على غرار التحركات الدبلوماسية النشطة التي تقودها الجزائر مؤخراً، وخوفاً من زعزعة استقرار المنطقة، تسعى الجزائر لتقديم الدعم والمساعدة اللازمين لتتخطى تونس الأزمة السياسية التي تكاد تعصف بالتجربة الديمقراطية الفتية.

تتعدى العلاقات الثنائية التي تجمع بين تونس والجزائر العلاقات المبنية على أساس الجوار، إذ تربط البلدين علاقات تاريخية وإنسانية وثقافية ومصالح مشتركة، تجعل من أمن واستقرار أحدهما عاملاً مؤثراً بالضرورة على واقع البلد الثاني، ومن هذا الباب تكثف الجارة الكبرى الجزائر جهودها لتقديم الدعم لتونس في تخطي أزمتها السياسية.

فمنذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو/تموز الماضي عن اتخاذ مجموعة من الإجراءات والقرارات الاستثنائية، ومن بينها حل الحكومة وإعفاء هشام المشيشي من منصبه، وتجميد عمل البرلمان، تتالت الزيارات والاتصالات بين البلدين لتأكيد دعم الجارة الكبرى الجزائر للمسار الديمقراطي في تونس وحرصها على استقراره.

وإن اعتبر الموقف الرسمي الجزائري محايداً، ويقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف فقد رجح مراقبون عقب التصريح الإعلامي الأخير للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وجود وساطة محتملة للحوار بين الرئيس التونسي قيس سعيد ورئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، وذلك استناداً أيضاً إلى مستوى العلاقات الجيد الذي يجمع الأخير بالجزائر ومسؤوليها منذ حكم عبد العزيز بوتفليقة.

هل تغير الموقف الجزائري من الأزمة التونسية؟

شأنها شأن بقية الدول، تحرت الجزائر الحذر في إبداء موقف رسمي ممَّا حدث في تونس، بدايات الأزمة الدستورية في يوليو/تموز الماضي.

ومن جانبه بادر الرئيس التونسي قيس سعيد عقب ذلك بإجراء اتصال هاتفي مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون يوم 26 يوليو/تموز الماضي، تبادل فيه الطرفان مستجدات الأوضاع في تونس، وتطرقا إلى آفاق العلاقات الجزائرية التونسية وسبل تعزيزها، دون التطرق إلى الأزمة السياسية في تونس، وذلك بحسب ما ورد في البيان الرسمي الصادر عن الرئاسة الجزائرية.

وعقب المحادثات التي جمعت الرئيسين، توجه وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة يوم 27 يوليو/تموز إلى تونس، محملاً برسالة شفوية من تبون إلى سعيد، وأكدت الرئاسة التونسية إثر اللقاء بكونها كانت مناسبة لتجديد تأكيد ما يجمع القيادتين في البلدين من علاقات احترام وتقدير متبادلين. وفي هذا السياق اعتبر محللون أن في ذلك رسالة ضمنية تشير إلى دعم جزائري للخطوات التي أعلن عنها قيس سعيد.

ولم تمض أيام قليلة، حتى عاد رمطان العمامرة من جديد إلى تونس، يوم 1 أغسطس/آب الجاري، للقاء قيس سعيد، بعد زيارة قام بها إلى مصر، ما أثار استفهامات عديدة حول تغير الموقف الجزائري من الملف التونسي، خاصة أن الجزائر كانت من قبل تعتبر أن ما يحصل في تونس من صميم اهتماماتها وسعت في أكثر من مرة للتدخل في بعض الأزمات والخلافات بين الفرقاء السياسيين، لكنها في هذه المرة تتجنب التدخل بشكل مباشر معتبرة الأزمة السياسية في تونس شأناً داخلياً. وهو ما جاء على لسان العمامرة قائلاً: "ما يحدث في تونس شأن داخلي ونحترم سيادتها ونتضامن معها.. وندعمها من أجل وضع مسيرة مؤسساتها على المسار الصحيح". وشدد تبون على الموقف ذاته خلال لقائه الإعلامي الأخير يوم 8 أغسطس/آب جاري. وإن بدت رسائل تبون إيجابية في ما يتعلق بالملف التونسي، فقد رجح مراقبون ومحللون أنه ربما يتدخل الجانب الجزائري لعرض الوساطة بين أشد قطبين اختلافاً في الأزمة الحالية، الرئيس التونسي ورئيس البرلمان.

هل يتدخل تبون للوساطة بين قيس سعيد والغنوشي؟

في رسالة يسعى بها إلى الطمأنة، وعلى وجاهة القرارات، أكد الرئيس التونسي في اتصال هاتفي أجراه يوم 31 يوليو/تموز الماضي مع نظيره الجزائري، أن تونس تسير في الطريق الصحيح لتكريس الديمقراطية والتعددية وأن هناك قرارات مهمة ستتم عن قريب.

وبدوره اعتبر تبون خلال لقائه الإعلامي الدوري يوم الأحد 8 أغسطس/آب، أن تونس قادرة على أن تحل مشاكلها بنفسها دون أي ضغط، وشدد على أن الجزائر لا تقبل أن يضغط على القرار التونسي من الخارج.

وأضاف تبون قائلاً: "ليدرسوا حلاً فيما بينهم وهم ذاهبون نحو حل، وتبقى هذه أمورهم الداخلية". ومع إشارة تبون إلى اقتراب حل الأزمة السياسية في تونس، ذهب العديد من الآراء والتحليلات إلى احتمال تدخل الرئيس الجزائري بوساطة بين سعيد والغنوشي للحوار والتفاوض. خاصة أن الغنوشي كان يحظى بعلاقات جيدة مع عبد المجيد تبون ومن قبله عبد العزيز بوتفليقة، الذي وجه له دعوات رسمية بصفته الشخصية دون أن يتقلد منصباً رسمياً في السابق، ودعمت الجزائر التجربة البرلمانية في تونس.

وربما تدعمت هذه التحليلات بتدوينة للقيادي في حركة النهضة ووزير الصحة السابق عبد اللطيف المكي، الذي كتب على صفحته الرسمية على فيسبوك "كل الشكر للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على تصريحاته اللائقة والأخوية تجاه الشعب التونسي، والتي ستكون عنصراً مساعداً لتونس على تجاوز الأوضاع الراهنة تحت مظلة السيادة الوطنية بسلام".

إلا أن ذلك يبقى مجرد تخمينات، اعتبرها ناشطون ومحللون سياسيون لا أساس لها من الصحة، لأن قيس سعيد بالأساس يفرض أمراً واقعاً، وأكد مراراً أنه لن يتحاور مع أحد، بمن فيهم رئيس البرلمان راشد الغنوشي، وإن لم يصرح بذلك بصفة مباشرة، خاصة أن إبعاد حركة النهضة من المركز وفق ما يعتبره محللون يعتبر محل ترحيب من بعض الأطراف السياسية المحلية والدولية.

وربما تشديد تبون ومن قبله لعمامرة على اتخاذ مسافة واحدة من جميع الأطراف في تونس، يبدو شبه إقرار بعدم التدخل في مسارات الأزمة في تونس، ولصالح أي طرف.

النهضة تصر على التحاور

يسود البلاد جدل كبير واختلاف حاد بين من يعتبره انقلاباً دستورياً وانتكاسة لمكتسبات ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وبين من يعتبره تصحيح مسار وإصلاحاً لوضع متردٍّ استمر لفترة طويلة.

ويعتبر حزب حركة النهضة من بين الأطراف التي تتمسك بموقفها إلى اليوم في معارضة إجراءات قيس سعيد، وتشدد على ضرورة العودة إلى النظام الدستوري، مجددة دعوتها في أكثر من مناسبة وعلى لسان مسؤوليها إلى ضرورة الجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض.

وإن أبدت النهضة استعدادها للاعتذار للشعب التونسي عن الأخطاء التي ارتكبتها في الحكم، إلى جانب بقية مكونات المشهد السياسي على اختلاف درجة المسؤولية، وعبرت عن استثمارها لحظة 25 يوليو/تموز لإجراء مراجعات وإصلاح حقيقي، فيبدو أن قيس سعيد لا يزال يتمسك بموقفه من استثناء بعض الأطراف من الحوار لتعيين رئيس حكومة جديد قبل انقضاء مهلة الأيام الثلاثين التي حددها الفصل 80 من الدستور، والتي قام بمقتضاها بإجراءاته الاستثنائية.

TRT عربي