها الدخول في هذا السوق مع عدم فهم التحديات الحقيقية المصاحبة لهذا النشاط».

4 أنواع

يوضح محمد المغيصيب رئيس لجنة المطاعم، عضو السياحة بالغرفة التجارية سابقا، مستشار الاستثمار وتطوير المطاعم والفرنشايز والتوسع الإستراتيجي: إن المقاهي تنقسم إلى 4 أنواع منها:

1ـ الأكشاك على الطرق.

2ـ المقاهي داخل الأماكن المحصورة مثل المطارات والمستشفيات والجامعات وغيرها.

3ـ المقهى الصغير الذي يعتمد غالبا على البيع السفري ولا تزيد فيه الطاولات عن 5.

4ـ المقهى المهيأ للجلسات ومساحته كبيرة.

وأضاف «النوع الأول والثاني مجديان بحكم أنهما بطبيعتهما صغيران، ويصعب التشبع منهما، لذا يحافظان على حصتهما السوقية، وهما مناسبان للفئة المستهدفة تماما، أما النوع الثالث فهو يواجه صعوبتين لا بد من التغلب عليهما لكي يحقق النجاح، تتمثل الأولى في ارتفاع الأسعار التي تمنع من استمرار العميل، وكذلك تشبع السوق جدا، فالشارع الذي يكفيه مقهى واحد ستجد فيه 5 مقاه.

أما النوع الرابع فلا يمكن أن ينجح بسبب خلل في نموذج العمل، فتكاليف التشغيل مرتفعة وطاقته الاستيعابية محدودة وفاتورة العميل منخفضة جدا».

هوس غير مبرر

اتفق الحميزي والأحمري والمغيصيب على وصف الاندفاع في افتتاح المقاهي بالهوس غير المبرر.

وعارض الأحمري المباهاة على أشياء ثانوية مثل الديكورات الداخلية، مبينا وجود حاجة فعلية للمقاهي، مؤكداً أن معدلها لا يزال أقل من المعدل العالمي الذي يجب أن يتناسب مع عدد السكان، وقال «نحن بلد حار في أغلب أيام السنة، وبالتالي حاجتنا للمقاهي ليست لأجل القهوة نفسها، وإنما لأجل اللقاء مع الأصدقاء، أو الخروج مع العائلة، ولكن بسبب هوس المباهاة أصبحت تكلفة كوب القهوة عالية جداً لا يستطيع كثيرون تحملها»، وشدد على ضرورة أن تصحح وضعها وتنتقل من فكرة كونها عقارات راقية إلى مجالس ضيافة بسيطة، الأمر الذي وافقه عليه المغيصيب محملا وزارة الشؤون البلدية والقروية المسؤولية.

موضة مؤقتة

نفى الحميزي مقولة إن «المقاهي موضة مؤقتة ستخفت بعد مدة من الزمن»، مؤكدا أنه ومع ذلك ستتعرض مقاه للإغلاق والخسارة بلا شك، وقال الأحمري إنها «احتياج تمت إساءة استخدامه»، موضحا أن الزمن سيصححه، وأضاف المغيصيب أن «شرب القهوة ذاته ثقافة وسلوك لن يتوقف، لكن المقاهي تحتاج التوافق مع هذا السلوك لتنجح».

احتياج كبير

كشف الحميزي والأحمري أن السوق السعودي لا يزال بحاجة إلى عدد أكبر من المقاهي، إذ تعد المملكة من أقل الدول في المقاهي مقابل عدد السكان، مع مراعاة ضرورة تصحيح توزيعها.

وبيّن رائد حبيبي، وهو مهتم بالمال والأعمال ومؤسس لمشاريع تجارية أن «السوق بحاجة لما يلبي حاجة العميل والمنافسة على من سيفوز بتلبية تلك الحاجة»، مضيفا أن ما لا يلبي الحاجة فهو زائد.

سلوك المستهلك

طالب المغيصيب بتصحيح سوق المقاهي خاصة في الأسعار ووضع حد أعلى للتراخيص، وقال «سلوك المستهلك لدينا مختلف، ففي الدول الأخرى يتنقل من خلال المشي، وبالتالي توفر المقاهي له محطة استراحة مع مناسبة أسعارها لميزانيته، ما يتسبب في تكراره زيارتها».

وأضاف «إذا استهلك شخص لدينا 3 أكواب في اليوم بقيمة 30 ريالا سيبلغ إنفاقه الشهري 900 ريال و11 ألف ريال سنويا، ما دفع كثيرين لاستبدال المقاهي بمكائن منزلية خاصة بغية التوفير».

تزييف الحقائق

علل الحميزي اندفاع الشباب للمقاهي بأن هذا القطاع محبب للنفس، في حين رأى الأحمري أن السبب في المباهاة والتقليد وعدم وجود مرشد حقيقي ومشاهير تواصل زيفوا الحقائق وجعلوا افتتاح مقهى هو المشروع الأسهل، وأضاف المغيصيب «بريق نجاح مقاه معدودة أعمى كثيرين ممن ركزوا على الديكور الذي لا يمثل سوى 20 % من كيان المشروع»، وبين حبيبي أن نجاح عدة نماذج أغرى آخرين بالتقليد ورغبة اكتساح المجال.

حصر التراخيص

طالب المغيصيب البلديات بحصر تراخيص المقاهي أسوة بالنقل والاتصالات مثلا، كما حمل الجهات المانحة للقروض المسؤولية في خسارة عدد من الشباب في المجال لعدم تقييدها للجهات المانحة بدراسات الجدوى التي أخذوا بنصائحها، فيما رأى الأحمري إلزام ملاك المقاهي الجدد بإكمال ساعات تدريبية في إدارة المشاريع، ورأى الحميزي عدم كفاية البرامج المقدمة للطلب الهائل.

فرص وإبداع

بين الحميزي أن فرص شبابنا في هذا المجال كبيرة، وإبداعهم فيه منقطع النظير ناصحا إياهم بالتميز، وقال الأحمري إن «الغالبية الكبيرة من العاملين في المقاهي هم من الشباب والشابات السعوديين، ولو قارنا هذا القطاع بغيره من القطاعات في نسبة السعودة لوجدناه الأفضل»، معللا وجود العامل الأجنبي في بعض المقاهي بسبب أنه الأنسب لملاكها من الناحية الاقتصادية.

عوامل النجاح

أوضح المغيصيب أن العوامل المساعدة على نجاح أي مشروع هي نفسها عوامل نجاح المقاهي، كدراسة الجدوى من متخصص، ومعرفة حجم التشبع، ومعرفة نقطة التعادل وكيفية تحقيقها، والإدارة السليمة، وتوفر رأس المال الكافي.

وأضاف الحميزي أن «التأسيس الصحيح وجودة التشغيل عاملان رئيسان في ذلك»، بينما أرجع الدكتور الأحمري ذلك للوعي الحقيقي بما خلف كواليس المقهى.

وأرجع المغيصيب عوامل الفشل إلى التقليد ونظام البلديات المانع للمقاهي من تحضير وجبات خفيفة تتناسب مع القهوة مما يضطرها إلى شراء هذه المنتجات بأسعار مرتفعة.

موقع المقهى

أشار الحميزي إلى وجود نقاط مهمة ينبغي التركيز عليها عند اختيار موقع المقهى كالقيمة الإيجارية والتي ينبغي ألا تتجاوز 20 % من رأس المشروع، والمنافس القريب الذي يرى أن قربه إيجابي غالبا فهو داعم دائما، ناصحا بالاستفادة منهم وتكوين علاقات طيبة معهم، والأحمال الكهربائية التي يجب أن تتوافق مع حاجات المقهى.

إغلاق 50 %

توقع الحميزي بأنه خلال سنة ونصف السنة إلى سنتين ستغلق 50 % من هذه المقاهي على الأقل، وسوف تتعرض للإفلاس بسبب انعدام دراسة الجدوى وعدم وجود زبائن بالعدد الكافي لتغطية تكاليف المشروع، ومبالغة المقاهي في الأسعار لتصبح منتجاتها أغلى من بعض العلامات الشهيرة.

السهل الممتنع

وصف المغيصيب الاستثمار في مجال المقاهي بالسهل الممتنع لأن نقطة التعادل فيه صعبة، وقال «ينبغي أن نصحح مفهوم الاستثمار فيها لأن الاندفاع دون استيعاب الأبعاد الخطيرة لها سيكون نتيجته الخسارة الحتمية».

وأضاف «من يرى الازدحام في المقاهي يتخيل أن المبيعات عالية لكنها في الحقيقة صادمة بسبب تكاليف التشغيل العالية التي توجب عليها الوصول بالمبيعات أعلى بقليل من نقطة التعادل، ما يعني أن تكون مزدحمة في اليوم مرتين على الأقل».

وتابع «هذه الحقيقة هي ما جعلت مقاهي مشهورة قبل 10 سنوات تغلق كثيرا من فروعها».

مقاه ثقافية

أوضح الحميزي أن بعض المقاهي ساعدت في التحول إلى أماكن ثقافية رائعة، وقال المغيصيب «المقاهي الثقافية هي نوع من أنواع تغيير الفكرة مع بقاء نفس الجوهر ووجود الخلل»، وأضاف ظهر بعضها قبل فترة لكنها لم تستمر وأغلقت إلا القليل منها.

رفع أعداد المقاهي

كشف الحميزي أن رؤية 2030 تستهدف عبر برنامج جودة الحياة رفع أعداد المقاهي إلى 258 مقهى لكل مليون مواطن بحلول 2020، وإلى 1032 مقهى لكل مليون مواطن بحلول 2030، كما تستهدف رفع أعداد المطاعم إلى 2100 مطعم لكل مليون مواطن بحلول 2020، وإلى 3000 مطعم لكل مليون مواطن بحلول 2030.

أنواع المقاهي

* مقاه كبيرة بجلسات مريحة.

* مقاه صغيرة.

* مقاهي خدمة سيارات «أكشاك».

* مقاه مغلقة «المستشفيات، المطارات».

* مقاه مختصة.

* مقاه تجارية.

عوامل نجاح المقاهي

- جودة الطعم.

- الخدمة الجيدة.

- السعر.

- الجو العام.

عوامل فشل

- الفشل في الاستعداد.

- غياب الخطط.

- عدم وجود فكرة مبتكرة.

- سوء الإدارة.

- سوء خدمة العملاء.

- تسعيرة غير موفقة.

- قلة الخبرة.

- ضعف جودة المنتج.

- الموقع.