الخطاب الطالباني لإقناع المجتمع الدولي تؤكده الأفعال وليس الأقوال

يُدرك النظام الإيراني أن احتفاءه بما وصفه انتصار طالبان على الاستعمار الأميركي يحمل له مشكلات استراتيجية آتية لا محالة قد شكلتها على أرض الواقع تحولات جيوسياسية، باعتبار أن شخصية النظام الإيراني مغرمة بالتاريخ الذي يتحكم في سلوك نخبه، وعلاقاته مع حركة طالبان لها حديث ذو شجون، وشهدت العديد من التقلبات، لذلك يستعد النظام الإيراني لسد الفراغ الذي نجم عن رحيل القوات الأميركية، ويخشى في الوقت نفسه، أن تكون حركة طالبان المرشح الوحيد لملء هذا الفراغ، وبالتالي تهديد مصالحه الطائفية والاقتصادية، لا سيما في حال رفضت طالبان الخضوع لمطالبه، لهذا استبق الأحداث باستدعاء ميليشياته الطائفية، وتدريبها وتجهيزها لزعزعة استقرار أفغانستان وأمنه، خصوصاً أن النظام الإيراني قد حزم أمره منذ سنوات بالابتعاد عن الحروب المباشرة التي تكلّفه أرواحاً بشرية وأموالاً ضخمة، وعوّض عن ذلك بحروب بالوكالة عبر ميليشيات طائفية عابرة للحدود.

محاكاة طالبان لحكم ولاية الفقيه تهديد لاستقرار طهران ومصالحها

أولاً: من الإقصاء إلى السيطرة

سيطرت (طالبان) على العاصمة الأفغانية كابول في 15 أغسطس 2021م، وذلك بعد عشرين عاماً من المحاولة الأميركية في إعادة تشكيل أفغانستان وتأسيس الديمقراطية المزعومة.

وعلى الرغم من كل التصريحات المتبادلة والمتضاربة حول طريقة سيطرة طالبان على كابول بهذه السرعة، تبقى هناك حقائق ظاهرة وهي أن طالبان أمضت أعواماً عديدة تستعد فيها لانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان.. ورغم الضربات الجوية ومصرع الآلاف من الطرفين، لم تتمكن الولايات المتحدة من وقف حركة طالبان، والتي حققت مكاسب في مقاطعات شاسعة مستغلة حال الغضب الشعبي إزاء انتهاكات القوات الأجنبية والفساد السياسي.

«سبعة مخاطر» ترعب طهران.. وميليشيات النظام على أهبة الاستعداد

ولا شك في أن اتفاق السلام المشروط والموقع بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في عهد الرئيس السابق ترمب كان باكورة انسحاب الرئيس جو بايدن من أفغانستان، وتسليمه لطالبان.

ولذلك يقدم التاريخ المعاصر دروساً قيمة تؤكد أن التسويات السياسية الإقصائية لا تصمد على أرض الواقع، وقد حدث ذلك عام 2001م، عندما استبعدت الولايات المتحدة طالبان من اتفاقية (بون) حول تشكيل الدولة الأفغانية بعد الغزو.

ومن هذا القبيل يأمل العالم أن تكون حكومة طالبان الجديدة أكثر مرونة وبراغماتية من السابق، وأن تدرك أن الاعتراف الدولي ضروري لبقائها، وهذا ما بدا فعلياً منذ دخولها العاصمة كابول، حيث أكدت عبر المنصات الإعلامية العالمية رغبتها في بناء علاقات دبلوماسية وتجارية جيدة مع جميع دول العالم، وأكد أيضاً على هذا الأمر المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد، عبر حسابه على تويتر: «نريد علاقات دبلوماسية وتجارية أفضل مع جميع الدول».

لذلك تتبنى حركة طالبان الآن خطاباً سياسياً معتدلاً لإقناع المجتمع الدولي بها، تجنباً لتكرار ما حصل معها خلال حقبة حكمها الأولى بين عامي 1996م إلى 2001م.

ثانياً: مرتكزات العلاقات الحاكمة

يمكننا توضيح المرتكزات الحاكمة للعلاقة الثنائية بين أفغانستان وإيران على النحو التالي:

أ. المرتكز الجغرافي: تتشارك أفغانستان مع إيران في حدود ممتدة بطول 920 كم، وهو ما جعل أوضاع أفغانستان غير المستقرة مصدر قلق دائم لنظام الملالي في طهران على مدى العقود الماضية، إضافة لما تمثله أفغانستان من كونها منبعاً لأنهار تجري في إيران، وتحديداً نهر (هلمند).

ب. المرتكز الديموغرافي: على جانب الحدود بين الدولتين، الأفغانية والإيرانية، تتشابك القوميات والأعراق، حيث تقيم القومية البلوشية في محافظة (سيستان وبلوشستان) شرق إيران، وتمتد إلى عمق الأراضي الأفغانية.

وتعد محافظة (سيستان وبلوشستان) في إيران من أكثر المناطق توتراً للجانبين، كونها مأوى للحركات السنية المناهضة للنظام الإيراني، فضلاً عن ارتباطات طهران الطائفية والمشبوهة ببعض الأقليات التي تقطن الشمال الأفغاني، كقبائل الهزارة، وقبيلة السيدز، وقبيلة الفرسيوان، وقبيلة قيزلباش، وغيرها، لا سيما أن أغلب أبنائها يؤتمرون مباشرة بأوامر النظام الإيراني الذي يقدم نفسه، كذباً وزوراً، حامياً للشيعة في أفغانستان والعالم، بينما لا يتوانى عن قتل المواطن الإيراني حتى لو كان شيعياً، والشواهد كثيرة.

ج. المرتكز التجاري: ترتبط إيران بأفغانستان من خلال علاقات تجارية واسعة، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2020م ما يقارب أربعة مليارات دولار.

ثالثاً: علاقات ثنائية متقلبة

من يتعمق في قراءة شخصية النظام الإيراني يدرك أنها مغرمة بالتاريخ الذي يتحكم في سلوك نخبه الحاكمة، فعلاقات إيران مع حركة طالبان لها حديث ذو شجون، تلك العلاقة التي شهدت العديد من التقلبات، فخلال حكم طالبان لأفغانستان من 1996م - 2001م شهدت علاقاتهما خلافات كثيرة، ومن أهمها مصرع العشرات من حركة طالبان عام 1998م في مدينة (مزار شريف) شمالي أفغانستان على يد (حلف الشمال) الذي كانت إيران من أبرز داعميه.

بينما كان ردُّ قوات طالبان على هذه الحادثة، ودعم إيران لتحالف القبائل الشمالية بزعامة برهان الدين رباني وقيادة أحمد شاه مسعود، من خلال شنَّ هجوم واسع على مدينة مزار شريف في شمالي أفغانستان في 8 أغسطس 1998م، والتي يعد نصف سكانها من الهزارة الشيعة والاستيلاء عليها، وحاصرت القنصلية الإيرانية، وقتلت 10 دبلوماسيين إيرانيين.

وزاد الأمر سوءاً دعم إيران في عام 2001م احتلال الولايات المتحدة لأفغانستان، والإطاحة بحكومة طالبان، حيث ذكر حسين موسويان رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في ذلك الوقت، أن التعاون تم في إطار المصالح المشتركة لإيران والولايات المتحدة، وهو الإطاحة بحكم طالبان، واستمرت العلاقة السيئة بين الجانبين حتى أواخر عام 2015م، حيث كان المرشد الأعلى علي خامنئي يشير إلى طالبان على أنها «مجموعة من المرتزقة المتعصبين الذين لا يعرفون شيئاً عن الإسلام أو المعايير الدولية»، إلاّ أنه توقّف فجأة عن انتقاد طالبان في عام 2016م، وأخذ يركّز على التشجيع على مقاومة الاستكبار العالمي والشر الأميركي في أفغانستان، والحديث عن أوجه التشابه بين «المقاومة الأفغانية، والسورية، والعراقية، واليمنية» على حد وصفه.

وأضحت الشخصيات الإيرانية الحكومية تطلق على حركة طالبان اسم «الإمارة الإسلامية»، وهو الاسم الذي تفضله (طالبان)، وتصويرها على أنها حركة متجددة.. وفي غضون ذلك، شمت الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، ووصفها كفرصة لجميع الأفغان لتحقيق سلام دائم.

ومن خلال هذا العرض، يبدو واضحاً أن النظام الإيراني كان يُحضّر من وراء الكواليس لهذه الساعة، منذ سنوات، لجني الفوائد!!، حيث لم يعرب هذا النظام عن قلقه عندما سقطت مدينة هرات الشيعية في 15 أغسطس 2021م، في أيدي قوات طالبان.. وذكرت (وكالة تسنيم للأنباء) الإيرانية الرسمية، أن حركت طالبان طمأنت طهران بأن الشيعة الأفغان يمكنهم ممارسة تقاليدهم الدينية بحرية وأمان.

لذلك من المرجح أن يستغل النظام الإيراني الوضع الأفغاني الناشئ من خلال تشجيع وكلائه المحليين على زيادة نشاطهم العسكري في أفغانستان، خصوصاً أن وحدات عسكرية شيعية ضمن الجيش الأفغاني قد استولت على أسلحة أميركية متطورة، وذلك التشجيع قد يحصل في حال عدم استجابة طالبان لرغبة طهران بالانضمام لمحور المقاومة المزعومة، مقابل حصول طالبان على الوقود والأسلحة الإيرانية ووقف أنشطة الوكلاء المزعزعة للأمن.

وبالتالي يمكننا القول إن تعامل وتعاطي النظام الإيراني مع القضية الأفغانية لن يكون بمنأى عن ذاكرتها التاريخية المتعلقة بقتل حركة طالبان لدبلوماسييها في 08 أغسطس 1998م.

رابعاً: مخاوف إيرانية تجاه طالبان

مع تمكن حركة طالبان من السيطرة على العاصمة كابول برزت لدى النظام الإيراني هواجس تجاه ذلك، وتابع تطورات الوضع الأفغاني عن كثب، خصوصاً أن هذه الأزمة تمثل لها معضلة حقيقية بناء على اعتبارات نوضحها في التالي:

أ. الخشية من محاكاة ولاية الفقيه:

لا شك في أن دستور حركة طالبان الصادر عام 2005م يحاكي ويلامس دستور ولاية الفقيه الإيراني، إن تم تطبيقه حرفياً، حيث تمنح بنوده كامل الصلاحيات لأمير المؤمنين على غرار المرشد الإيراني، حيث نصت المادة الأولى على أن أفغانستان إمارة إسلامية، حرة، مستقلة، واحدة غير قابلة للتجزئة.

وفي المقابل يقوم على حكم إيران ولي فقيه له كافة الصلاحيات في الدستور، بينما دور مجلس الحكم (مجلس تشخيص مصلحة النظام) فيه يكون استشارياً.

والخشية الإيرانية من أن تكون فكرة نموذج ولاية الفقيه الإيراني تعزز وجود نظام ولاية فقيه سني، ما يجعل هناك نموذجين متنافسين للاستقطاب والتمدد، لهما في دستوريهما سلطات شبه مطلقة، حيث حددت المادة 55 من دستور حركة طالبان صلاحيات أمير المؤمنين في 20 نقطة، أبرزها تمثيل الإمارة الإسلامية دولياً، وقيادة الجيش، وتعيين رئيس مجلس الوزراء والوزراء وعزلهم، وتعيين رئيس المحكمة العليا والقضاة وعزلهم، إضافة إلى تعيين السفراء، إضافة إلى تشكيل جيش عقائدي أشبه بالحرس الثوري الإيراني.

لكن حركة طالبان اليوم قد لا تكون هي نفسها قبل ما يزيد على عشرين عاماً، حيث أطلقت تصريحات فيها طمأنات لكسب ود الأفغان والمجتمع الدولي، وصرح القيادي بالحركة وحيد الله هاشمي لوكالة (رويترز) على أهمية المشاركة في الحكم، قائلاً: «إن طالبان تعتزم تشكيل قوة جديدة، تضم إلى جانب أفرادها الجنود الحكوميين المستعدين للانضمام إليها».

ب. تغيّر البيئة الجيوسياسية:

تغيرت البيئة الجيوسياسية الشرقية بالنسبة للنظام الإيراني، والذي باتت التحديات تتصاعد في مواجهة أمنه ومصالحه، فقد عارض سابقاً أي انسحاب أميركي على حساب الحكومة الأفغانية، لا سيما أن الساحة الأفغانية تعدّ منطقة نفوذ لفيلق القدس التابع للحرس الثوري، والذي يرى بدوره سيطرة طالبان على أفغانستان ستسبب مشكلات جمة لإيران، وتهديداً مباشراً لأمنها القومي.

والخشية الإيرانية من أن المستنقع الأفغاني قد يجبر طهران على تخفيف ضغطها على العراق وسورية واليمن ولبنان، وسحب جزء من ميليشياتها من هذه البلدان لتقديم الدعم لوكلائها في أفغانستان، كما كانت تفعل العكس في السابق.

ج. مركز للجماعات الانفصالية:

يتخوف النظام الإيراني من إمكانية استغلال أفغانستان كقاعدة لدعم المعارضة الإيرانية أو الجماعات المتمردة الانفصالية، على غرار أقلية البلوش التي تعمل في المناطق الحدودية بين البلدين.

كما يخشى النظام الإيراني من مقايضة طالبان بعدم دعم الأقلية البلوشية الإيرانية، في مقابل كف أيدي الملالي عن دعم وتحريض المكونات الشيعية الأفغانية، وهذا ما لم تستطع طهران الوفاء به.

د. التحوّل إلى حاضنة للإرهاب:

تتخوف طهران من أنها ستفقد مع مرور الزمن قدرتها على التحكم في إدارة الإرهاب الدولي، وتمسكها بخيوطه، في حال أصبحت كابول منافسة لها كملاذ آمن للتنظيمات الإرهابية، على غرار القاعدة وداعش.

لا سيما أن طهران قد استضافت القاعدة وقياداتها على أراضيها، وتتفاخر بصناعة داعش التي تربطها معها اتفاقات برجماتية، تتمثل في السماح لهم بالعبور الآمن من أفغانستان إلى العراق إلى سورية، والسماح للقاعدة وداعش على حدّ سواء بجمع الأموال، مقابل عدم تنفيذ عمليات إرهابية داخل إيران، أو ضد مصالحها في الخارج، بل كان التنسيق على أتمه بينهم في العمليات الإرهابية، حيث اعترف قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، في تصريح لصحيفة بغداد العراقية: «نحن من خلقنا داعش، وهو من سمح لنا بتكوين الميليشيات».

لذلك بناء الميليشيات والعصابات الإرهابية كان هدفاً استراتيجياً إيرانياً، سواء كان داعش أم القاعدة أم حزب الله أم الحوثي أم الحشد الشعبي، فجميع هذه الميليشيات أبناء بررة للولي الفقيه، ولن يتخلى عنها بسهولة، ويخشى مستقبلاً من دور لطالبان في استقطاب بعضها، لا سيما داعش والقاعدة، وتوجيه إرهابهما ضده.

هـ. تدفق الهجرة الأفغانية:

يخشى النظام الإيراني من أن تقوم حركة طالبان بعمليات تنكيل واسعة ضد ميليشيات شيعة موالية له في أفغانستان، لا سيما أنه يرى طالبان ليس سوى جماعة سنية متطرفة ينبغي عدم التعامل معها بما يعزز احتكارها للسلطة، ويجب تأسيس قوة موازية لطالبان في أفغانستان تتوافق مع المشروع الإيراني، أساسها يقوم على شيعة الهزارة وغيرهم من الأقليات.

لذلك تتحسب إيران من أن يؤدي قيام مشروعها الميليشاوي في أفغانستان، ومواجهة طالبان له، إلى حدوث موجات من الهجرة الشيعية إلى إيران.

و. تضرر الاقتصاد الإيراني:

يخشى النظام الإيراني من توقف حركة التجارة بين الطرفين، الإيراني والأفغاني، والتي تُقدر بحوالي أربعة مليارات دولار، خصوصاً بعد أن استولت حركة طالبان على المعابر الحدودية الرئيسة مع إيران، لا سيما معبري إسلام قلعة وأبو نصر فراهي، مما يلحق بإيران مع مرور الزمن خسائر مادية فادحة، ومن المتوقع أن تستأنف العلاقات التجارية بينهما مع استقرار الأوضاع في أفغانستان، إلاّ إذا حصلت تطورات جديدة بين الطرفين شعرت طالبان من خلالها بتدخلات إيرانية فجة في الشأن الأفغاني.

ز. معادلة «النفط مقابل المياه»:

تخشى طهران من تعرض مصالحها المائية إلى الخطر، لا سيما أنها دولة المصب لنهر هلمند، والذي ينبع من أفغانستان، لذلك تؤكد على مبدأ قد أرساه الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني «النفط مقابل المياه»، عند افتتاحه سد كمال خان مارس 2021م.

لذلك ستراقب طهران الوضع الأفغاني بمزيد من الحذر، وستلجأ بقوة من خلال مبادئها البراغماتية إلى بناء علاقات مع أي حكومة مرتقبة تقودها طالبان، أو حتى تكون جزءاً منها، على أن تكون تدخلاتها في الشأن الأفغاني قائمة، ولكن وفق الفرص المتاحة.

خامساً: علاقات تعاون مشبوهة

لا شك أن الأنشطة الإيرانية في أفغانستان يكتنفها الكثير من الغموض، والتي تراوحت ما بين اعتراض الوجود الأميركي واحتواء حركة طالبان، وتشجيعها على قتل المزيد من قوات التحالف والتسبب بخسائر مادية لها، وذلك لتسريع الانسحاب الأميركي بما يتماشى مع استراتيجية إيران الأوسع نطاقاً لإخراج الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط بالكامل.

ولهذا قد سعى النظام الإيراني إلى فتح قنوات تواصل مع طالبان وإقامة علاقات مصلحية، وهو ما يتضح في التالي:

أ. إقامة علاقات دبلوماسية:

استبق النظام الإيراني الأحداث الأفغانية الأخيرة، حيث استقبل وزير خارجيته السابق، جواد ظريف، في 27 يناير 2021م وفداً من طالبان بقيادة الملا عبدالغني برادر، رئيس الحركة، قادماً من مكتب الحركة في قطر، وأعرب وزير الخارجية الإيراني في هذا الاجتماع عن دعم إيران لـ «حكومة إسلامية» أفغانية واسعة تشمل جميع الأعراق والفروع الدينية.

كما التقى الوفد برئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، حيث أشاد الأخير بطالبان على صمودها في المعارك ضد الولايات المتحدة.

وبعد سيطرة طالبان على السلطة اشترط النظام الإيراني إقامة علاقات طبيعية معها شرط تشكيل حكومة أفغانية تشمل المكونات الشيعية، إضافة إلى الحصول على بعض الطائرات بدون طيار (الدرون)، والصواريخ وأنظمة الأسلحة الأخرى التي خلفتها الولايات المتحدة، أصبحت الآن في قبضة طالبان لتحليلها واستخدامها في برامج التصنيع الدفاعية.

لذلك يمني النظام الإيراني نفسه، الآن، بإطالة العزلة العالمية على طالبان حتى يتمكن من زيادة نفوذه في أفغانستان، ويحقق المراد.

ب. استقطاب الميليشيات الشيعية:

يحرص النظام الإيراني في علاقاته الدبلوماسية مع الدول على استقطاب الأقليات الشيعية إن وجدت، وذلك لإحداث خلخلة في بنية هذه المجتمعات، وأفغانستان ليست مستثناة من هذه القاعدة الإيرانية، لا سيما أن 15 % تقريباً من سكان أفغانستان هم من الشيعة الاثني عشرية والإسماعيلية، والذين يتركزون إلى حدّ ما في وسط أفغانستان، وفي جيوب أصغر في الشمال والغرب، خصوصاً في هرات وفرح ونيمروز ومزار شريف.

لذلك حذر مدير عام مكتب الشؤون الخارجية في وكالة أنباء تسنيم، حسام رضوي، الشيعة في أفغانستان، وخصوصاً الهزارة، من التطوع للحرب ضد طالبان، لاقياً اللوم على الشيعة الذين يقاتلون ضد طالبان، وليس على طالبان، ورافق مع هذه البراغماتية إشادة صحيفة كيهان، المقربة من المرشد الإيراني علي خامنئي، في 24 يوليو 2021م، بحركة طالبان، وذلك من خلال مقال تحت عنوان «طالبان غيرت مسارها ولم تعد تذبح»، فطالبان الجديدة لم تعد تستهدف الشيعة، كما قدم النظام الإيراني لطالبان سابقاً السلاح والدعم المالي، مقابل تساهل طالبان مع الشيعة الأفغان، ولا سيما أقلية الهزارة، ولهذا السبب سيطرت طالبان على معاقل الشيعة في وسط أفغانستان دون أي مقاومة، إلاّ أن النظام الإيراني في الوقت نفسه، يخشى أن طالبان لن تمكنه مستقبلاً من اللعب بورقة الأقليات الشيعية، كما لم تمكنه من التدخل المباشر بالشؤون الداخلية الأفغانية، والوصول أيضاً إلى أسرار الأسلحة الأميركية، رغم أنه وصلها كمية منه عن طريق الضباط الشيعة في الجيش الأفغاني السابق، مما يؤدي حتماً إلى زعزعة العلاقات الثنائية، ووضع حدّاً للطموح الإيراني في السيطرة على أفغانستان والتحكم به.

وفي حال وقع ما يخشاه النظام الإيراني، وتزعزعت علاقاته مع طالبان، حتماً سيستخدم ورقته الناجحة، وهي دعم الحركات والميليشيات الشيعية لخلخلة الأمن الأفغاني، وذلك من خلال فتح الحدود بشكل مباشر أمام ميليشيات فاطميون التي تتجهز الآن للقيام بهذا الدور، والهدف الأول لها السيطرة على (هرات)، مدعومة بمدفعية ثقيلة تابعة للحرس الثوري الإيراني، وطائرات مسلحة بدون طيار، ونيران صواريخ دقيقة، والآن قائد القوات الشعبية الشيعية في ولاية (هرات)، محمد إسماعيل خان، قد وصل إلى إيران، وتحديداً مدينة مشهد، للتحضير لهذا السيناريو المحتمل.

لكن يبقى الخيار الأول للنظام الإيراني هو امتلاكه قدراً من النفوذ على حركة طالبان، والحصول على ثقتها، والذي من شأنه خدمة هدف طهران الاستراتيجي المتمثل في أن تصبح قوة مهيمنة إقليمية.

ج. سخط إعلامي إيراني

من يتابع وسائل الإعلام الإيرانية يجدها تتراوح ما بين التبشير بإنهاء الوجود الأميركي في المنطقة، والذي يعود الفضل فيه إلى سياسات ولي الفقيه الرشيدة على حد زعمها، وبين التحذير والمخاوف من سيطرة حركة سنية على حكم باكستان، لا سيما أن هذه الحركة تحتفظ بذاكرة انتقامية وعدائية تجاه النظام الإيراني الذي يذكر دائماً بأن لولاه لما سيطرت الولايات المتحدة على أفغانستان.

كما أن التناول الإعلامي الإيراني للتطورات المتلاحقة والمتغيرة على مدار الساعة في أفغانستان ينبئ بإلقاء اللوم ضمنياً على الولايات المتحدة في سيطرة طالبان على كابول، وعلى سبيل المثال، نشرت وكالة (إرنا) الإخبارية تحليلاً جاء فيه أن الدعم الأميركي لحركة طالبان والاتفاق بينهما كان بمثابة لعب أميركي بالنار.

وتزامن مع هذا التوجه الإعلامي الإيراني الرسمي احتجاجات أفغان هزارة في طهران ومشهد وقم في 16 أغسطس 2021م، حاملة لافتات ضد حركة طالبان السنية، ومرددة هتافات عديدة، منها: «لا نريد إمارة إسلامية»، و«الموت لداعمي طالبان» و«الموت لأشرف غني الخائن»، و«الموت لباكستان».

ختاماً.. النظام الإيراني وعلى المدى البعيد لن يرى في طالبان حليفاً طبيعياً، بصرف النظر عن التقارب الراهن بينهما في معاداة الولايات المتحدة، لأنه يرى في طالبان خصماً أيديولوجياً كونته مواقف تاريخية ونعرات طائفية.

وفد طالبان التقى عدداً من المسؤولين الإيرانيين
لقاء ظريف والملا عبد الغني برادر في طهران