أطلق مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) برنامج الاتزان الرقمي "سينك"، بهدف رفع الوعي والتأثير على المجتمع في ممارسة العادات الرقمية السليمة، ومعالجة الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي؛ لتقديم رؤية قيادية للعالم الرقمي الجديد في مرحلة ما بعد الجائحة، كما سيتم عقد القمة العالمية في 3 جمادى أول 1443هـ الموافق (7 ديسمبر 2021م)، وسط حضور نخبة من الخبراء والمؤسسات المحلية والعالمية.

الحاجي: «غوغل» أثر على الذاكرة الفسيولوجية

ويأتي برنامج الاتزان الرقمي، الذي يتضمن منصة رقمية والعديد من البرامج والندوات المتنوعة، كجزء من جهود إثراء المستمرة في تسريع وتمكين الابتكار من خلال استخدام التقنية الحديثة، حيث أطلق المركز في الفترة الماضية برنامج "الحلول الإبداعية"، الذي يهدف من خلاله إلى أن يكون رائدًا في المشاركة الإيجابية مع التقنية والأدوات التي تدعم العملية المبتكرة والإبداعية، إذ تشغل التقنية والتطبيقات اليوم حيزًا كبيرًا من حياة أفراد هذا العصر، كما أنها تقدّم دورًا هامًا في جودة الحياة بمختلف المجالات، سواء الثقافية أو الاجتماعية أو الفنية أو الاقتصادية؛ ممّا دفع مركز "إثراء" لأخذ هذه الخطوة الفارقة لدراسة عالم التقنية وأثرها على حياة المستخدمين؛ سعيًا إلى رفع الوعي حول استخدام التقنية، ممّا يسمح للمستخدمين بالحصول على الفائدة من عالم الإنترنت، وتقليل الأضرار التي تسببها التقنية، كاضطراب النوم على سبيل المثال.

السليم: الناس تخشى التغيير

وأكّدت الدراسات البحثية، التي أجراها المركز بالتعاون مع مؤسّسة بيرسون كون وولف، أن الاستخدام الرقمي المفرط أصبح أمرًا مُقلقًا على مستوى العالم والمنطقة، حيث استعرض البحث النتائج التالية: يقوم ما نسبته 40 % من الجيل الذي يلي جيل الألفية، بخداع أصدقائهم وعائلاتهم عن المدة التي يقضونها على الإنترنت، كما يقضي الجيل الذي يلي جيل الألفية، وسكان جنوب آسيا والشرق الأوسط وقتًا أطول مما يجب على الإنترنت، ويؤثر التنمر الإلكتروني على قرابة 34 % من الأشخاص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة لقيام بعض الأشخاص باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكلٍ فردي، كتصفّح المنشورات دون التفاعل والتعليق؛ ممّا يولد لديهم الشعور بالوحدة، ويؤدي استقبال التنبيهات من وسائل التواصل الاجتماعي عبر الهاتف المتنقل إلى حالة "ترقّب حدث"، وزيادة نسبة هرمون الدوبامين في كل مرة يتلقّى فيها المستخدم رسالة مُفرحة، حيث تزودنا وسائل التواصل الاجتماعي بسلسلة من المحفزات الإيجابية والسلبية التي لا تنتهي.

كما تضمن حفل التدشين جلسة حوارية أدارها المستشار الثقافي للبرامج في مركز "إثراء"، طارق خواجي، استضاف من خلالها رئيس وحدة الرؤى السلوكية في وزارة الصحة الأستاذ محمد الحاجي، والأستاذ المساعد في تخصّص علم النفس في جامعة الملك سعود الدكتوره هيلة السّليم.

ووصف محمد الحاجي علاقة التكنولوجيا بالإنسان بحقل التجارب حيث قال: نحن فئران تجارب في حقل كبير جداً، أبعاده الثقافية والمعرفية والنفسية لن تتجلى إلا بعد سنين من الآن، وهناك مفهوم يجب أن يؤسس وهو مفهوم المرونة العصبية والذي يعني أن كل شيء نفعله يوميًا يحفر مجراه في الدماغ الفسيولوجي، بحيث إنه عند استخدامنا للسوشيال ميديا لمدة سبع ساعات يوميًا لمدة 365 يوم كفيلة بأن تغير التكوين التشريحي للدماغ البشري، وهنا تكمن خطورة هذا الأمر.

وأضاف الحاجي: عندما نتحدث عن السوشيال ميديا من الجانب الإدراكي والنفسي فإننا هنا نتكلم عن موضوع الانتباه وما توصلت له الدراسات العلمية التي وجدت أن المقدرة على الانتباه بين المراهقين والأطفال أصبحت ضعيفة ومنخفضة جداً، لأنهم اعتادوا على تجزئة المحتوى على شكل بوستات وتغريدات وما شابه ذلك، وهذه التجزئة في المحتوى جعلتنا أقل قدرة على تفادي التشتت، وأكثر عرضة للتشتت، كذلك لدينا عنصر آخر مهم في الجانب الإدراكي وهي الذاكرة، والتي ضعفت بسبب ما يسمى بـ"تأثير قوقل" ويعني أننا لا نحتاج معرفة المعلومة ولكن نحتاج إلى كيفية الوصول للمعلومة، وبالتالي أصبح لدينا ضعف في الذاكرة التي تهتم بتخزين وفهم المعلومات.

وذكرت السليم أن التقنية أصبحت شيئاً ضرورياً ورئيسياً، ولكن الناس تخشى الجديد والخوف من أي تغيير، وهذا الجديد هو جزء من حياتنا يتطلب منّا الوعي واستيعاب الجديد، والحقيقة هي أننا لا يمكننا الاستغناء عن هذه التقنيات الجديدة.

وقال رئيس برنامج إثراء للاتزان الرقمي الأستاذ عبدالله الراشد أن برنامج "إثراء سينك" سيمر بعدة مراحل، تستمر مرحلته الأولى لثلاثة أعوام، وبعدة مسارات لخصها الراشد بأبرز ثلاث مسارات (البحثي، والحملات والبرامج، والبرامج والفعاليات الإبداعية)، وهي المسار البحثي الذي يعني بمسح الدراسات والمقالات والأبحاث والتعرف على آخر ما توصل إليه في هذا المجال، كما قام المركز بإحدى أكبر الدراسات الاستطلاعية على مستوى العالم، وصلت لأكثر من ثلاثين دولة و15 ألف مشارك لفهم مفهوم الاتزان الرقمي عند المجتمع وسلوكياتهم نحو التقنية وتفاعلهم معها. وأضاف الراشد: تأكدت من هذا الدراسة أن نصف سكان العالم يعاني من اضطرابات النوم بسبب تعلقه بالجوال.

كما أكّد قائلًا: "إن التحدي الذي يواجهنا جميعًا هو تسخير التقنية وجعلها تعمل في صالحنا، حيث يمكننا الوصول إلى كتب المكتبات والمحادثات الفعّالة من خلال الأجهزة المحمولة الصغيرة، ولكن لدينا مخاوف حول كوننا مقيدين أمام الشاشات والأجهزة ممّا يعرّض صحتنا للخطر"، مضيفًا، "إن التقنية الرقمية خادم جيد، لكنها سيد رديء".

وأوضح: "لا توجد إجابات بسيطة أو سهلة، لقد رأينا فائدة الأدوات الرقمية ومساعدتها في توفير التعليم والمعلومات والثقافة أثناء فترة الحظر وانتشار الوباء، وفي المقابل رأينا تأثيرًا غير صحي كالتنمّر الإلكتروني، والسعي الدؤوب للحصول على "إعجابات" تؤثّر على صحة الأفراد العقلية".