حواء الجديدة فخر البشرية
حواء الجديدة فخر البشرية
إنّ الخطيئة الملعونة بعد أن أغوت آدم وحواء سادت على الجنس البشري وأسدلت بظلال شرورها القاتمة على أصل طبيعتنا البشرية النبيلة ، وجمالها البهي ، التي منحنا إياها الله يوم خلقنا ووضع فينا روحه القُدُس ، وقالَ الله : ” لِنصنعِ الإنسان على صورَتِنا كمِثالِنا ….. فَخَلَق اللهُ الإنسان على صُورَتِه ، على صورةِ اللهِ خلقه ، ذكراً وَأُنثَى خَلَقَهم ( تكوين ١ : ٢٦ – ٢٧ ) … ونفخَ في أنفهِ نسمةَ حياة ، فصار الإنسان نَفْساً حيَّة ” ( تكوين ٢ : ٧ ) .
وعندما وُلِدَت العذراء الكُليّة القداسة والطهارة والجمال الأسمى ” كلُّك جميلة ولا عيب فيكِ ” ، استعادت طبيعتنا البشرية نقاءها فوجدت نفسها قد ” صُنِعَت على صورة الله كمثاله ” (تكوين ١ : ٢٦) . لكن ، ومع الأسف أراد الإنسان أن يكون حراً ، بعيداً عن الله ، ففضّل إغراءات وشهوات وغنى الحياة والعالم السفليّ ، الأرضي الزائل ، على العالم العلويّ السماويّ الأبدي ، وبدأ يتمردغ باليأس والقنوط ولم يبقى له أي أمل بالخلاص . ولكن محبة الله ورحمتُهُ أيقظت في الإنسان المعرفة والوعي فطلبت حالته الطبيعيّة الإلهية التي استغنى عنها بإرادته ولمصالحه الشخصية العون والنجدة من السماء ،
والله الكلي الرأفة والحنان استجاب إلى طلب الإنسان وقرر بإرادته الإلهية المُطلقة إظهار عالم تسوده من جديد النِعمَةُ والقداسة .
لتتمّ المصالحة بيننا وبين الله ، ويتمُّ سر الخلاص والفداء لبني البشر ، ألم يكن مناسباً أن يختار الله عذراء غاية في القداسةِ و النقاوةِ والطهارة ، وخالية من الشوائب لتقوم خدمة هذه الخطّة الخلاصيّة ؟
وهذه العذراء، أين نجدها، إن لم يكن ذلك إلاّ في هذه المرأة الفريدة من بين النساء، التي اختارها خالق الكون قبل كلّ الأجيال ؟
نعم، هذه هي والدة الله، مريم ذات الاسم الإلهي و ” الممتلئةُ نِعمَةً ” ( لوقا ١ : ٢٨ ) ، التي أعطى حشاها الجسد للإله المتجسّد، وقد حضّرها هو نفسه بطريقة تفوق الطبيعة ، والقل البشري ، لتكون هي ، وفيما بعد نحن ايضاً : ” هيكلُ الله الحيِّ ” ( قورنتس الثانية ٦ : ١٦ ) ، ومسكن الثالوث الأقدس .
إنّ مخطّط مُخَلِّص جنسنا البشري يسوع المسيح ، أراد أن نولد ولادةً جديدة ” بالماء والروح ” . فمولودُ الجَسدِ يكونُ جَسداً ، ومولودُ ” الرُّوحِ يكونُ روحاً ” ( يوحنا ٣ : ٥ – ٦ ) ، ونصير خلقاً جديداً لإستبدال الماضي الذي وقعنا فيه وخسرنا النِّعَم التي أعطيت لنا في بدء الخلق . وكما أخذ الله في جنّة عدن من الأرض العذراء الخالية من العيب ، القليل من التّراب ليصنع آدم الأوّل ( تكوين ٢ : ٧ )، كذلك، في لحظة تجسّده الخاص ” فلمّا تمَّ الزٰٓمان ، أرسلَ اللهُ ابنَهُ مولوداً لإمرأَةٍ ” ( غلاطية ٣ : ٤ ) ، استخدم أرضًا أُخرى ، وهي أحشاء العذراء مريـم النقية التي لا عيب فيها ولا دنس، والتي اختارها من بين كلّ خلائقه ، وبها صنعنا من جديد بالمسيح يسوع ” آدم الجديد ” .
وإذا كان هُناك جِسمٌ بشري ، فهناكَ أيضاً جِسمٌ رُوحيّ ، كما ورد في الكتاب المُقدّس : ” كان آدم الإنسان الأول نَفْساً حيَّة ” وكان آدم الآخِرُ روحاً مُْحْيِياً . ولكن لم يظهر الروحيُّ أوّلاً ، بل البشريّ ، وظهرَ الروحيُّ بَعدَه . الإنسانُ الأولُ من التُّراب فهو أرضي ، والإنسانُ الآخر من السماء ، فهو سماويّ . فعلى مِثالِ الأرضيِّ يكونُ الأرضِيُّون، وعلى مِثالِ السماويِّ يكونُ السَّماويُّون . وكما حملنا صورةَ الأرضيِّ ، فكذلِكَ نحمِلُ صورة َ السماويّ . ( قورنتس الثانية ١٥ : ٤٤ – ٤٩ ) .
فالله الذي خلق آدم من التراب ، أراد ان يتجسد ابنَهُ من عذراء ليُخلّص الإنسان القديم بالجديد والأبديّ .