على الرغم من ثراء بلادنا بالمواقع التراثية، وتراثها غير المادّي، فإن حجم هذا الحضور في السابق لم يكن موازياً لقيمته الحقيقية والتاريخية، وقد كان لغياب هذا الأثر المادي والثقافي المتنوّع في مملكتنا الحبيبة دوراً في تشكيل صورة ذهنية مغلوطة ومجحفة عن بلادنا، إذ حصرها البعض في بقعة جغرافية وتجمّع بدويّ غير ذي قيمة أو أثر حضاري أو حيازة لأي أثر إنساني.

أما في عهدنا الزاهر، هذا العهد الحافل بالإنجازات وتحقيق مواقع ريادية عالمية أبهرت العالم، فقد تموضع كل من الثقافة وتراثنا الإنساني الزاخر في مكانهما الخليق بهما، تموضعاً يؤكد حجم الجهود والاحتفاء الكبير بالثقافة كمنجز ومُشتَرك إنساني لافتين، الأمر الذي يجعلنا نشعر بالفخر والزهو والابتهاج أن استطعنا تقديم تراثنا وتاريخنا كما يليق بهما وببلادنا ذات الموقع الروحي والجيوسياسي المهم، ودورها المحوري كلاعب رئيس في تحقيق التوازن الاقتصادي والسياسي ليس على مستوى الإقليم وإنما العالم.

وقد كان من الطبيعي تبعاً لهذا الاحتفاء بالثقافة وتراثنا وتاريخنا الشامل والمتنوّع أن نشهد ترجمة وتجسيداً لهذا الحضور الثقافي، مُتنمذِجاً في المواقع والإنجازات التي باتت تحققها بلادنا على الصعيد العربي والدولي، الأمر الذي يتّسق مع الرؤية 2030 ومرتكزاتها الثرية والعميقة التي وضعت الثقافة والإنسان وجودة الحياة في قائمة أولوياتها.

وبالأمس انتخبت الدول الأعضاء في لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" المملكة العربية السعودية لتكون نائباً للرئيس عن المجموعة العربية في لجنة التراث العالمي للمدة ما بين 2021 - 2023م، وذلك خلال انعقاد أعمال الدورة الرابعة والأربعين للجنة في مدينة فوجو الصينية.

هذا الانتخاب يحمل مؤشرات ودلالات مهمة، فهو يأتي ثمرة لدور بلادنا البارز في دعم التراث، وجهودها المبذولة من أجل توثيق الإرث الإنساني المشترك بجانب الدول الأعضاء في اللجنة، وتحقيق أهداف المنظمة بشكل عام، وأهداف لجنة التراث العالمي بشكل خاص.