على ضفاف آيات (8)


لِلْفُقَرَآءِ اِ۬لْمُهَٰجِرِينَ اَ۬لذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيٰ۪رِهِمْ وَأَمْوَٰلِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاٗ مِّنَ اَ۬للَّهِ وَرِضْوَٰناٗ وَيَنصُرُونَ اَ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۖ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لصَّٰـٰدِقُونَۖ (8) وَالذِينَ تَبَوَّءُو اُ۬لدَّارَ وَالِايمَٰنَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِے صُدُورِهِمْ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُوثِرُونَ عَلَيٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٞۖ وَمَنْ يُّوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُفْلِحُونَۖ (9) وَالذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اَ۪غْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَٰنِنَا اَ۬لذِينَ سَبَقُونَا بِالِايمَٰنِ وَلَا تَجْعَلْ فِے قُلُوبِنَا غِلّاٗ لِّلذِينَ ءَامَنُواْۖ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌۖ (10) .

هذه الآيات جاءت في سياق الحديث عن تقسيم الفيء وتحديد مستحقيه، قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: “من كان يبغض أحداً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أو كان في قلبه عليهم غل فليس له حق في فيء المسلمين، ثم قرأ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ الآية” ، لكن – إلى جانب  ما فيها من أحكام- هناك رسائل تستحث الأفهام، و إشارات تداعب الأقلام.

والآيات التي بين أيدينا شهادة إلهية، وثناء رباني وفيض رحماني أمطر به الجواد الكريم سبحانه وتعالى المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

لِلْفُقَرَآءِ اِ۬لْمُهَٰجِرِينَ اَ۬لذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيٰ۪رِهِمْ وَأَمْوَٰلِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاٗ مِّنَ اَ۬للَّهِ وَرِضْوَٰناٗ وَيَنصُرُونَ اَ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۖ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لصَّٰـٰدِقُونَۖ 

هؤلاء المهاجرون أُجبروا على الخروج من ديارهم، وأُرغموا على ترك أموالهم، وأكرهوا على هجر أوطانهم وفراق أحبابهم بسبب دينهم وعقيدتهم. اضطهدوا فصبروا، عُذّبوا فاحتسبوا، ثمّ أُذن لهم بالخروج فسارعوا وبادروا. وبذلوا في سبيل الله مالهم وما لهم. خرجوا حبًا لله ولرسوله، واختاروا الإسلام على ما فيه من الشدّة، حتى لقد كان الرجل منهم يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من وطأة الجوع. أعطوا برهان الصدق، فشهد لهم سبحانه وقال: أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لصَّٰدِقُونَۖ كما شهد سبحانه في المنافقين الذين عاهدوا اليهود على النصرة ووعدوهم بالخروج معهم والقتال دونهم فقال: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَٰذِبُونَۖ.

وشتان بين الطائفتين، هؤلاء شهد لهم ربّ السماوات والأرض بالصدق، وأولئك شهد عليهم بالكذب.

وتأمل هذه الجملة التي يشعّ نورها وسناها، ويفوح عطرها وشذاها، ويُرجى قائلها ومولاها: أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لصَّٰدِقُونَۖ أيّ شهادة تعدل هذه الشهادة؟ وأي وسام يفوق هذا الوسام؟

يقول الشيخ ابن عاشور-رحمه الله تعالى-: “وجملة {هم الصادقون} مفيدة القصر لأجل ضمير الفصل وهو قصر ادعائي للمبالغة في وصفهم بالصدق الكامل، كأنَّ صدق غيرهم ليس صدقاً في جانب صدقهم.”

ومن ذا يبذل بذلهم، ومن ذا يضحي مثلهم، ومن ذا يصبر صبرهم، ومن ذا يسبق سبقهم؟

وَالذِينَ تَبَوَّءُو اُ۬لدَّارَ وَالِايمَٰنَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِے صُدُورِهِمْ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُوثِرُونَ عَلَيٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٞۖ وَمَنْ يُّوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُفْلِحُونَۖ (9).

قال الإمام الشوكاني -رحمه الله تعالى- في فتح القدير: “ثم لما فرغ من مدح المهاجرين مدح الأنصار فقال: والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم المراد بالدار المدينة، وهي دار الهجرة”.

وإذا كان المهاجرون قد أعطوا برهان الصدق بصبرهم على هجر الديار والأوطان، ومفارقة الأهل والخلان، وفقد محبوبات النفس من مال ومتاع، فإن الأنصار أعطوا برهان الصدق بخالص المحبة والودّ، والسخاء بالصاع والمُدّ، والسماحة فيما أُعطوا دون حسد أو حقد، والإيثار على النفس رغم الخصاصة وقلة ذات اليد. فاستحقوا ثناء الله عليهم. واستحقوا أن يذكر فعلهم هذا إلى يوم الدين.

لقد ذكر لهم ربنا –سبحانه- ستّ خصال:

الأولى: أنّ المولى الكريم منّ عليهم بتبوّء المدينة المنورة، التي سبق في علم الله -سبحانه- أنها تكون دار هجرة حبيبه ومنشأ دولة الإسلام…

الثانية: شهد لهم سبحانه أن تمكّنهم من الإيمان كتمكنّهم من المدينة استقرارا وثباتا، حتى كان الإيمان مستقرا لهم وموطنا، ولذلك عبّر عنهما معا ب “تبوّءوا”.

قال الإمام الزمخشري -رحمه الله تعالى- في الكشاف: “والذين تبوّءوا معطوف على المهاجرين، وهم الأنصار فإن قلت: ما معنى عطف الإيمان على الدار، ولا يقال: تبوءوا الإيمان؟ قلت: معناه تبوّءوا الدار وأخلصوا الإيمان، كقوله: [من الرجز] علفتها تينا وماء باردا. أو: وجعلوا الإيمان مستقرا ومتوطنا لهم لتمكنهم منه واستقامتهم عليه، كما جعلوا المدينة كذلك. أو: أراد دار الهجرة ودار الإيمان”.

الثالثة: أنهم يحبّون من هاجر إليهم، والحبّ كما الإيمان هي أعمال قلبية لا يطّلع عليها إلا علّام الغيوب. ولقد أعطوا البرهان على صدق حبّهم حينما تقاسموا مع إخوانهم المهاجرين أموالهم وديارهم.

الرابعة: أنهم حينما يعطي النبي صلى الله عليه وسلم إخوانهم المهاجرين شيئا دونهم فإنهم لا يشعرون بشيء يكدّر نقاء قلوبهم، ويعكّر صفاء ودّهم. فلا ضغينة ولا حسد، ولا حزازة على أحد.

قال الشوكاني في فتح القدير: “وكان المهاجرون في دور الأنصار، فلما غنم النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير دعا الأنصار وشكرهم فيما صنعوا مع المهاجرين من إنزالهم إياهم في منازلهم، وإشراكهم في أموالهم، ثم قال: إن أحببتم قسمت ما أفاء الله عليّ من بني النضير بينكم وبين المهاجرين، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم والمشاركة لكم في أموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم ذلك وخرجوا من دياركم، فرضوا بقسمة ذلك في المهاجرين وطابت أنفسهم”.

كانت غزوة بني النضير في العام الرابع الهجري، معنى ذلك أن الأنصار حملوا إخوانهم المهاجرين أربعة أعوام، وقاسموهم المساكن والأموال والطعام. فلما أفاء الله على رسوله ومكّنه من أموال بني النضير وبيوتهم وأراضيهم، اقترح على الأنصار اقتراحه ذاك. فرضوا بقسمة ذلك في المهاجرين وطابت أنفسهم.

رضي الله عنهم وأرضاهم. لم تتحرك بالسوء نفوسهم، ولم تتأجج بالحسد والغلّ صدورهم.

الخامسة: أنهم أهل إيثار رغم حاجتهم وخصاصتهم وقلة ذات يدهم. والإيثار أعلى أنواع العطاء، وأكمل صنوف السخاء. وإليكم هذه القصة العجيبة التي أقلّ ما يقال عنها إنها تترك المرء يصيح من أعماق قلبه باكيا: لله ذرّكم يا معشر الأنصار، أيّ نوع من الناس كنتم؟ وأي طينة من القلوب قلوبكم؟

“أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أصابه الجهد فقال يا رسول الله إني جائع فأطعمني، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أزواجه: هل عندكن شيء؟ فكلهن قلن: والذي بعثك بالحق ما عندنا إلا الماء، فقال: ما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يطعمك هذه الليلة. ثم قال: من يضيف هذا هذه الليلة يرحمه الله؟ فقام رجل من الأنصار وقال: أنا يا رسول الله. فأتى به منزله، وقال لأهله: هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكرميه ولا تذخري عنه شيئا. فقالت: ما عندنا إلا قوت الصبية، فقال: قومي فعلليهم عن قوتهم حتى يناموا ولا يطعموا شيئا، ثم أصبحي سراجك، فإذا أخذ الضيف ليأكل، فقومي كأنك تصلحين السراج، فأطفئيه، وتعالي نمضغ ألسنتنا لأجل ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يشبع، ففعلت ذلك، فظن الضيف أنهما يأكلان معه، فشبع هو، وباتا طاويين، فلما أصبحا غدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نظر اليهما تبسم، ثم قال: ضحك الله الليلة، أو عجب من فعالكما، فأنزل الله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ الآية.”

“ولقد أهدي لرجل مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة، فقال: إنَّ أخي فلانًا وعياله أحوج إلى هذا منَّا. فبعث به إليهم، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى تداولها أهل سبعة أبيات حتى رجعت إلى الأوَّل، فنزلت: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ“ .

حقا إن قوما مثل هؤلاء يستحقون أن تقام لهم دولة على الأرض، وأن ينالوا رضى الرحمان يوم العرض.

السادسة: شهد لهم -سبحانه- بأنهم قد وُقوا شحّ أنفسهم وتغلبوا عليها. وهذه مرتبة سامية في تزكية النفوس وتهذيبها.

قال الشيخ سيدي أحمد بن عجيبة –رحمه الله تعالى- في البحر المديد: “{ومَن يُوق شُحَّ نفسه} أي: مَن يقيه الله شحَّ نفسه حتى يغالبها فيما يغلب عليها، مِن حب المال وبُغضَ الإنفاق، {فأولئك هم المفلحون}؛ الفائزون بكل مطلوب، والناجون من كل مرهوب. والشح – بالضم والكسر -: اللُّؤم، وأن تكون نفس الرجل كزّةً حريصة على المنع. وإضافته إلى النفس لأنه غريزة فيها، وأما البخل فهو المنع نفسه، وقيل: الشُح: أكل مال أخيك ظلماً، والبخل: منع مالك، وقيل: الشُح: منع ما عندك والطمع في غيرك، والبُخل: منع مالك من غير طمع، فالشُح أقبح من البخل. والجملة: اعتراض وارد لمدح الأنصار بالسخاء، بعد مدحهم بالإيثار.”

وَالذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اَ۪غْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَٰنِنَا اَ۬لذِينَ سَبَقُونَا بِالِايمَٰنِ وَلَا تَجْعَلْ فِے قُلُوبِنَا غِلّاٗ لِّلذِينَ ءَامَنُواْۖ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ.

وللإمام القرطبي –رحمه الله تعالى- كلام نفيس في تفسير هذه الأية:

“قوله تعالى: والذين جاءوا من بعدهم يعني التابعين ومن دخل في الإسلام إلى يوم القيامة.

قال ابن أبي ليلى: الناس على ثلاثة منازل: المهاجرون، والذين تبوءوا الدار والإيمان، والذين جاءوا من بعدهم. فاجهد ألا تخرج من هذه المنازل.

وقال بعضهم: كن شمسا، فإن لم تستطع فكن قمرا، فإن لم تستطع فكن كوكبا مضيئا، فإن لم تستطع فكن كوكبا صغيرا، ومن جهة النور لا تنقطع. ومعنى هذا: كن مهاجريا. فإن قلت: لا أجد، فكن أنصاريا. فإن لم تجد فاعمل كأعمالهم، فإن لم تستطع فأحبهم واستغفر لهم كما أمرك الله.

وروى مصعب بن سعد قال: الناس على ثلاثة منازل، فمضت منزلتان وبقيت منزلة ; فأحسن ما أنتم عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت.

وعن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جده علي بن الحسين رضي الله عنه، أنه جاءه رجل فقال له: يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما تقول في عثمان؟ فقال له: يا أخي أنت من قوم قال الله فيهم: (للفقراء المهاجرين) الآية. قال: لا. قال: فوالله لئن لم تكن من أهل الآية فأنت من قوم قال الله فيهم: (والذين تبوءوا الدار والإيمان) الآية. قال: لا. قال: فوالله لئن لم تكن من أهل الآية الثالثة لتخرجن من الإسلام وهي قوله تعالى: والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان الآية.”

إن الذين يتنكرون لأصولهم، وينالون من أهل الفضل من أجدادهم، لا عهد لهم ولا ذمة ولا وفاء. ومن كان ذا حاله فقد ضلّ الطريق. وهل يشمّ ريح الوصول من ترك الأصول وسبّ الأولياء الفحول؟

إنما يدخل في ظل هذه الآيات وينال من رحماتها وبركاتها، من صفا قلبه، وزكت نفسه، وأحبّ من أمرنا اللهُ ورسولُه بمحبتهم، وأخلص في الدعاء لهم. رَبَّنَا اَ۪غْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَٰنِنَا اَ۬لذِينَ سَبَقُونَا بِالِايمَٰنِ وَلَا تَجْعَلْ فِے قُلُوبِنَا غِلّاٗ لِّلذِينَ ءَامَنُواْۖ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ.

والسؤال المطروح هو هل يحدثنا القرآن عن هذه النماذج الفريدة من نوعها، المتميزة في طرازها، التي استحقت ثناء الله عليها ورضاه عنها، فقط لأجل أن نعرف أنه عاش على وجه هذه الأرض أناس تحابّوا بروح الله حتى هانت عليهم زينة الحياة الدنيا وصغرت في عيونهم، وعافتها قلوبهم، وأنفقوا منها في سبيل الله، فمكّن الله لهم في الأرض حتى حكموا مشارقها ومغاربها وأقاموا دولة الإسلام. أم أنها دعوة لاكتشاف هذه النماذج، وتجديدها، وتجديد وظائفها، وتقمص شخصياتها؟

هل انقطعت الهجرة، وانتهت النصرة، وانطمس نور تلك المحبة القلبية المتعلقة بالله وبرسول الله والتي تربط المؤمنين ببعضهم إلى قيام الساعة. أم أنها معان دائمة ووظائف متجدّدة يسري مفعولها، وتحلّ بركاتها، ويبزغ فجرها، كلما وجدت قلوب طاهرة ذاكرة مستعدة لاقتحام العقبة؟

رحم الله سيدي أحمد بن عجيبة فقد انتبه إلى هذه الإشارة الراقية فقال: “الذين يستحقون المواهب، والفيض الإلهي والاصطفاء، ثلاث أصناف، الأول: الفقراء الذين هاجروا أوطانهم، وتركوا ديارهم وعشائرهم؛ طلباً لصلاح قلوبهم وأسرارهم، والثاني: القوم الذين نزلوا بهم إذا آووهم وآثروهم بأموالهم وأنفسهم، الثالث: مَن جاء بعدهم طلباً لذلك، على الوصف الذي ذكره الحق {يقولون ربنا اغفر لنا…} الخ.”

وترك ذلك واسعا في أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم التي لا ينقطع فيها الخير إلى يوم القيامة. ثم ذكر مثالا على استمرار تلك الخطى المباركة فقال: “قال الشيخ أبو يزيد: ما غلبني أحد غير شاب من بَلْخ، قَدِمَ حاجًّا، فقال: يا أبا يزيد، ما الزهد عندكم؟ فقلت: إذا وجدنا أكلنا، وإذا فقدنا صبرنا، فقال: هكذا عندنا الكلاب ببلخ، فقلت: وما الزهد عندكم؟ فقال: إذا وجدنا آثرنا، وإذا فقدنا شكرنا. هـ.”

وقد أشار إلى هذه المعاني التجديدية الإمام عبد السلام ياسين –رحمه الله تعالى- حيث قال: “في حياة من يسمونه الآن إسلاميين هجرة نقلت كل واحد منهم من جاهليته لإسلامه. وهكذا يتجدد معنى الهجرة. وما يبقى لمن تمت هجرته إلا أن ينظر في كتاب الله وسيرة رسوله صلى الله عليه وسلم ليكتشف النموذج الأول للمهاجرين، ويتلقى الأمر الموجه إليهم والوعد الذي وعدوا به، ويتقمص الشخصية ويقوم بالوظيفة التاريخية. قال الله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه. فها قد ترك لنا سبحانه مكانا في رضاه، وإمكانية تسلل واستمرار على تلك الخطى المباركة، بشرط اتباعهم بإحسان. ما أجيالنا نبذ منبوذة في تاريخ.

يتجدد الإسلام بتجدد الإيمان، وتجدد الفئات المذكورة في القرآن، وتجدد وظائفها. وفي المواجهة يصطف جند الله من مهاجرين وأنصار، يقاومون ويقاتلون حزب الشيطان الكافرين من خارج، وحزبه المدسوس فينا من المنافقين. ويتعرض حزب الله لإنكار الأعراب السادرين في غفلاتهم، وركودهم الناعس وسخريتهم.

ما كانت الهجرة حدثا تاريخيا فريدا انقضى، بل هي معنى وسلوك واختيار. هجرة الأفراد الإيمانية الخلقية الإرادية، تتبعها هجرة كل منهم نحو إخوته، وانضمامه إليهم، وانتظامه معهم. ويتكون صف الجهاد لإعادة الخلافة على منهاج النبوة. «كما بدأنا أول خلق نعيده، وعدا علينا. إنا كنا فاعلين».

ما انقطعت الهجرة وما ينبغي لها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم وأبو داود «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها».

وهكذا النصرة: وظيفة تتجدد”

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وحزبه.


[1] [سورة الحشر آية 8-9-10.].
[2] انظر قول مالك في (أحكام القرآن) لابن عربي (4/1778)، زاد المسير في علم التفسير (8/216)، تفسير البغوي (7/54)، و انظر تفسير ابن كثير (609/6)..
[3] رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما و انظر زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي.
[4]  [378] رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) والحاكم في ((المستدرك)) (3799).
[5] عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، الشركة العربية الإفريقية للنشر و التوزيع، ط2/1989، ص188-189.
تاريخ الخبر: 2021-09-28 11:20:22
المصدر: الجماعة.نت - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 69%

آخر الأخبار حول العالم

الولايات المتحدة.. أرباح “ميتا” تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-25 09:24:55
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 68%

بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-25 09:24:57
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 64%

الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة “شنتشو-18”

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-25 09:25:00
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 52%

توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-25 09:24:51
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 70%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية