المفتي: طاعة الحاكم فيما يأمر به واجبة ولو كان فيما يُكره‎‎


هل نحن مأمورون باتباع رأي الدولة في التعليمات والتوجيهات الخاصة بوباء كورونا؟ وهل نحن مأجورون على ذلك، خاصة لما فيها من تقييد لحرية الإنسان الخاصة؟ سؤال ورد الي دار الافتاء وأجاب عليه الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية  
 واوضح المفتي أن عقد الإمامة عقدٌ اجتماعيٌّ يُنِيبُ فيه الناسُ الحاكمَ في رعاية شؤونهم وحفظ أمنهم، ويفوضونه في سياسة أمورهم ومعاشهم، ويأتمنونه على القيام بمصالحهم.
واشار علام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر عن عظم الأمانة التي يحملها ولاة الأمر على عواتقهم، وأنها تستوجب العمل على مصلحة الرعية في كل أحوالها؛ لأنهم مأمورون بحفظها ومسؤولون عنها أمام الله تعالى؛ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِن عَبدٍ يَستَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ» متفق عليه.

روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قتل رجلٌ مِن حِمْيَرَ رجلًا من العدو، فأراد سَلَبَه، فمنعه خالد بن الوليد رضي الله عنه، وكان واليًا عليهم، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم عوفُ بن مالك رضي الله عنه، فأخبره، فقال صلى الله عليه وآله وسلم لخالد رضي الله عنه: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ؟» قال: استكثرتُه يا رسول الله، قال: «ادْفَعْهُ إِلَيْهِ». فمر خالد بعوف رضي الله عنهما، فجرَّ بردائه، ثم قال: هل أنجزتُ لك ما ذكرتُ لك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستُغضِبَ، فقال: «لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي؟ إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتُرْعِيَ إِبِلًا، أَوْ غَنَمًا، فَرَعَاهَا، ثُمَّ تَحَيَّنَ سَقْيَهَا، فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا، فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ، وَتَرَكَتْ كَدَرَهُ، فَصَفْوُهُ لَكُمْ، وَكَدَرُهُ عَلَيْهِمْ».

ولفت مفتي الجمهورية الي أنه تقرر أن من شمولية الشريعة الإسلامية رعايتها لمصالح العامة ووضع الضوابط التي بها تستقر المجتمعات والشعوب، ومن أولى هذه الضوابط النص على ضرورة أن تكون هناك سلطة حاكمة تختص بمسؤولية تدبير شؤون الأمة وسياستها وإرساء قواعد العدل بين أفرادها، وتحقيق مصالحها الدينية والدنيوية.
ومصالح العباد في معاشهم ومعادهم لا تتحقق إلا بالتكامل والتعاون بينهم وبين حكامهم، فالحاكم بما منحه الله من السلطة وما يتبعها من القدرة على الاطلاع على خفايا الأمور وظواهرها، وما يصلح فيها وما يفسدها، أباح الشرع له سَنَّ القوانين ووضع الضوابط وإصدار القرارات، إلا أنه قيد ذلك كله بالمصلحة، فالحاكم منوط بتحقيق المصلحة، والمراد بالمصلحة أي: الشرعية المعتبرة أو المرسلة بضوابطها، لا الملغاة. والمصلحة تكون لعموم من تحته لا لفرد بعينه؛ ولذا وجب على ولي الأمر، وكذا نوابه، قصد مصلحة عموم المسلمين وتقديم المصالح الأخروية على الدنيوية، بما أسند إليه من أمر رعاية شؤون الناس.
قال صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه.
وتغليبًا لتحقيق المصلحة العامة عملت الشريعة على الموازنة بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، ووضعت من القواعد ما يمنع التعارض بينهما، فبينت أن تصرف الفرد بحقه مقيد بما لا يتعارض مع مصلحة الجماعة، فإذا تعارضا قُدمت المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ومن هنا أجاز الشرع للحاكم تقييد المباح واتخاذ كافة الإجراءات التي تعمل على تحقيق المصلحة العامة إعمالًا لمقاصد الشرع، وتغليبًا لأمر العامة على الخاصة عند التعارض.

واشار علام الي أنه ليتمكن الحاكم من القيام بدوره من تدبير الشؤون وتحقيق المصالح أوجب الله طاعته؛ فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59].
قال العلامة الطاهر بن عاشور في "تفسيره" (5/ 97-98، ط. الدار التونسية للنشر): [أولو الأمر مِن الأمَّة ومِن القوم هم الذين يُسنِد الناسُ إليهم تدبير شؤونهم ويعتمدون في ذلك عليهم، فيصير الأمر كأنَّه مِن خصائصهم. فأولو الأمر هنا هم مَن عدا الرسول مِن الخليفة إلى والي الحسبة، ومِن قواد الجيوش، ومِن فقهاء الصحابة والمجتهدين، إلى أهل العلم في الأزمنة المتأخِّرة، وأولو الأمر هم الذين يُطلَق عليهم أيضًا: أهل الحَلِّ والعقد] اهـ.

وسبب ذلك كله: أن طاعة أولي الأمر سببٌ لاجتماع الكلمة وانتظام المعاش؛ فلا بُدَّ للناس مِن مَرجِع يأتمرون بأمره؛ رفعًا للنزاع والشقاق، وإلا عَمَّت الفوضى واختل النظام العام، ودخل على الناس فساد عظيم في دينهم ودنياهم.
فإذا انتشر الوباء وأصدر الحاكم تعليمات من شأنها تقييد حرية الإنسان الخاصة إلا أنها تصب في مصلحته أولًا ثم في مصلحة العامة؛ فيلزمه حينئذ طاعته والالتزام بتعليماته، ويأثم في مخالفتها إلا لضرورة، لعِظَم ما قد يؤول ترك العمل بها من مفاسد.
فتحقيق مصالح العباد في أنفسهم وأموالهم ودينهم لن يتحقق إلا بطاعتهم لأولياء الأمور، إذ لو ترك الأمر دون حاكم مطاع لعم الهرج وكثر الفساد وضاعت الحقوق.

وأكد المفتي انه قد أجمع الفقهاء على أن طاعة الحاكم فيما يأمر به واجبة، ولو كان فيما يُكره، أو يُتردد في صحته -ما لم يكن ذلك معصية أو كفرًا بواحًا-؛ لأن الأمر بطاعته ثابت بنص قطعي، فلا يدفعه تردد أو كراهة، ولأن مفسدة معصيته أشد من مفسدة طاعته لو كان مخطئًا، لما في ذلك من تضرر المجتمع كله، ولتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
 

تاريخ الخبر: 2021-08-05 19:18:44
المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 59%
الأهمية: 70%

آخر الأخبار حول العالم

إذاعة “هيت راديو” تخرج عن صمتها بشأن فبركة عملية "الكريساج”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-28 15:27:26
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 67%

أوناحي: "أدائنا أصبح مكشوفا أمام الخصوم.. وعلينا إيجاد الحلول"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-28 15:27:48
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 56%

إذاعة “هيت راديو” تخرج عن صمتها بشأن فبركة عملية "الكريساج”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-28 15:27:27
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 62%

أوناحي: "أدائنا أصبح مكشوفا أمام الخصوم.. وعلينا إيجاد الحلول"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-28 15:27:49
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية