يبدو أن أحدهم نسى شيئًا مهمًا ورحل

 

انتابنى شعور بالجزع لمَّا رأيت دموعها تسبقها فى الرحيل، وهو يشير إلى النادل لطلب الحساب فى ذلك المقهى الهادئ الذى يقع فى أرقى أحياء القاهرة. 

ناوله النادل الفاتورة داخل الجراب الجلدى، وضع بعض ورقات النقود لم يهتم بعدِّها كأنه يتخلص منها.. وأطفأ سيجارته ودهسها بانتقام فى منفضة السجائر وألقى الجراب وتركه وتركها ورحل، رغم تمسك عيونها به بنظرات الخوف، كمن سقطت عنه ورقة التوت الأخيرة.. لملمت أشياءها هى الأخرى، ومن حركة يديها المتوترة ظهر امتلاء عينها بالدموع، قامت منحنية بعض الشىء، ومشت بانكسار ناحية الباب تاركة منديلها على الطاولة.

دفعنى الفضول لأن أجلس مكانهما قبل أن يأتى النادل ويلملم أشلاء قصة حب أخرى ويرتب الطاولة، تحركت بسرعة وجلست مكانها، لا يزال عبيرها يملأ المكان وعطره مختلطًا به ولا شك أنها من اختارته.. على الطاولة بقايا كوبين من القهوة ناحيته وكوب عصير مثلج ناحيتها لم تمتد يدها إليه.. أشلاء منديل مبلل بدموعها وآخر متعرق من مسكة يدها أثناء محاولتها التشبث بالبقاء أو الشعور بآخر لحظات الأمان، وأعواد كبريت محترقة وأعقاب سجائر شهدت نفثات النيران من داخله. 

تنهيدات ألم وأنين ووجع.. شعرت بها بوجيب قلبى، من قال إن الماضى يرحل وينتهى بحاضر.. أغمضت عينى لأعود قبل دقيقتين لأقف بينهما أراقب عشقهما على مقصلة الواقع.. جنين حكايات الحب الذى ولد مشوهًا، فيجب التخلص منه، الذى لم ترحمه يداه، وهى كانت أضعف من أن تحميه.. وجه الحياة الذى واجههما فقتلا حبهما بقسوته وضعفها.. بهروبه وتشبثها بأهداب أمل كاذب.. لم تنفعهما أغانيهما المفضلة وساعات الليل والقمر والنجوم والنسيم والورود والهدايا.. مع أول عاصفة أنزل شراعه وترك السفينة.. وهى استسلمت للبحر دون سترة نجاة.. تنسمت الحياة موت العشق فى معبد الموت.. فارس أحلام لياليها أصبح كابوس نهارها.. سينام اليوم بعدما يضحى بستين سيجارة على الأقل، ويحلم بها، ستطارده الذكريات، وسيجلده غياب صوتها، ويعذبه هاتفه الصامت. 

ستغلق هاتفها بخذلان الألم وتحلم بإجهاض حبه من قلبها.. ستكون ليلة التضاد.. الحب والكره، النوم واليقظة، هدهدة القلب وشقاه.. لا يهم من الجانى ومن المجنى عليه لا يدان الحب ويوضع فى محكمة.. ستهدأ فورة المشاعر والمواقف، وسيتمنى أن تعود وهى ستتمنى لو بقى.. اقترب النادل ووهبنى ابتسامة استئذان لينظف الطاولة، فابتسمت وسكت.

 

تاريخ الخبر: 2021-08-07 19:24:43
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 65%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية