جدد السفير المغربي الدائم لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، إثارته موضوع تقرير مصير منطقة القبائل. كان ذلك أثناء مرافعته لصالح موقف بلاده من قضية إقليم الصحراء أمام لجنة الـ24 لمنطقة الكاريبي، خلال مؤتمرها الذي أُقيم الأسبوع الماضي بعاصمة جمهورية الدومينيكان.

حيث حاجَّ هلال في دور الجزائر في النزاع القائم بالصحراء، مذكّراً بأن "مبدأ تقرير المصير يجب أن لا يكون انتقائياً"، وأنّ هناك منطقة داخل الجزائر تطالب بذلك الحق "لم لا يشملها الدفاع الجزائري عن ذلك المبدأ؟". في تصريحات ليست الأولى للسفير المغربي، بينما ردّت الجزائر عن سابقتها بسحب سفيرها من الرباط، ما أطلق العنان لتصاعد في التوتر بين البلدين، أدى إلى إعلان وزير خارجيتها رمطان عمامرة قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب الثلاثاء 24 أغسطس/آب الماضي.

بالنسبة للحكومة المغربية، فإنّ ما صرَّح به هلال عبارة عن موقف لإظهار الحجة ولا يعبّر عن إرادة سياسية مغربية. بينما تتهم الجزائر المملكة بدعمها "الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل"، التي تصنفها الحكومة الجزائرية "منظمة إرهابية"، كما حمّلتها مسؤولية ضلوع الحركة في إشعال الحرائق التي التهمت غابات منطقة القبائل الشهر الماضي. في اتهامات نفاها المغرب جملة وتفصيلًا.

هلال يجدد إثارة ملف القبائل

أثناء حضوره اجتماع مجموعة الـ24 لمنطقة الكاريبي على رأس الوفد المغربي، شدد سفير المملكة المغربية الدائم لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، على أنّ الجزائر "لم تكن أبداً مجرد مراقب في قضية الصحراء المغربية"، بل أنها "كانت منذ البداية طرفاً فاعلاً في هذا النزاع".

قال ذلك مترافعاً باسم بلاده أمام المجموعة الإقليمية، حيث تساءل هلال بالقول: "هل هناك أيّ إقليم أو بلد مدعو إلى هذه الندوة لهما جار معادٍ يفرض عليهما نزاعاً مسلحاً منذ عقود ويهاجمهما من جماعة انفصالية مسلحة دخيلة؟ الجواب لا. وحدها الجزائر مسؤولة عن هذا الخلل الفريد والخطير للغاية في ما يتعلق بالمغرب وصحرائه".

وأردف السفير المغربي بأنّ "الحقّ في تقرير المصير مبدأ عالمي ومبدأ أممي، ويجب أن يُوظّف دون انتقائية ويجب أن يستفيد منه جميع السكان، وخاصة أولئك الذين كانوا تحت احتلال منذ عقود". مضيفاً في ذات السياق أنّ "الجزائر التي لا تفتأ تطالب بما تزعم أنه تطبيق حق تقرير المصير في الصحراء المغربية، تنسى أنّ هناك سكاناً على ترابها يطالبون بتمكينهم من الاستفادة من الحق في تقرير المصير". في إشارة إلى الحركة الانفصالية بمنطقة القبائل الجزائرية.

دعم جديّ أم موقف لإظهار الحجة؟

ليست هي المرة الأولى التي يتطرّق فيها هلال بالحديث لحركة المطالبة بتقرير المصير في منطقة القبائل، كانت الأولى حين دعا خلال اجتماع دول عدم الانحياز ،يومي 13 و14 يوليو/تموز الماضي، إلى "استقلال شعب القبائل" في الجزائر، وفق ما نقلت وسائل إعلام مغربية. الأمر الذي اعتبرته الجزائر "تجاوزاً للخطوط الحمراء".

وطالبت الخارجية الجزائرية في بيان لها وقتها المغرب بتقديم تفسير للواقعة، وسحبت سفيرها من الرباط في انتظار التفسير الذي لم يأتِ. في المقابل اتهمت الجزائر المغرب بـ"التخطيط لأعمال عدائية ضدها" على خلفية الحرائق التي شبّت في غابات البلاد الشهر الماضي. كما اتهمته بدعم "الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل" (المعروفة اختصاراً بـ "ماك") والتي تصنّفها الجزائر العاصمة حركة إرهابية. تزايد هذه الاتهامات والتصعيدات انتهى على أساسها إلى إعلان الخارجية الجزائرية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب.

في المقابل، نفى المغرب كل ما نسبته إليه الخارجية الجزائرية، معتبراً إياها "اتهامات لا أساس لها". فيما فسَّر رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، حديث سفير المملكة عمر هلال عن تقرير مصير القبائل بـ"الموقف الحجاجي".

وقال العثماني في حديث له لموقع هيسبريس المغربي أنّ حديث هلال: "كان رد فعل لسفير المغرب في الأمم المتحدة، ليس موقفاً سياسياً يُعبّر عنه، وإنما هو رد فعل حجاجي، إذا كنتم تقولون كذا فإنه كذا، هو ليس موقفاً سياسياً للدولة المغربية". وأردف الوزير المغربي متأسفاً: "مع الأسف، كنا نتمنى أن يكون ردّ الفعل الجزائري فيه مصالحة وتعاون"، لكنّ "المغرب سيبقى دائماً وفياً لمبدئه ألا وهو العمل لبناء اتحاد مغاربي منسجم وقوي وقادر على أن يخوض تحديات القرن الحادي والعشرين".

"الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل"

قامت "الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل"، المعروفة اختصارًا بـ"الماك"، على إثر أحداث الربيع الأمازيغي بالجزائر في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. حيث انتفضت الساكنة الأمازيغية للإقليم مطالبة بحقوقها الثقافية والهوياتية، وتلا ذلك قمع وأعمال عنف دامت لسنوات.

سنة 2001، أسس فرحات مهني الذي كان أحد قياديي الربيع الأمازيغي حركة "الماك" للمطالبة بتقرير مصير المنطقة. واتساقاً مع هذا المطلب أعلنت عام 2010 في باريس تشكيل حكومة مؤقتة لمنطقة القبائل، لتصدّر نفسها على أنها المتحدثة الرسمية باسم الأقلية القبائلية.

الحكومة الجزائرية عبرت من جانبها عن رفضها كل أشكال استقلال منطقة القبائل الناطقة باللغة الأمازيغية والواقعة في شمال شرق البلاد، واعتبرت بذلك هذه الحركة غير قانونية. وعقب اتهامها بعد ذلك بالتخطيط لأعمال إرهابية، وتفكيك خلايا انفصالية تنتمي إليها، صنفتها السلطات الجزائرية منظمة إرهابية في مايو/أيار الماضي، وذلك وفق إجراء أمني.

منذ بداية أغسطس/آب الماضي، اجتاحت الحرائق الغابات الواقعة في شمال الجزائر والتهمت آلاف الهكتارات، وأسفرت عن مقتل عشرات الأشخاص من مدنيين وعسكريين تجندوا لإخماد النيران. حرائق اتهمت الحكومة الجزائرية حركة "الماك" بالضلوع في إشعالها. كما اتهمت الجزائر في هذا السياق الرباط بتقديم الدعم لهذه الحركة "استهدافاً لأمن الجزائر ووحدته".

الأمر الذي نفته الخارجية المغربية، ورفضت "بشكل قاطع" في بيان سابق لها هذه التّهم "الزائفة والعبثية". كما أكدت أنّ الرباط "ستظلّ شريكاً موثوقاً ومخلصاً للشعب الجزائري وستواصل العمل بكلّ حكمة ومسؤولية من أجل تطوير العلاقات بين الدول المغاربية".

TRT عربي