جرجس شكرى أمين النشر بـ«قصور الثقافة»: المصريون يُقبلون على القراءة بشغف بدليل نفاد مؤلفات الهيئة فور طباعتها

 

زخمٌ كبير أحدثته تجربة الشاعر جرجس شكرى فى منصب أمين عام النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة، حيث أسهم بشكل فعال فى إعادة تعريف القُراء الجدد والشباب بالتراث بكل فروعه الفكرية والتاريخية والأدبية، عبر إحداث نهضة حقيقية فى عملية النشر والطباعة تجلت آثارها الإيجابية العديدة خلال الفترات الماضية، إضافة إلى تبنى إبداعات الأدباء الجدد على اختلافها وإتاحة فرص النشر لهم فى الهيئة. وطبق جرجس شكرى أفكارًا واعدة لتطوير حركة النشر فى الهيئة، وتبنى موضوعات غاية فى الأهمية مثل «الهُوية المصرية»، التى يمكن أن نعتبرها مشروعًا قوميًا مضادًا لتيارات التجريف والتغريب، وكذلك جماعات التطرف والتكفير، خاصة بعد ثورة ٣٠ يونيو ومساعى الدولة لتطهير الوطن من تلك الأفكار السامة.. «الدستور» استضافت جرجس شكرى فى ندوة تحدث خلالها عن مجهوداته فى تجديد فكر وآلية النشر فى الهيئة، والتصورات الطموحة التى يتبناها فى اختيار العناوين والإصدارات التى تجرى طباعتها، والتحديات التى واجهته فى ذلك المجال، وتفاصيل أخرى عن تلك التجربة.

 

ترددتُ فى تولى المنصب بسبب مخاوف «الرقابة».. و«الثابت والمتحول» شجّعنى على الاستمرار

فى البداية، تحدث جرجس شكرى عن كواليس توليه المنصب الذى كان متوجسًا من قبوله لأسباب عديدة يكشف عنها قائلًا: «حين عرض علىّ تولى منصب أمين عام النشر بقصور الثقافة حاولت التهرب واعتذرت شهرًا كاملًا، أنا لى كتاباتى وقراءاتى والقضايا الخاصة بى التى أكتب عنها فى المسرح وغيره، وأرى أن هذا دورى، ولكنى وجدت أن هناك تصميمًا على أن أتولى المسئولية».

وأضاف: «كنت خائفًا لأن لى تجربة سابقة سيئة فى العمل بالهيئة، انتهت بفصلى أنا ومحمد البساطى إبان أزمة الروايات الثلاث التى اعترض عليها الإخوان»، متابعًا: «لكن لاحظت وغيرى أن مشروع النشر تراجع بعد ٢٠١١، وسألت نفسى عن سبب ترشيحى لأمانة النشر، وأنا من خارج الهيئة، فطوال تاريخ الهيئة يتم اختيار شاغل المنصب من قيادات قصور الثقافة، عادة وكيل وزارة أو رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية، وحين وافقت على المنصب كان لدىّ تصور محدد عن الثقافة وأهميتها، يمكن وضعه تحت عنوان «خط الدفاع الأول عن الهوية المصرية»، خاصة أن هذه المؤسسة لها دور مهم فى هذا الجانب، إذ لا توجد بقعة فى مصر تخلو من كيان ولو كان صغيرًا لقصور الثقافة».

وكشف عن رؤيته لمشروع النشر بقصور الثقافة مقارنة بغيرها من الهيئات الحكومية قائلًا: «أنا أرى أن مشروع النشر مختلف عن أى مشاريع أخرى فى وزارة الثقافة ليس لكونه مدعومًا ولكن لدوره الكبير، هو ليس نشرًا من أجل النشر ولكن لأهداف تتسق مع طبيعة المكان ودوره، وربما لو ذهبت لمكان آخر كان الأمر سيختلف، لكن كنت أخشى من بعض الأمور مثل الرقابة، لذا قررت حسم الأمر باختيار كتاب سيتحدد معه مصير استمرار بقائى أو رحيلى منذ البداية، فاخترت كتاب «الثابت والمتحول» وتواصلت مع الشاعر أدونيس، وكنت أعلم قيمة الكتاب الذى طبع عشر مرات من قبل».

وواصل: «وافق أدونيس على نشر الكتاب، شريطة ألا يخرج من مصر، وكنت أنتظر حدوث معركة حول العمل لكن اكتشف أن المناوشات التى حدثت فى البداية هى ميراث قديم سببه فى الغالب صغار الموظفين وليس المستويات الأعلى، تراكمات قديمة وليست اتجاهًا».

واستكمل: «التقيت وزير الثقافة وقتها حلمى النمنم، وأخبرته بأن كتاب أدونيس طبع ١٠ مرات فى الخارج، ومصر لم تفعل ذلك فقال لى هذا عار علينا، وترك لى حرية التصرف فى الكتاب، وأرسل أدونيس مقدمة خاصة للقارئ المصرى، ونفدت ٥ آلاف نسخة فور طبع (الثابت والمتحول)، ولم يحصل أدونيس سوى على ٥ نسخ من الطبعة أرسلت إليه إلى باريس».

وتابع: «موقف أدونيس تكرر مع كل من تواصلت معهم من كُتاب عرب أو دور نشر، بهدف طبع طبعة شعبية فى قصور الثقافة، وعادة أسمع مثل هذا الرد: (نحن لمصر وأى شىء متاح فقط نطلب استئذاننا قبل الطبع)».

وقال: «بعدها طبعنا كتاب (مساجد مصر) للدكتورة سعاد ماهر، ومنحنا المجلس الأعلى للشئون الإسلامية حق النشر»، مشيرًا إلى أنه «كان لا بد من العمل فى اتجاهين، الأول العودة إلى رواد الكتاب الذين أسهموا فى تنمية الوعى والنهضة بالثقافة المصرية، خاصة فى النصف الأول من القرن العشرين، ثم مرحلة الستينيات، والثانى اكتشاف المواهب ورعاية الأسماء المبتدئة والراسخة».

ندوة جرجس شكري

إصدار أعمال لـ12 مبدعًا من مختلف المحافظات فى عام واحد فقط

تبنى جرجس شكرى مشروعًا ثقافيًا للبحث عن هوية مصر عبر رصد الكتب التى تناولت تلك القضية وطبعها، ويحكى عن تلك التجربة بقوله: «توفيق الحكيم سرد فى كتابه (بين عهدين) أن الوفد المصرى حين ذهب بعد الحرب العالمية الأولى للإنجليز مطالبا بالاستقلال، سخر منه الاحتلال وقال لهم من أنتم، هل أنتم العثمانيون أم المماليك أم من بالضبط؟».

وأضاف: «هذه القصة كانت دافعًا قويًا للبحث فى هوية مصر، وقد كتب الكثير من المفكرين حول هذه الهوية، وكان الشىء المبهر والمشرف هو أن كل شرائح المجتمع من المثقفين بدأت تبحث عن هوية مصر، وهو أمر أشرت إليه فى المقدمة الثابتة المتعلقة بأعمال الهوية، ومن أهم المؤلفات كتاب شفيق غربال (تكوين مصر)، وكتاب (فى أصول المسألة المصرية) لصبحى وحيدة».

ندوة جرجس شكري

وواصل: «حين كتب توفيق الحكيم (أهل الكهف) جمع طبقات المجتمع، فالمسرحية كانت تتحدث عن الهوية المصرية وتعدد الطبقات الحضرية فى هذا البلد، وثورة ٣٠ يونيو كانت نقطة فارقة وكان لا بد من الرجوع للهوية مرة أخرى».

وتابع: «كان لا بد من البحث عن الهوية وترسيخها بـ٣ كتب لرفاعة الطهطاوى ضمن سلسلة (ذاكرة الكتابة) وهذه الكتب هى (تخليص الإبريز) و(المرشد الأمين) و(مناهج الألباب)، وقدمنا الكتب، وكنت متوقعًا أن تباع ببطء شديد جدًا، وأنها لن تنفد أبدًا حتى تنتهى مهمتى فى قصور الثقافة، لكن نفدت الطبعة كاملة فى معرض الكتاب، فتوقفت كثيرًا أمام سلامة الذائقة للقارئ المصرى». واستكمل: «كنت أرى شبابًا فى العشرينيات يطالبون بهذه الكتب وينتظرونها، وهذا غير مفاهيم كثيرة، وجدت أن هناك تعطشًا كبيرًا جدًا لقراءة هذه النوعية من الكتب، وبعدها استكملت البحث عن الهوية المصرية وطباعة عدد من الكتب أسهمت فى تنمية الوعى».

ورأى جرجس شكرى أن توق المصريين لكسر الجمود ومزاجهم الثورى ساعد على نشر كتب تطرح أسئلة جريئة عن الهوية، مشيرًا إلى أن الإقدام على هذه الخطوة قبل ١٠ سنوات أى قبل ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو كان مستحيلًا.

وقال: «بدأت الجزء الأول من سلسلة الهوية بإصدار كتاب (فجر الضمير) لجيمس هنرى بريستد، ولاحظت تفاعل المصريين الكبير مع موكب المومياوات الملكية فتحمست أكثر لاستكمال هذه السلسلة».

ندوة جرجس شكري

وأضاف: «بعيدًا عن الاختلاف أو الاتفاق مع ٢٠١١ و٢٠١٣ فهناك آراء متعددة ومغايرة بين ما حدث هنا وهنا، ولكن المتفق عليه أن المجتمع تغير وخرج منه ما لم نكن نتخيله تمامًا، أن تجد ٣٠ مليونًا يخرجون للشوارع لإسقاط حكم الإخوان فنحن أمام لحظة فارقة فى تاريخ الشعب المصرى، ويؤكد أن هناك تغيرًا مجتمعيًا كبيرًا حدث».

ويؤمن «شكرى» بأهمية فهم ذوق القراء وقراءة الظرف السياسى الحالى والاستفادة منه فى إعادة بناء الإنسان المصرى فكريًا وتحصين هويته وقيمه المصرية من الأفكار الدخيلة، عبر تسليط الضوء على التراث المصرى العظيم، لإيجاد مثقفٍ واعٍ يدرك ما يحيط به من أخطار.

وقال: «من مهام قصور الثقافة أن تساند جميع الأصوات وأن تتعامل مع صغار الكتاب كما تتعامل مع كبارهم، وأن تمكن أصغر كاتب فى قرية نائية فى صعيد مصر من إيصال صوته للقراء، وهو ما برهنت عليه بنشر مؤلفات ١٢ كاتبًا من مختلف المحافظات فى عام واحد، وأنا حين أفعل ذلك لا أنتظر أن يتحولوا جميعهم إلى كتاب كبار، ولكن أنا أؤدى دورى وأقدم للقراء جملة من الكتابات المتنوعة».

وواصل: «لدينا ١٨ سلسلة للنشر منها سلسلة أو اثنتان مخصصة للمبدعين، وننشر كتبًا صغيرة لا يزيد عدد صفحاتها على ١٠٠ صفحة، ولا ننتظر منهم أن يكونوا كتابًا عالميين مثل نجيب محفوظ أو غيره من الكتاب الكبار، لكن يكفينا أن جماعة الثقافة ومتذوقى الأدب اكتسبوا عضوًا جديدًا».

نحتاج طبعات شعبية من كتابات الحكيم ونجيب محفوظ

تحدث جرجس شكرى عن تحديات النشر الإقليمى ومشكلاته فى محافظات الجمهورية، وكان أبرزها أن مطبوعات النشر الإقليمى تطبع داخليًا فى المحافظات، وطباعتها رديئة جدًا.

وقال: «تحدثت مع رئيس هيئة قصور الثقافة السابق أحمد عواض فى ذلك، وأن من حق كل كاتب وقارئ مصرى أن يحظى بأغلفة وصفحات جيدة، لذا تم نقل الطباعة إلى مطابع هيئة الكتاب فى القاهرة، وتوزيعها بعد ذلك فى الأقاليم»، مضيفًا: «ظلت اختيارات الكتب من حق بيوت وقصور الثقافة، لكن ازداد التوزيع والانتشار، وهذا هو دورنا تجاه كتاب الأقاليم».

وواصل: «الكتب التى تخضع للنشر المركزى، يتم اختيارها وفرزها عن طريق لجنة متخصصة وبعد موافقة لجنة قراءة مكونة من أشخاص معروفين فى الشأن الأدبى، مقابل مبالغ قليلة، لذا فإن بعض الكتب المنشورة مركزيًا حصلت على جوائز بعد ذلك.. طبعًا ليست كل الكتب، لكن تلك مسألة طبيعية».

وعن الاتجاه لتصوير أصول بعض الكتب القديمة ثم طباعتها فى الهيئة، قال: «لكل عصر لغته البصرية، ومن الأفضل جمع الأصول القديمة بالطرق الحديثة، بدلًا من الاكتفاء بالتصوير، لكن المشكلة مشكلة إمكانات، لأن الهيئة لا تملك مطبعة، لذا يكون التصوير أفضل للمحافظة على الكتاب نفسه، لذا نلجأ للتصوير لأنه الأضمن».

وأضاف: «رغم ذلك حاولنا جمع بعض الكتب بالطريقة الحديثة، ومن بينها كتاب (الإسلام وأصول الحكم) للشيخ على عبدالرازق، و(السلوك فى معرفة تاريخ الملوك) للمقريزى من ٦ أجزاء، وغيرهما».

ندوة جرجس شكري

وعن نفاد بعض الكتب ورفض طبعها مجددًا، قال إن الهيئة بحاجة لطباعة كتب مختلفة لإتاحة الفرصة أمام الكتب الجديدة، مشيرًا إلى أن إعادة الطبع تكون فى حدود.

وأوضح: «أحيانًا يكون علىّ أن أختار بين كتابين مهمين، فعندما تنفد طبعة كتاب (الإسلام وأصول الحكم)، مثلًا أكون أمام أحد خيارين، إما إعادة طبعه أو نشر كتاب جديد من كتب الشيخ عبدالمتعال الصعيدى مثلًا، وهنا سأختار الكتاب الجديد مع قصر إعادة الطبع على مؤلفات أساسية ومحورية، مثل (تهافت التهافت) لابن رشد فى الرد على (تهافت الفلاسفة) لأبوحامد الغزالى».

وكشف جرجس شكرى عن تفاصيل خاصة عن أزمة عدم القدرة على إعادة نشر تراث الكاتبين العملاقين الراحلين توفيق الحكيم ونجيب محفوظ، قائلًا: «حقوق إعادة الطبع مملوكة حصرًا لدار الشروق، ولا يمكننا تجاوز القوانين وإعادة الطبع دون اتفاق قانونى».

وطالب «شكرى» بتدخل وزارة الثقافة والتفاوض مع دار الشروق لإنتاج طبعات شعبية من مؤلفات العملاقين، وقال: «فى قصور الثقافة طبعنا ٥٠ كتابًا من سلسلة المسرح العالمى، وهى على وشك النفاد، وهو أمر جلل لأن الكتابة عن المسرح موجهة لمتخصصين، وكتب المسرح لا تحظى بجماهيرية واسعة مقارنة بغيرها من مجالات الكتابة، فلك أن تتخيل مدى الإنجاز والمفاجأة فى أن تبيع ١٠٠ ألف نسخة».

ندوة جرجس شكري

وشدد على أن اختيار الكتب يجرى وفق آلية محددة وبعناية فائقة، موضحًا: «راعينا التعدد، فمثلًا صبحى وحيدة، له مؤلفات عن الاقتصاد، والقومية المصرية، وكان يركز على تاريخ مصر منذ فجر التاريخ وحتى الفتح العربى، فيما يقدم نبيل عبدالفتاح قراءة حديثة لمصر، كما نشرنا (دراسات فى الحضارة) للويس عوض وهو فى صميم الموضوع، لأن المقالات والأبحاث الموجودة فى الكتاب شارك بها فى مؤتمرات عن مصر فى حوض البحر المتوسط وأمريكا وكانت تركز بشكل كبير على سؤال الهوية».

 

تاريخ الخبر: 2021-08-11 20:23:19
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 48%
الأهمية: 58%

آخر الأخبار حول العالم

محمد سهيل مدربا جديدا لجمعية سلا لكرة القدم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-28 21:26:15
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 55%

محمد سهيل مدربا جديدا لجمعية سلا لكرة القدم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-28 21:26:24
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية