عيد الصليب
عيد الصليب
تعيد الكنيسة بـعيد الصليب في 17 توت 27 سبتمبر يوم ظهوره للملك قسطنطين, وفي يوم 10 برمهات 19 مارس يوم عثور الملكة هيلانة علي خشبة الصليب المقدسة.
ونحن نريد اليوم أن نتكلم عن الصليب بمعناه الروحي, وعن أهمية الصليب وبركته في حياتنا.
الصليب هو كل مشقة نحتملها من أجل محبتنا لله أو محبتنا للناس, لأجل الملكوت عموما..
السيد المسيح والصليب
لقد دعا السيد إلي حمل الصليب, فقال إن أراد أحد أن يأتي ورائي, فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني (متي 16:24) مر (8:24), وقال من لا يأخذ صليبه ويتبعني, فلا يستحقني (متي 10:38). وقال للشباب الغني اذهب بع كل مالك وأعطه للفقراء… وتعال اتبعني حاملا الصليب (مر10: 21).
وقد جعل حمل الصليب شرطا للتلمذة عليه.
فقال ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي, فلا يقدر أن يكون لي تلميذا (لو 14:27).
وهو نفسه ـ طوال فترة تجسده علي الأرض ـ عاش حاملا للصليب, فمنذ ولادته أراد هيرودس أن يقتله, فهرب مع أمه إلي مصر ولما بدأ رسالته, احتمل تعب الخدمة ولم يكن له أين يسند رأسه (لو 9:58). وعاش حياة ألم, حتي قال عنه إشعياء النبي إنه رجل أوجاع ومختبر الحزن (إش 53:3) ونال اضطهادات مرات من اليهود, ففي إحدي المرات تناولوا حجارة ليرجموه (يو 10:31).
وفي مرة أخري أرادوا أن يلقوه من علي الجبل (لو 4:29), أما شتائمهم واتهاماتهم له, فهي كثيرة جدا.. كل هذه صلبان غير الصليب الذي صلب عليه..
الصليب في حياة القديسين
تلاميذ المسيح أيضا وضعوا الصليب أمام أعينهم.
كرزوا باستمرار.. وقالوا ذلك ولكننا نكرز بالمسيح مصلوبا مع أنه لليهود عثرة ولليونانيين جهالة (1كو 1:23), وقال بولس الرسول لم أعزم أن أعرف شيئا بينكم, إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبا (1كو 2:2), بل افتخر بالصليب قائلا وأما أنا فحاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح, الذي به قد صلب العالم لي, وأنا للعالم (غل 6:14).
حتي الملاك الذي بشر بالقيامة, استخدم هذا التعبير يسوع المصلوب (متي 28:5).
الصليب هو الباب الضيق الذي دعانا الرب إلي الدخول منه. (متي 7:12).
وقال لنا في العالم سيكون لكم ضيق (16:33) وتكونون مبغضين من الجميع لأجل اسمي (متي 10:22) بل تأتي ساعة يظن فيها أن كل من يقتلكم يقدم خدمة لله (يو16: 2) لو كنتم من العالم, بل أنا اخترتكم من العالم, لذلك يبغضكم العالم (يو15:19), كذا كان القديس بولس الرسول يعلم أنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله (أع 14:22)…
وحياة الصليب واضحة في سير الشهداء والرعاة والنساك: في سبيل الإيمان احتمل الشهداء والمعترفون عذابات وآلاما لا تطاق. وغالبية الرسل الأساقفة الأول ساروا في طريق الاستشهاد. ولما دعا الرب شاول الطرسوسي ليكون رسولا للأمم, قال عنه سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي (أع 9:16). ومن أمثلة آلام الرعاة والصليب الذي حملوه, يمكن أن نذكر القديس اثناسيوس الرسولي, الذي نفي أربع مرات وتعرض لاتهامات رديئة, والقديس يوحنا ذهبي الفم الذي نفي أيضا.. وما تعرض له الآباء من سجن وتشريد.
أما الآباء الرهبان, فالكنيسة تلقبهم لباس الصليب.
حملوا صليب الوحدة والبعد عن كل عزاء بشري, وصليب النسك الذي تجردوا فيه عن كل رغبة جسدية, وتحملوا آلام الجوع والعطش, والبرد والحر والعوز من أجل عظم محبتهم في الملك المسيح, كما تحملوا أيضا متاعب ومحاربات الشياطين بأنواع وطرق شتي, كما في حياة القديس الأنبا انطونيوس.
الحياة المسيحية هي صليب
إن الحياة المسيحية بواقعها العملي هو رحلة إلي الجلجثة, والمسيحية بدون صليب, لا تكون مسيحية حقيقية.
والذين استوفوا خيراتهم علي الأرض, لا يكون لهم نصيب في الملكوت, كما تشرح لنا قصة الغني ولعازر (لو 16:25).
نقول هذا عن الأفراد, كما يقوله عن الجماعات والكنائس أيضا.. المسيحية هي شركة في آلام المسيح كما قال القديس بولس الرسول لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه, متشبها بموته (في 3:10). وقال عن شركة الآلام هذه.
مع المسيح صلبت. فأحيا لا أنا, بل المسيح يحيا في (غل 2:20).
فإن أردت أن يحيا المسيح فيك, ينبغي أن تصلب مع المسيح, أو أن تتألم من أجله, أقول هذا بالمعني الروحي. وتظهر محبتك لله بأن تتحمل وتتألم من أجله, ولو أدي الأمر أن تموت من أجله أيضا.
في المسيحية تتألم, وتجد في الألم لذة, وتنال عن ألمك أكاليل المجد, ويتحول ألمك إلي مجد.
ليست المسيحية صليبا تحمله وتتضجر وتتذمر شاكيا! كلا, بل هي محبة للصليب, محبة للألم والبذل والتعب من أجل الرب ومن أجل نشر ملكوته.. وقيل عن السيد المسيح … الذي من أجل السرور الموضوع أمامه, احتمل الصليب مستهينا بالخزي (عب 12:2), وقال القديس بولس لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح (2كو 12:10).. والآباء الرسل بعدما جلدوهم خرجوا فرحين من أمام المجمع, لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا لأجل اسمي (أع 5:41).. أما عن أمجاد الآلام, فيقول الرسول إن كنا نتألم معه: فلكي نتمجد أيضا معه (رو8:17).
ولذلك قال بعدها إن آلام الزمان الحاضر, لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا (رو8:18). وهكذا قال القديس بطرس الرسول إن تألمتم من أجل البر فطوباكم (1بط3:14) إذن فالألم معه طوبي. وقد ذكرهم السيد المسيح بقوله طوبي لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين.. افرحوا وتهللوا لأنه أجركم عظيم في السموات.. فإنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم (متي5: 11ـ12).
وهنا نجد الآلام من أجل الرب: ترتبط بالفرح والتهليل وبالأجر السماوي.