كشف تحقيق لصحيفة "هآرتس" العبرية أن السلطات الإسرائيلية كانت قد أقامت عام 1971 سجوناً سرية في أرض سيناء بعيداً عن كل أشكال الرقابة، مشيرة إلى أن إسرائيل سجنت في هذين السجنين الكثير من الأبرياء منهم نساء وأطفال غالبيتهم من قطاع غزة.

وحسب الصحيفة، فقد استخدم أحد السجون من أجل سجن عائلات عناصر في حركة فتح الفلسطينية، فيما استخدم الثاني لسجن وإخفاء الشبان. "لقد ساقوا نساءً ورجالاً وأطفالاً من غزة وسجنوهم في قلب الصحراء بعيداً عن كل أسباب الحياة"، تقول الصحيفة.

وثيقة إسرائيل تكشف اعتقال عائلات من غزة وسط سيناء (haaretz.co.il)

وتوضح "استمر حبس بعض الأبرياء في قلب الصحراء عدة أشهر، وقد وصفت جهات عمليات الاعتقال وظروفه بأنها لا يمكن تحملها".

وتشير الصحيفة إلى قضية السجنين ظلت طي الكتمان طيلة 50 عاماً ومُنع تداولها بقرار من السلطات الإسرائيلية.

وتؤكد الصحيفة التي اطلعت على صور ووثائق كانت مكدسة في أرشيف الجيش الإسرائيلي، وكذلك أرشيف الدولة والصليب الأحمر، أن أحد السجنين كان يطلق عليه "أبو زنيمة" وقد أقيم على ضفاف خليج السويس، أما الثاني فقط أطلق عليه "ناحل" والذي أقيم في منطقة طابور في منتصف صحراء سيناء.

وتقول "بعد احتلال غزة من قبل إسرائيل توالت عمليات المقاومة الفلسطينية التي خرجت منها، وقد قررت إسرائيل إيفاد أريئيل شارون الذي كان في حينه قائداً للمنطقة الجنوبية في الجيش من أجل القضاء على "الإرهاب"، وقد هدم شارون منازل فلسطينيين ونفذ سلسلة اعتقالات، ثمّ تمّ إقامة السجنين المذكورين في الصحراء".

صورة لعائلات على مدخل سحن أبو زنيمة (haaretz.co.il)

تشير الصحيفة إلى أن معتقل "أبو زنيمة" أقيم كما يظهر في الوثائق في 5 يناير/كانون الثاني عام 1971 وقد أنشئ في مكان يبعد نحو 300 كيلومتر عن حدود قطاع غزة، بعد ذلك بوقت قصير اعتقل فيه 59 من أبناء عائلة فلسطينية واحدة، ثم صار عدد العائلات قبل نهاية الشهر 27 عائلة، ومن ضمن المعتقلين في الصحراء كان عشرات الأطفال".

وبرر جيش الاحتلال تلك الاعتقالات التي خضع لها أبرياء في حينه بأن عائلة أي مقاتل فلسطيني تتحمل مسؤوليته، "لأنها تعطيه الأمان والحماية وتساعده بخاصة العائلات في المخيمات الفلسطينية التي يصعب فيها اختفاء المقاتل أو هروبه، وتوفر له العائلة الملجأ الوحيد".

وتظهر الوثائق أن وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه موشي ديان كان على علم بأمر السجون السرية، بل وأيد اعتقال العائلات والأبرياء وإخفاءهم في الصحراء، إذ يقول في أحد الاجتماعات "ما يجري ليس عقاباً، كل ما يجري هي محاولة لردع العائلات الأخرى لأنها تمنح أبناءها الحماية وتساعدهم على التخفي وتمد يد العون لمن نطلبه، كل ما نفعله هو أن نردع العائلات الأخرى كي لا تسمح لأبنائها بالانضمام إلى حركة فتح".

وقال ديان أيضاً "هذه أفضل طريقة ردع بالنسبة إلينا. ما نريده حقاً أن تدرك كل عائلة يقاتل ابنها بأن مصير العائلة كلها سيكون الترحيل إلى سجن أبو زنيمة".

صورة توثق زيارة وفد الصليب الأحمر لأحد المعتقلات السرية في سيناء (haaretz.co.il)

في فبراير/شباط عام 1971 سمحت إسرائيل لمبعوثي الصليب الأحمر بزيارة أحد المعتقلات، والتقى المبعوثون في حينه مع ممثلين عن 23 عائلة، نحو 140شخصاً كان من ضمنهم 87 طفلاً وكلهم من سكان قطاع غزة، وقد تبين أن سبب اعتقالهم كان فقط بأنهم "كانوا أفراد عائلات لأشخاص تلاحقهم إسرائيل".

وكتب أحد المبعوثين يقول "هل يدرك الطفل الذي لم يتجاوز عمره بضعة أسابيع أو المسنة التي تبلغ من العمر 80 عاماً لماذا هم سجناء في الصحراء؟"، وأضاف "المشكلة الأكبر هو العامل النفسي، المحتجزون يأملون بأن تكون هذه الأزمة التي وجدوا أنفسهم في خضمها قصيرة الأمد".

وتظهر وثيقة أن أحد مبعوثي الصليب الأحمر كتب عقب زيارته المعتقلات الإسرائيلية في قلب صحراء سينار قائلاً "أشعر بصدمة. سببها فقدان الرحمة لدى الجيش الإسرائيلي تجاه العائلات المحتجزة"، ويضيف "لقد وجدت 9 عائلات على الأقل محتجزة هناك منذ أشهر طويلة، حتى بعد أن ثبت أن أبناءها المطلوبين غادروا قطاع غزة وحتى بعد أن جرى هدم منازلها لا تزال معتقلة بالصحراء".

ويشير إلى "أن الدلائل ربما تقول إن المسؤول عما يجري هو أريئيل شارون أو شلومو جازيت".

وثيقة إسرائيل تكشف سياسة اعتقال العائلات البريئة والعاطلين عن العمل (haaretz.co.il)

وثيقة أخرى تابعة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي، تظهر أقوال نائب مدير عام وزارة الخارجية في حينه موشي شاشون الذي يقول إن "الهدف من حبس العائلات في المعتقلات هو فرض المزيد من الضغط على الإرهابيين في غزة " على حد تعبيره.

ويضيف "الشبان العاطلون عن العمل الذين يجوبون في شوارع مخيمات اللاجئين في غزة، حتى ولو لم تتوفر أي تهمة بحقهم، سيجري اعتقالهم إدارياً وإرسالهم إلى معتقل في سيناء، وسوف يجري الإفراج عنهم عندما يقبلون بالرحيل إلى الضفة الغربية للعمل هناك".

تقول "هآرتس" إن "إقامة المعتقلين في سيناء كما يبدو لم تكن سوى بداية الطريق لابتكار وسائل من أجل الضغط على الفلسطينيين الأبرياء الذين لم تلطخ أيديهم بالدماء، ومن ضمنهم طلاب مدارس، أطفال ونساء وذلك من أجل تحقيق غايات أمنية وسياسية في إطار عملية الاحتلال".

TRT عربي - وكالات